fbpx

في وداع المبدع خالد خليفة.. حزن عميق وأرواح منهكة

0 110

اليوم، وسط تصفيق مديد وعال، دوّت به الأكفّ والأنفاس والدموع، الشارع وشجر الرصيف، ساحة العباسيين وساحة السبع بحرات، تصفيق لخالد خليفة لحظة المغادرة، لحظة تواريه عميقاً في أغوار أرواحنا المنهكة.
الآن، هو يضحك، فمكانه الأثير وأغواره لم يخذلوه.
في الحنايا، تمكث رباعيّة شغفه: الكتابة، الشارع، الضحك، الحبّ.
الكتابة: ألمه السعيد، والحبّ.
الشارع: الحبّ والكتابة يتفوّقان على الحدائق والزهور حين تشرف على هذه الوحول والدماء كلّها.
الضحك: مقاومة، وحبّ.
الحبّ: الكتابة، الشارع، الحبّ، الضحك.
إنّما ثمّة أيضاً ما لا يحبّه خالد ، الاستبداد مثلاً. وبالمقابل هذا لا يحبّه. تعادل قبل به خالد لسبب بسيط هو أنّه ليس شبه كاتب. لا فراغ لديه يحتاج استبداداً لملئه.
اليوم، أعلن خالد استقراره فينا، مكانه الأثير، هو الذي يرى في هجران المثقّف والكاتب بلاده وناسه، إعدامه.
الآن هو فقط ينام أبداً فينا، هذا الابن الشارع الجميل، شغوف بنا نحن أبناء الشوارع المثقلين بالفقد .
الآن، هو متعب وحسب، يرتاح قليلاً من ضجر انتظاره ذلك النسر الذي سيحطّ على الطاولة المجاورة في مقهى السويس باللاذقيّة، ويطلب قهوته، يجلس إلى كرسيّه ويتأمّل المارّة… رغم استحالة تحقّقه، ينتظره خالد كحقيقة غير قابلة للجدل.
” ليست حياتي السابقة سوى وقع أقدام ثقيلة على بلاط بارد. كلّ حياتي السابقة للكتابة ضجيج، لا أجد مبرّراً له سوى أنّه كان يجب أن يُعاش. يجب أن تسير هذه الأقدام بوقعها المزعج كي تصل إلى الصمت.”
اليوم، أعلن صمته، إنّما ليس هو الصمت الذي قصده حكّاء البلاد والعباد والحبّ دائماً.
اليوم، يمضي خالد خليفة، وتحتدّ شدّة التصفيق مضمّخاً بتعب جهاتنا كلّها. تصفيق حادّ كثيف القول. وكثيف الصلوات عليه، صلوات يعرفها جيّداً. صلوات لم تتلى على أحد من قبله!
*بعض مما كتبته استيحاء من كتابه” نسر على الطاولة المجاورة..دفاتر العزلة والكتابة.. الدفتر الأوّل”، صدر عن دار نوفل 2022.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني