fbpx

قانون قيصر وتداعيات النّظام السّوريّ

0 350

ربّما يعتبر قانون قيصر أو ” قانون سيزر” أكبر كابوس حقيقيّ يصدم النّظام ويفتك بقدراته الاقتصاديّة والسّياسيّة والعسكريّة، لأنّ القدرات المساندة للنّظام هي قدرات اقتصاديّة وعسكريّة ذات تمظهرات وانعكاسات دوليّة وإقليميّة داعمة له، فإذا تمّت محاصرة النّظام اقتصادياً وتمحاصرة وعقوبة حلفائه وداعميه سيبدأ بالتّرنّح والسّقوط والتّداعيّ، لأنّ الحليفين الرّوسيّ والإيرانيّ ليسا قادرين على حماية النّظام ولا إعادة توازنه السّياسيّ والعسكريّ والاقتصاديّ، لأنّ قانون قيصر هو جاثوم حقيقيّ فوق صدر النّظام وآلته القمعيّة المتوحّشة.

وقانون قيصر هو القانون الأمريكيّ الّذي وقّع عليه الرئيس ترامب في عام 2019 بعد ست سنوات من التّداول في الكونغرس فأقرّ في هذا العام بعد أنّ بدأت أولى مداولاته في عام 2014، وقيصر هو اسم رمزيّ لمصوّر سوريّ عمل في الشّرطة العسكريّة وقام بتصوير 55 ألف صورة لـ 11 ألف سجين تبرز التّعذيب والتّشويه والتّمثيل الممنهج بأجساد المعتقلين والمعذّبين ما أظهر وحشيّة وساديّة النّظام السّوريّ وبشاعة جرائمه ضد الإنسانية في هذه المعتقلات، وحمل معه هذه الصّور بعد انشقاقه عام 2013 ليشرح لأعضاء الكونغرس حقيقة هذه الجرائم التّاريخيّة ضدّ الإنسانيّة.

وقد جاء هذا القانون في 22 صفحة مترجمة عنه تحمل الرّمز S52   الّذي أقرّ في 20 كانون الأوّل ديسمبر 2019، وخلاصة القانون عقوبات صارمة على الأشخاص والمسؤولين والهيئات المتواطئة في انتهاكات حقوق الإنسان، مع ضرورة حماية المدنيّين، وتجميد الإعمار وتحديد العقوبات الاقتصاديّة على كلّ الكيانات والشّركات الدّاعمة للنّظام اقتصاديّاً وعسكريّاً وتكنولوجيّاً التي يمكن استخدامها في انتهاكات حقوق الإنسان، إضافةً إلى مواد وإجراءات تفصيليّة أخرى متعلّقة بسوريا وبنكها المركزيّ وأنشطتها الماليّة.

وعلى هذا الأساس طالب مشرّعون أمريكيّون بتطبيق صارم ودقيق لقانون قيصر، وناشد هؤلاء الجمهوريّون والدّيمقراطيّون إدارة ترامب بالالتزام في التّنفيذ في شهر حزيران لهذا العام الّذي يدخل فيه القانون حيّز التّنفيذ، وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجيّة بمجلسي النّواب والشّيوخ في بيان مشترك: “إنّ الشّعب السّوريّ عانى كثيراً ولمدّة طويلة من الأسد وعرّابيه”.

ومن هنا يحاول النّظام بكذبه والتفافه التّاريخيّ المعهود قلب المعادلة وإبراز أنّ قانون قيصر هو ضدّ الشّعب السّوريّ وسيسبب أزمات اقتصاديّة إضافيّة هائلة على كاهل الشّعب السّوريّ، وذلك لما يعرفه النّظام من طبيعة السّقوط والتّهاوي الاقتصاديّ له ولشركائه فيحاول تضليل الرأي العامّ بأنّ الضّرر هو على الشّعب السّوريّ وهو المستهدف في هذه العقوبات!

وقد وصلت أسعار الصّرف للّيرة السّوريّة إلى أكثر من ألفي ليرة للدولار الواحد ما فاقم الأزمة في مناطق النّظام والمناطق المحرّرة على حدّ سواء، ولو أنّ المناطق المحرّرة بدأت بخيار بديل وهو استخدام اللّيرة التّركيّة ما يجعلها مستقبلاً أكثر أمناً اقتصاديّاً من مناطق النّظام.

ولابدّ من الفصل بين الخطوط والمفاهيم المعكوسة الّتي يريدها النّظام وحلفاؤه من أنّ الضّرر سينال الشّعب السّوريّ، ولو أنّ ذلك سيحصل نسبيّاً بسبب الانهيار الاقتصاديّ والفقر والبطالة إلاّ أنّ هذه العقوبات ستكون ضربة موجعة للنّظام وشركائه الاقتصاديين والعسكريين، وربّما تبدأ خارطة  التّحالفات والمساومات بالتّغيّر الّذي سينهي الحقبة الدّامية والمشهد الحاليّ إلى مشاهد وخيارات أخرى يدرك من خلالها الشّركاء والفرقاء طبيعة المرحلة واستحالة القفز عليها، وربّما يكون القفز من سفينة النّظام أجدى وأسهل على حلفائه الرّوس والإيرانيّين الّذين يعيشون أوضاعاً اقتصاديّةً  صعبةً وكارثيّة.

إنّ نقطة المفاصلة هي تحديد الشّركات والشّخصيّات الرّوسيّة ورجال الأعمال والمقاولين العسكريّين والصناعيّين الّذين سيقعون فريسة لفاعليّة هذا القانون، وكذلك سيشدّد القانون على خنق الوجود العسكريّ والاقتصاديّ الإيرانيّ ما يجعل خيارات إيران صعبةً ومعقّدة للغاية لأنّ الأمريكييّن سيستخدمون القانون بأبعد فاعليّة ممكنة لضرب خصومهم التّقليديّين من الرّوس والإيرانيّين وخاصّةً الأذرع الموجودة داخل سوريا، بل إنهم سيتحركون لملاحقة الشّركات والشّخصيّات المتورّطة الّتي تدير أعمالها من دول أخرى كلبنان وقبرص وغيرها.

إنّ المؤشّرات تدلّ على إمكانيّة واضحة في رغبة الأمريكيّين في تفعيل هذا القانون من خلال ضغط حقيقيّ على النّظام وحلفائه، وذلك بشرعيّة مؤسسيّة مكتملة الأركان في القرار الأمريكيّ، وتسعى الإدارة الأمريكيّة إلى إجبار الأطراف على قبول التّسوية السّياسيّة تحت غطاء أمميّ والإفراج عن المعتقلين وإيقاف الاعتداء على المدنييّن، وإذا أصرّ النّظام رغم ضعفه على خيارات الحلّ العسكريّ فإنّ استراتيجية الأمريكيّين على الأرجح ستتغيّر في اتّجاهات تفكيك النّظام والإجهاز عليه بأدوات وآليّات أخرى مساعدة في انتزاعه والإطاحة به خلال المدّة القانونيّة المحدّدة في قانون قيصر وهي خمس سنوات – مدّة فاعليّة القانون – وهنا يأتي دور القوى المعارضة في زيادة فاعليّتها وتأثيرها الدّوليّ والإقليميّ للاستفادة من هذا القانون وشرح جرائم النّظام أمام المجتمع الدّوليّ من جديد وتسخين الورقة السّوريّة على مستوى العلاقات والتّقاطعات الدّوليّة لحصد أكبر وأكثر النّتائج إيجابيّة من قانون قيصر، وجمع وتقديم كلّ الوثائق المتعلّقة بجرائم وانتهاكات النّظام أمام المحاكم الدّوليّة من خلال إظهار جرائم الحرب والجّرائم ضدّ الإنسانيّة أمام المحاكم الدّوليّة، وينبغي ألاّ تنسى المعارضة الفعل التّاريخيّ والأسطوريّ لقيصر الشّرطيّ العظيم بقدراته الفرديّة والإنسانيّة المحدودة، ليكون حافزاً ومحرّضاً للفعل السّياسيّ الجمعيّ، لأنّ تاريخ الثّورات والنّضالات المجتمعيّة والتّحوّلات الدّيمقراطيّة هو تاريخ الكلّ الثّوريّ والكلّ المجتمعيّ في كلّ الصّراعات والتّدافعات التّاريخيّة لطلب الحريّة والدّيمقراطيّة وتحصين حقوق الشّعوب.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني