fbpx

في ضرورة النقاش السوري

0 252

على الرغم من الصعوبات التي تواجهها فكرة الانتقال السياسي في سوريا، فإن الجميع يعترف بالحاجة الماسة إلى استحداث (هوية وطنية) تسمح للسوريين بأن يحكموا أنفسهم وفقاً لمثل مستمدة من المبادئ الديمقراطية والحرية السياسية والعدالة الاجتماعية ومواثيق حقوق الإنسان وهذا يشير إلى ضرورة أن يسرع السوريون إلى استجماع الدلالات والوقائع التي أبدعوها في ثورتهم، وصياغة ذلك كله في منظومة فكرية وسياسية قائمة على فكرة الحرية والتعاقد الاجتماعي، قادرة على عقلنة الحياة ضمن أنماطها وقيمها الجديدة.
لابدّ من القيام بحوار حقيقي حول الهوية الوطنية السورية وشكل الدولة ونظام الحكم للوصول إلى نتائج قابلة للتحقق كيلا تكون هذه الهوية صفرية النتائج.
لا يمكن أن تقوم هوية وطنية في سوريا دون الاعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي والديني وحل القضية الكردية فيها بشكل عقلاني، دون قدرة السوريين على تغليب دولة الحق والقانون والعدل والمساواة، دولة محايدة بدون صفات (عربية، كردية، ماركسية، قومية، إسلامية أو مسيحية)، دولة يجب أن تجمع الجميع تحت مسمى عقد وطني واحد لا ينحاز إلى أي منها، لأن الدولة الوطنية الحديثة لا يمكن أن تأتي عبر معادلات نظرية أو ميكانيكية بل بتجذر القانون والحرية والعدالة وتكافؤ الفرص وإفساح المجال لمشاركة المجتمع المدني واستدامة العمل الفعلي من أجل تكريس الحريات والقانون والمواطنة المتساوية بإطلاق بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين.
وفي ضوء ذلك كله، يصبح من واجب السوريين الانخراط في إنتاج الأفكار التي من شأنها أن ترسم سبل العيش المشترك والاستقرار السياسي والاقتصادي والتنمية وليس من شك أن ذلك لابد أن يأتي عن طريق الحوار والتوافق انطلاقاً من الهوية السورية القادرة على توحيد جميع أبناء سوريا بإثنياتهم المختلفة ودياناتهم المتنوعة وطوائفهم المتباينة.
وهذا ما يجب أن يدفعنا إلى تعزيز جسور الثقة بين أطياف الشعب السوري، والابتعاد عن كل ما يمنع تعزيز الوشائج وتشكل الهوية الوطنية السورية عبر المواطنة المتساوية بما هي حقوق وواجبات قادرة على تعزيز هذه الوشائج والحفاظ على السلم الاجتماعي وهي خطوة على تعزيز المشتركات لكنها لا تستغرق الحقوق القومية.
معظم القوى السياسية تطرح شعارات سطحية لا تقترب من جوهر الموضوع خوفاً من التصادم مع محيطها أولاً ومع الآخر تالياً فالهوية الوطنية تقتضي التعاقد بين الإرادات خارج المعادلة الصفرية لأن المشترك الوطني يمكن أن يخلق قاعدة صلبة للعمل الديمقراطي عبر ملامسة مصالح الناس والاندراج في المحيط الحيوي وخاصة الوجود الأمريكي في العراق وسوريا بما يحقق العملية الديمقراطية ويحد من التطرف والإرهاب، فكثرة الكتابة عن الدولة الوطنية لا ينتجها إذا لم تقترن مع النتائج الملموسة على الأرض وخيارات أفضل لحياة البشر وأمنهم رغم الحذر والخوف وفقدان الثقة من تكرار تجارب الماضي.
استمرار الصراع السياسي الكردي/العربي سيؤدي إلى خسارة الطرفين لأن الغلبة فيه للقوى الإقليمية والدولية وبالتالي لابد من البدء بنقاش مشترك حول مستقبل سوريا عبر طرح معطيات منهجية وواقعية للوصول إلى نتائج فاعلة للتطبيق وتطليق فكرة الانتصار أو الهزيمة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني