fbpx

في قيم الـ “نوروز”، وواقع الوعي السياسي النخبوي الديمقراطي!

0 86

إذا كانت الأمّ السورية قد دفعت أغلى أثمان الخيار العسكري الطائفي، (الذي أُطلقت صيرورته خلال 2011-2012، في مواجهة آمال وطموحات السوريين المشروعة في الدمقرطة والحريّة)، ولن تحصد سوى المزيد من المعاناة وآلام الفقد والحرمان في هذه المرحلة من التسوية السياسية الأمريكية، تساورنا شكوك كبيرة في أن يكون كيان سلطة الحكم الذاتي (التي تمثّلها قيادة قسد، واجهتها الديمقراطية مسد -وفي شروط تأسيسها التاريخية، وظروف شرعنة وجودها الراهنة، التي تشكّلها عوامل سياق التسوية السياسية الأمريكية)، يُمثّل التعويض الأفضل للسوريين الكرد، وتشكّل سلطته التجسيد السياسي لآمالهم في الدمقرطة والحريّة والعدالة، التي يرمز لها عيد الـ “نوروز”!.

فخسارات الكرد مركّبة؛ لا تقتصر على ما لحق بهم من أضرار نتيجة لهزيمة صيرورة التغيير الديمقراطي التي أطلقها حراك السوريين السلمي في ربيع 2011، وضياع الآمال المشتركة في قيام الدولة السورية الموحّدة والديمقراطية، العادلة، (الضامن الحقيقي لحقوق جميع السوريين، وفي مقدمتهم الكرد)، وبما لحق بهم من خسائر خلال سنوات الحرب، ولما قدّمه فقراء الكرد، والمرأة والأم الكردية المناضلة، وشرفاء النخب، من تضحيات طيلة أعوام الصراع، وبشكل خاص بعد 2014، في مواجهة عصابات الإرهاب الداعشية، بل، علاوة على ذلك كلّه، لما يمكن أن يحمله مشروع قسد من مخاطر راهنة واستراتيجية على مصالح الكرد الخاصّة، والمشتركة مع جميع السوريين!.

ما يزيد من هواجس السوريين، وأسباب قلقهم هو واقع أنّ الوعي السياسي والثقافي النخبوي الديمقراطي، وحامليه ومروّجيه من العرب والكرد، الذين يمترسون اليوم خلف مشروع قسد، كانوا الأكثر عجزا عن قيادة حراك السوريين السلمي الإصلاحي في ربيع 2011، وعن تقديم قراءة ووعي موضوعي لطبيعة الصراع، والأكثر تعويلا على سياسات قوى الثورة المضادة، سواء في قيادتها الأمريكية/الروسية، أو في مرتكزاتها الإقليمية، إلى درجة باتوا معها خارج مواقع تمثيل مصالح السوريين المشتركة، التي يجسّدها حصول حل سياسي وطني، يبدأ بخطوة الانتقال السياسي في المركز، ويفتح أبواب التحوّل السياسي، بآفاق بناء مقومات المشروع الديمقراطي الحضاري!.

فكلّ الوقائع تُشير إلى عدم موضوعية أن تشكّل سلطات الأمر الواقع الجديدة الراهنة أساساً ومنطلقاً لبناء مستقبل آمن لجميع السوريين، ليس فقط لكونها أحد أدوات الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي، بل، وعلاوة على ذلك، بل ولأنّ استمرار وجودها وإعادة تأهيلها يرتبط بنيويّاً بوجود سلطة النظام والتطبيع معه، بما يضع صيرورة قيام سوريا الجديدة (لامركزيّة لسلطات الأمر الواقع، التي يعمل عليها مشروع التسوية السياسية الأمريكية)، في تناقض جوهري مع صيرورة الدولة السورية الموحّدة والديمقراطية (مركزيّة كانت أم لا مركزية)، ويجعل من كيان قسد، (في تكامل وجوده مع كيانات السلطات الأخرى، المعادية، والمتصارعة)، سواء بنموذجه البعثي أو البرزاني، أو القسدي، بيئة هشّة، مولّدة لكلّ أشكال المعاناة والظلم، ولا تملك أدّنى مقوّمات تلبية آمال الكرد، وتأمين حقوقهم!.

فجريمة جنديرس الجديدة، المروّعة، في ذكرى الـ “نوروز” العظيم، (بحق مواطنين كرد، عزّل، ومسالمين، اغتيلوا أمام بصر وسمع جميع سلطات الأمر الواقع، وحماتهم الخارجيين، بدماء باردة، فقط لمحاولة التعبير عن مشاعر الفرح بقيم الـ “نوروز”، وممارسة بعض طقوسه، التي ترمز للتحرّر والانعتاق من كلّ أشكال الظلم والاستبداد)، ليست فقط لطخة عار على وجوه المجرمين، وتنظيماتهم، وقيادتهم السياسية، وعرّابيهم الخارجين، بل تشكّل تأكيدا لما يصل إليه التحليل من استنتاجات، وصفعة مدوّيّة في وجوه الذين يعملون، قولاً وفعلاً، على مسارات سياسية تحت وطنية، تمثّلها في هذه المرحلة خطوات وإجراءات التسوية السياسية الأمريكية، التي يسعى قادتها الأمريكان – من أجل ضمان بقاء حصّتهم وقاعدة ارتكازهم السوريّة – على مشروع تثبيت كانتونات الأمر الواقع الجديدة، التي تحكمها سلطات ميليشيات الثورة المضادة للتغييرالديمقراطي في ظل حماية قوى الاحتلال الخارجية – على حساب حل سياسي وطني ديمقراطي، يفتح صيرورة بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الموحّدة – الضامن الوحيد لحقوق جميع السوريين، وفي مقدمتهم الكرد- وبما يعزّز عوامل بقاء سورية بيئة وساحة لكلّ مستويات الحقد والصراع، تجعل من النموذجين اللبناني والعراقي الأمل؛ ولا يغيّر من طبيعة الوقائع والسياقات ما يروّج على صعيد الدعاية، من العمل على صناعة نموذج ديمقراطي، قابل للتعميم!.

من الموضوعية، والمصداقية، الاعتراف أنّ أسباب فشل مشروع التغيير الديمقراطي لا تقتصر فقط على طبيعة سلطة النظام، ولا على آليات مظلّة الحماية التي توفّرها شبكة المصالح والسياسات الإقليمية والإمبريالية، (التي فشل الوعي السياسي والثقافي النخبوي في إدراك حقيقتها، ونقاط قوّتها…وضعفها، والتي باتت تحرص في هذه المرحلة على شرعنة وجود سلطات الأمر  الواقع الجديدة، جنبا إلى جنب مع سلطة النظام، وبما يبقي عوامل تفشيل الدولة السورية ذاتها)، بل وفي قصور الوعي والممارسة السياسية النخبوية المعارضة بشكل عام، وما ينتج عنه من خيارات سياسية، تتعارض في النهج والمآلات مع مصالح السوريين المشتركة؛ وقد باتت، على صعيد الوعي والممارسة السياسية النخبوية اليسارية، تشكّل إحدى أدوات إضفاء الشرعية السورية، الوطنية والديمقراطية، على مشروع قسد؛ تماما كما يعمل آخرون، على صعيد الوعي والممارسة السياسية النخبوية اليمينيّة لخدمة خطوات وإجراءات تأهيل سلطات الأمر الواقع الأخرى، في مناطق السيطرة التركية والإيرانية!.

إذا كان الـ “نوروز” رمزاً للحرية والانعتاق والثورة ضد الظلم والاستبداد والعبودية، فإنّ قيمه لن تتحقّق بالشعارات والارتهان لسياسات القوى المعادية، ولن تنتصر الثورات، وتقوم الأوطان، إلّا بجهود ووعي نخب الشعوب الوطنية التي تنحاز لتلك القيم وجمهورها، وتقدّم وعياً وممارسة سياسية موضوعية، تشكّل المنارة والبوصلة!.

إكراماً لضحايا قيم الـ “نوروز” في جنديرس، ورفعاً لكلّ أشكال المظالم التي طالت جميع السوريين، كردا وعربا، وتوقا لبناء مستقبل آمن، مزدهر، فليخرج الجميع من تخندقاته الخاصّة، التي باتت اليوم تصبّ في خدمة سلطات الأمر الواقع، وتعزّز عوامل تقسيم سوريا، وتفشيلها؛ ولن ينتج عن هذه الصيرورة سوى المزيد من المظالم، التي لن تقتصر على بعض السوريين، دون آخرين!

السلام لأرواح ضحايا الاستبداد، بجميع أشكاله وتفريخاته!.

كلّ عام وكلّ السوريين الشرفاء، كرداً وعرباً بألف خير.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني