fbpx

في طبيعة الصراع على شمال سوريا ومهام القوى الوطنية

0 96

في أجواء تكثف جهود بعض قوى المعارضات السورية وسعيها، بما تروجه وتقدمه من قراءات غير موضوعية لأسباب ودوافع المعركة الحالية من الحرب في شمال سوريا، تجعل من تركيا عدوا للشعب السوري، بما يخلط الاوراق ويخفي طبيعة مصالح القوى الأخرى المتصارعة للسيطرة على شمال سوريا، يصبح من مصلحة جميع السوريين إدراك طبيعة الصراع، وأهداف قواه![1].

إذا كان السبب الرئيسي لهذه المعركة الحالية من الحرب المستمرة على تقاسم الحصص هو مسعى تركيا لتجاوز التوافقات التي تم التوصل اليها مع الرئيس الروسي، بضوء أخضر أمريكي، في ربيع 2020، وفي تجيير مشروع لبعض أوراق القوة التي منحتها إياها نتائج الحرب العدوانية على أوكرانيا، فإن أسباب ودوافع ما تواجه به من صد – تحول موضوعياً إلى تحالف عسكري وسياسي بين جميع القوى المنافسة للمشروع التركي، بقيادة الولايات المتحدة – لا ترتبط بمصالح الشعب السوري، ولا بهواجس تحقيق حل سياسي وطني، أو حماية السيادة السورية!.

يبدو جلياً أن الهجوم التركي الجديد، في حالة حصوله، سيقلص حصة الولايات المتحدة ووكيلها قسد – ومنافسيها في المحور الروسي – لصالح تركيا، وشركائها السوريين – رغم أن التهديدات التركية، في أهدافها المُعلنة، تستهدف فقط قسد، وهي الحقيقة الوحيدة التي تحدد طبيعة الصراع، بما هو، في الجوهر صراع تقاسم الحصص ومناطق النفوذ بين أهداف المشروعين التركي والأمريكي!.

إن تقلص حصة السيطرة الأمريكية على قلب سوريا الاقتصادي، التي تجعل منها الولايات المتحدة ورقتها الأساسية للسيطرة والتحكم بمآلات الصراع ولمنع حدوث حل سياسي وطني، وبما يكرس حالة التقسيم القائمة، مقابل زيادة حصة تركيا، التي تعمل على استخدامها في سياق إيجاد حلول لقضايا اللاجئين السوريين وتوفير أسباب حماية أمنها القومي، في ظل إصرار الولايات المتحدة على تعميق واستمرار حالة تفشيل الدولة السورية، هو العامل الرئيسي الذي يفسر سعي الولايات المتحدة لتشكيل تحالف واسع ضد تركيا، ومن اجل تفشيل مساعيها، يُظهر طبيعة الصراع الراهن الرئيسي بين أهداف المشروعين الامريكي والتركي؛ الذي لا يخرج، في السياق العام، عن مسار صراع تقاسم الحصص المستمر منذ التدخل العسكري الأمريكي والروسي المباشر، 2014-2015.

منذ ذلك الحين، تدخل الولايات المتحدة وتركيا في صراع كبير للسيطرة على شمال غرب وشرق سوريا، استخدم فيها الحليفان السابقان خلال مرحلة الحرب الباردة وشركاء النيتو، جميع الأدوات والوسائل المتاحة، في لعبة تبادل المصالح مع شركاء الصراع على السلطة السياسية الآخرين – الروسي والإيراني والسعودي والمصري والإسرائيلي – وبأذرع الثورة المضادة الميليشياوية!.

المؤكد أنه ليس ثمة حدود لقدرة الولايات المتحدة على استخدام الجميع، وخلق التحالفات، بين قوى تبدو في الظاهر مختلفة، وقد تكون متصارعة حول أهداف أخرى، لدفع الصراع بما يحقق مصالحها!.

في كل محاولة للنظام التركي الضغط لتوسيع حصته على حساب الشريك الأمريكي وذراعه قسد، واجهته الولايات المتحدة عسكرياً بشكل غير مباشر، من خلال تنسيق تمدد أذرع منافسيه الروس والإيرانيين بما يجعل من محاولاته غير مجدية، ولا تؤدي عملياً إلا إلى إضعاف سيطرة (PYD) (وهو منافس ثانوي)، لصالح تمدد إيراني، أكثر خطورة؛ وقد استخدمت الولايات المتحدة نفس النهج في مواجهة جهود روسية إيرانية لتوسيع حصة سوريا المفيدة على حساب إمارة النصرة الإدلبية، في تبادل للأدوار بين التركي والروسي/الإيراني!.

الجديد اليوم في وسائل الحرب الأمريكية ضد تركيا هو استخدام ورقة جبهة النصرة على خط المواجهة مع تركيا[2]، ولا يغير من هذه النتيجة سعي قيادة الجبهة لاستغلال ظروف الصراع من أجل الحفاظ على مكاسبها العسكرية الحالية، وربما تحقيق بعض المكاسب السياسية، في إطار مشروع تأهيل سلطات الأمر الواقع الأمريكي.

إن حاجة الولايات المتحدة لاستخدام ورقة النصرة، في مواجهة السياسات التركية، كوسيلة ردع جديدة، لم تضطر للجوء إليها في مواجهة حرب نبع السلام، 2019، يؤشر إلى حجم الاستعصاء الذي تواجهه الجهود الدبلوماسية والسياسية الأمريكية لثني تركيا، وينذر بدخول المنطقة في دوامة عنف لانهاية لها!.

لم تقتصر جهود الولايات المتحدة لتطويق أهداف المشروع التركي، وتفشيل جهود الرئيس التركي في اللعب على أوراقها السورية[3]، بل تعمل على تحشيد تحالف إقليمي واسع.

ضمن هذا الإطار، يعمل الرئيس الأمريكي في جولته الحالية في المنطقة على منع استمرار ما بدا من انفراج في العلاقات بين أنظمة المنطقة وتركيا، خاصة السعودي والإسرائيلي، في محاولة لإضعاف أوراق تركيا، وبما يعزز من جهود التحالف الإقليمي الذي تسعى واشنطن لاستخدامه في مواجهة الإصرار التركي!.

في ظل حركة موازين قوى الصراع، من الواضح أن نقطة الضعف الأساسية في التحالف الراهن للولايات المتحدة هو الموقف الروسي، والمصالح الحاكمة لسياسات زعيم الكرملين، التي تشكل ورقة القوة الرئيسية لتركيا، إلى درجة تجعل من نجاح أهداف الجولة الحالية من الصراع التركي/الأمريكي يعتمد على حسن استخدامها.

للسعوديين أيضاً عتب كبير على الولايات المتحدة، بما تعرضت له مصالحهم الحيوية من تهميش لصالح التحالف الأورو/أمريكي.

إذا أضفنا قدرة تركيا على اللعب على تناقضات الفصائل الميليشياوية، يمكن الاعتقاد بقدرة الرئيس أردوغان على إيجاد مخرج لحالة الاستعصاء الحالية، بمساعدة شريكه الروسي، الذي بدوره يبحث عن نقاط تقاطع مع تركيا، في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها في حربه العدوانية ضد أوكرانيا؟

في ضوء رؤيتنا لطبيعة صراع القوى على تقاسم الحصص ومناطق النفوذ، لا يستطيع الذين يتخندقون اليوم من المعارضات الديمقراطية، في جبهة خصوم تركيا، أن يقنعوا حتى أنفسهم بأن إعاقة أو منع تركيا من توسيع مساحة سيطرتها، سيكون لصالح حل وطني سياسي، ويصب في خدمة جميع السوريين، ويحمي سيادة الدولة!.

فعدم تقدم تركيا يعني استمرار الوضع الحالي، حيث يسيطر منافسوها، وأعداء المشروع الديمقراطي للشعب السوري ووحدة سوريا.

من هنا يصبح من الضروري على القوى الوطنية السورية أن تربط رفضها لإعلان نوايا تركيا وجهودها، إذا كانت حقاً تنطلق من دوافع وطنية، كما تدعي، برفض أهداف المشروع الأورو/أمريكي لتفشيل الدولة السورية، في إطار مشروع تقسيم سوريا بين سلطات الأمر الواقع، وشركائها الخارجيين.

علاوة على ذلك، وبغض النظر عما يحدث اليوم من صراع تقاسم الحصص ومناطق النفوذ بين الجميع ودرجات تحمل المسؤولية، لا يجب على القوى الوطنية السورية أن تغفل حقيقة جيوسياسية، ديمغرافية تاريخية، تقول بتقاطع المصالح الحيوية للدولتين السورية والتركية، خاصة بما يرتبط بشريان الماء الحيوي، بما لا يُقارن مع القوى الأخرى، الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها أهداف المشروع الأورو/أمريكي (التي شكلت العامل الخارجي الحاسم في دفع الصراع السياسي خلال 2011 على مسارات العنف الطائفي المسلح)، بما يجعل من مصلحة السوريين المشتركة البحث عن توافقات، وتقاطع مصالح مع الدولة التركية، وليس مناصبة العداء لها، لصالح مشاريع تعمل على تدمير مقومات الدولة السورية.

تبقى الحقيقة المؤكدة في الصراع المستمر على سوريا منذ 2011، ولمنع تحقق أهداف أعظم ثورة شعبية في تاريخ سوريا، هي أن الحل السياسي الوطني الشامل، في ظل موازين القوى الراهنة، وفقا لما نادى به القرار 2254، أو أي حل توافقي آخر، هو الطريق الوحيد لحماية مصالح السوريين المشتركة، والحفاظ على مقومات الدولة السورية؛ وإن الولايات المتحدة هي الدولة الأقدر على دفع الصراع على هذا المسار، لو كانت تتوافق نتائجه مع مصالحها!!

السلام والعدالة لجميع السوريين.


[1]– من الجدير بالذكر الإشارة إلى ارتباط معظم القوى الديمقراطية التي تقود حملات تجييش الرأي العام السوري ضد تركيا بمشروع استوكهولم، الساعي لإعطاء مشروع السيطرة الامريكية ووكيلها قسد على شمال شرق سوريا يافطة سورية/ديمقراطية!.

[2]– بخلاف هذه القراءة لدور جبهة النصرة في هذه المعركة من الصراع بين أهداف المشروعين الأمريكي والتركي، يعتقد الصديق العزيز، الأستاذ أحمد علي محمد في تعليق خاص، بالغ الأهمية، بوجود احتمال أن يكون دخول النصرة إلى عفرين مسرحية بالتنسيق مع تركيا وذلك لتغطية احتلال عفرين وتفريغ ما يسمى قوات الجيش الوطني لتنفيذ العملية العسكرية الجديدة بقيادة وإسناد القوات التركية، خصوصاً أن دخول النصرة إلى عفرين قد تم بشكل سلس ولم تحصل مواجهات حقيقية مع الجيش الوطني.

[3]– تتقاطع موضوعياً مع جهود الولايات المتحدة لتجميع أوراق مواجهة المطامح التركية ما يقوم به جيش النظام من تسخين لخطوط التماس مع الفصائل المرتبطة بتركيا، وما ترعاه موسكو من مفاوضات بين النظام وقسد للوصول إلى أفضل شكل من تنسيق في وسائل الحرب ضد تركيا، بما يجعل من النصرة والنظام وقسد، موضوعياً، في خندق واحد!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني