fbpx

في نقد رؤية حزب أحرار

0 191

من خلال القراءة المتأنية لرؤية حزب أحرار، حول إعادة إطلاق المرحلة التأسيسية في سوريا، يبدو جلياً البون الشاسع بين الطموح، وما يمكن أن تقدمه الظروف الموضوعية والذاتية، في هذه المرحلة الحالية من الصراع على سوريا.

أولاً: قبل طرح ملاحظاتي حول ما اعتقده من وجود تناقض جوهري في رؤية الحزب، بين الهدف المُعلن (إصلاح هياكل المعارضة السورية، ومأسستها، لكي تصل إلى درجة من الكفاءة والتمثيل الوطني، تجعل منها البديل الديمقراطي لنظام الاستبداد)، وبين الأداة لتحقيق أهداف هذا المشروع الطموح، ألا وهي الائتلاف[1].

يرى الأصدقاء في الحزب أن في دعوة الائتلاف لإصلاح نفسه، وتغيير طريقة عمله، والارتقاء بمستوى أدائه السياسي، فرصة لإطلاق عملية سياسية تأسيسية؛ دون أن يأخذوا بعين الاعتبار طبيعة الظروف المحيطة بعمل قيادته، ومصالحها السياسية، المعيقة لنهج الإصلاح الحقيقي؛ حتى لو حسنت النوايا!!
النقطة الجديرة بالتدقيق، هي ملاحظة عدم وضع الحزب شروط الإصلاح من اجل الانتقال إلى الخطوة التالية، المأسسة، وحصر دوره بتقديم اقتراحات؛ من مبدأ التعامل بإيجابية مع دعوة الائتلاف الإصلاحية، (يعتقد أنها ضرورية لإصلاح المطلوب، شكلا ووظيفة، والعمل على رفع سوية العمل السياسي المعارض بشكل عام)[2].
عدم اشتراط الإصلاح أولا يوحي بإمكانية غض النظر عن عدم تنفيذ مبادرة الائتلاف للإصلاح الذاتي (على طريقة النظام السوري!)، من قبل الحزب، في ظرف ما، ولأسباب محددة، اليس كذلك؟

ثانياً: في سياق عرضه لتفاصيل ومراحل الرؤية، يركز التقرير على نوعين من الخطوات؛ إصلاحية، وتأسيسية؛ تؤسس لنموذج ديمقراطي بديل عن المنظومات الاستبدادية القائمة بكل أشكالها.

في الخطوة التالية، يقدم التقرير رؤيته لأهم المبادىء العامة التي تشكل أرضية لانطلاقة تأسيسية صحيحة لمؤسسات المعارضة.

إذا حاولنا تلخيص رؤية الحزب المتكاملة، يمكن أن نحصل على الفهم التالي: يعتقد الأصدقاء في حزب أحرار ضرورة إصلاح مؤسسات المعارضة القائمة، وفي مقدمتها الائتلاف من أجل مأسسة العمل المعارض، لكي يشكل القيادة السياسية المعارضة، في المرحلة الانتقالية، على طريق بناء مؤسسات نظام حكم جمهوري، ديمقراطي، في المناطق المحررة، تنازع سلطة النظام على السيادة، والشرعية!
ما هي أهم العقبات التي تجعل من هذه الرؤية وَهمْ يستحيل تحقيقه بالصورة الوردية التي يطرحها الأصدقاء.
1- العقبة الكأداء التي تواجه تنفيذ رؤية الحزب هي حقيقية عدم وجود مناطق محررة، بالمعنى الذي يعني إمكانية ممارسة نشاط مدني، ديمقراطي، يسمح ببناء مؤسسات الدولة. المناطق المحررة، ليست سوى جذر خارج سيطرة ميليشيات النظام (وليس مؤسساته الأمنية)، وتخضع لحكم الأمر الواقع الذي تمارسه ميليشيات طائفية، ترتبط بمصالح وسياسات الدول التي تحتل سوريا، ولا تضمن أدنى الشروط الأمنية الضرورية لإطلاق عملية سياسية، مؤسساتية.
2- العقبة الثانية هي استحالة أن تتحول مؤسسات المعارضة السورية (في الائتلاف وهيئة التفاوض والحكومات المؤقتة) إلى مؤسسة وطنية سورية، ذات صدقية وتمثيل شامل؛ بسبب ارتباط آليات تأسيسها، وأهدافها، وقيادتها، وتمويلها، بأجندات إقليمية، ودولية، أصبحت تتنازع اقتسام سوريا إلى حصص ومناطق نفوذ. فما الذي يمكن أن يوحد مثلاً، المناطق التي تسيطر عليها قسد مع المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني، التابع لتركيا؟
بتجاهل الأصدقاء في حزب أحرار عوامل، وظروف السياق التاريخي الذي صنع الهياكل التنظيمية والسياسية لقوى المعارضة السورية الحالية، (خاصة الائتلاف) والذي رسم سقف أهدافها، وحدد طبيعة أفرادها وآليات تمويلها؛ منذ بدايات تفجر الصراع العسكري، نهاية 2011؛ والتي نتجت عن أجندات الدول المتورطة في الخيار العسكري الطائفي في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة، ومسعى تلك الدول (السعودية وتركيا وقطر)، تحت مظلة مؤسسات دولية، وبما يتوافق مع مصالح الروس والأمريكان، لفرض نماذج من المعارضة السورية، تتوافق مع مصالحهم ورؤيتهم لطبيعة الحل السياسي، ومساراته، كما تجسد في مخرجات آستانا واللجنة الدستورية، الساعي إلى شرعنة مصالح الدول، عبر إعادة تجديد سلطة النظام الحالي، على حساب أهداف الثورة الديمقراطية، وبما يتعارض مع جميع مقومات الدولة السورية!!
بمعنى، ثمة شبه استحالة أن تتحول أدوات القوى الإقليمية، إلى مؤسسات سياسية وطنية، تعمل على بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الوطنية.
3- يتجاهل الأصدقاء أيضا الظرف الموضوعي والذاتي السوري الشامل، والسياق الراهن، خاصة في أسبابه التركية، الذي دُفعت فيه قيادة الائتلاف لإجراء بعض الإصلاحات، وارتباط هذه الصحوة بالمرحلة التي وصل إليها مشروع الحل السياسي المطروح، روسيا وأمريكيا (اللجنة الدستورية)، لتجديد نظام دمشق، ودور القوى الإقليمية، خاصة السعودية وتركيا (وقطر) في سياق تحقيقه!
4- من وجهة نظر المصالح العليا للشعب السوري، وأهداف مشروعه الديمقراطي، لا يمكن تجاهل السياق العام الذي تأتي فيها مبادرة الائتلاف الذاتية (للإصلاح)، والذي يجعل من الإصلاح رغبة ومصلحة تركية (تعمل على التنسيق مع السعودية وقطر) من أجل تحويل الائتلاف وحواشيه، وحلفائه من أطراف سورية معارضة، إلى ورقة سياسية رئيسية؛ تتكامل مع أوراقها العسكرية (الهيئة، وميليشيات الجيش الوطني)؛ لفرض أجندات ومصالح تركيا في سوريا، عبر مسارين رئيسيين، قد يأخذهما تطور الأحداث اللاحقة:
أ- التوافق مع روسيا والنظام وإيران على إخراج شكل سياسي ما في دمشق، تترافق مع أو تسبق الانتخابات الرئاسية، يحقق مصالح الجميع، برعاية وموافقة واشنطن، يكون فيها الائتلاف، كونه المعقل الأساسي للإخوان المسلمين، موطئ قدم اساسي.
ب- عدم الوصول إلى اتفاقيات شاملة حول شكل النظام السياسي القادم في دمشق، ما يدفع تركيا إلى تعزيز سيطرتها على مناطق حصصها الحالية في سوريا، التي سيطرت عليها في حروبها السابقة الاتفاق إدلب في نهاية 2019، بما يفرض أمرا واقعا، يدفع باتجاه تقسيم سوريا، عبر فرض سلطة سورية، موازية لسلطة النظام في دمشق، يشكل الائتلاف، وحواشيه، أدواتها السياسية.

رابعاً: يؤكد هذه الاستنتاجات الجهود التركية الحالية، على الصعيد السوري المعارض، وعلى الصعيد الإقليمي. ضمن هذا الإطار، يمكن أن نفهم النشاط السياسي والدبلوماسي التركي تجاه تحسين العلاقات مع الرياض، وتنسيق الخطوات، من اجل توحيد معارضة سورية فاعلة، موحدة، تسعى لتحقيقها من خلال أنشطة مختلفة على صعيد هياكل المعارضة السورية المختلفة.

خامساً: في سياق هذه القراءة الشاملة، يبدو جليا السياق العام الذي يأتي فيه ترحيب الأصدقاء في حزب أحرار في جهود الائتلاف، لتوسيع جسد المعارضة وإعادة هيكليتها، وبما يجعل منها أكثر قدرة، وفاعلية، على تحقيق الأجندات التركية، في ظروف تنافس إقليمي ودولي على تقاسم النفوذ في المرحلة السياسية القادمة.

وهنا يطرح السؤال نفسه:

  • هل تغييب حقائق الصراع في سوريا، وعليها، في هذه المرحلة، عن وعي الأصدقاء في حزب أحرار، وما ينتج عنه من طرح غير موضوعي، تتناقض فيه الأهداف، مع أدوات تحقيقها؟
  • هل يبحث الأصدقاء في حزب أحرار عن موطئ قدم داخل التشكيلة الجديدة، وفي إطار تحقيق أهداف المشروع التركي؛ المتناقض مع أهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري، والذي يتحقق على حساب جميع مقومات الدولة السورية؟ موضوعيا، وبغض النظر عن النوايا، ليس أمامهم سوى هذه الإمكانية، في ظل تعويلهم على الائتلاف؟!

[1]– في الحقيقة، نجد في التفاصيل، تشخيصاً دقيقاً لأعراض مرض الائتلاف، رغم التجاهل الكامل للسبب البنيوي، الجوهري، المتمثل في ظروف تأسيسه، واستمراره، التي جعلت منه ورقة في أجندات إقليمية ودولية، تتعارض مع أهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري.!
يتابع التقرير حديثه عن أبرز الخطايا السياسية التي اقترفها الائتلاف:

1- هيمنة بعض القوى السياسية، واستئثارها بالقرار.

2- الاستقواء بالقوى الإقليمية والدولية.

3- الابتعاد عن المهنية والاحتراف، والعمل المؤسساتي.

يضيف التقرير، موضحاً أن أخطر نتائج هذا النهج، ظهرت بأضعاف العمل السياسي المعارض، وتقزيم طموحات القوى الثائرة، المتطلعة لوجود مؤسسة معارضة وطنية جامعة، قادرة على أن تشكل البديل الديمقراطي، المعارض للنظام!!

[2]– عبر تأسيس هيكلية مؤسساتية، قوية وراسخة ومهنية، تنطلق من منظومة قواعد وأسس سليمة، تؤطر عملها، وترفع مستوى العلاقات بين القوى السياسية المعارضة، وبين القوى المعارضة و الفواعل الإقليمية والدولية، المؤثرة على الملف السوري، لتصبح قائمة على الاحترام، والمصالح المتبادلة، وتؤسس لإمكانية استعادة القرار الوطني ليد السوريين.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني