fbpx

في المشهد السياسي السوري الراهن، وأسئلته الجوهرية! في العلاقة الإشكالية بين إعادة التأهيل والإصلاح!

0 223

الجزء الثاني

أحاول في هذا الجزء من الدراسة كشف عدم موضوعية الاستنتاج النخبوي القائل بتساوي صيرورتي الإصلاح وإعادة التأهيل، وبعدم إمكانية حدوث إعادة التأهيل، التي أعتقد انّها قد بدأت قبل سنوات، وانّ تحقيق اهدافها شكّل الدافع الأساسي لتدخّل جيوش الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا المباشر في الصراع المسلّح، خلال 2014-2015.
لنبدأ بالسؤال التالي:
متى تتساوى أهداف الإصلاح مع أهداف إعادة التأهيل، وتأتي في سياق صيرورة واحدة؟
تتقاطع أهداف مشروع إعادة التأهيل مع أهداف مشروع الإصلاح/التغيير، في سياق صيرورة واحدة، فقط عندما يستهدف مشروع الإصلاح، إصلاح الخلل البنيوي الذي يعاني منه النظام السياسي السوري، المهيمن على السلطة منذ 1963، ولا يقتصر فقط، كما يحدث منذ 2015، على سياسات إصلاح تأهيلي لآليات عمل أجهزة ومؤسسات سلطته القائمة، التي أصابتها نتائج الحرب بأضرار مختلفة الأشكال والمستويات، أصبحت تُعيق استمرار دورها الوظيفي، في إطار نهج النظام القائم نفسه، وبما يعانيه من عطب بنيوي، وفي سياق سياسات تعميق ارتهانه لشباك النهب التشاركي الإمبريالي.
بمعنى، تتوافق أهداف إعادة التأهيل مع الإصلاح السياسي عندما يشكّل هدف إصلاح العطب البنيوي، المتمثّل في الطبيعة الاستبدادية، أساس ومنطلق صيرورة إعادة التأهيل، التي تتضمّن عندئذ، بالضرورة، تنفيذ حزمة إجراءات، تبدأ بخطوات انتقال سياسي، وتحوّل ديمقراطي، وهذا غير وارد في مصالح وسياسات القوى التي تقود، وتنفّذ مشروع إعادة التأهيل منذ 2015، كما بيّنت سياسات واشنطن وموسكو، بما يؤكّد حالة التناقض القائمة بين صيرورتي إعادة التأهيل والإصلاح، في الأهداف والقوى والسياق التاريخي!
كيف نفهم طبيعة العلاقة الجدلية بين إعادة التأهيل والإصلاح في الحالة السوريّة؟
الإصلاح السياسي هو مسار تغيير تدريجي، غير عنيف، لآليات ونهج الحكم التسلّطي، ينسجم مع الإتجاه التقدّمي في حركة التاريخ، ويلبّي شروط الضرورة التاريخية، ويحقق مصالح جميع السوريين، وآمالهم في بناء مقوّمات مشروع ديمقراطي، حضاري، حديث، هو صيرورة معالجة الخلل البنيوي، التاريخي، المرتبط، بشكل خاص بقضيّة الشرعية الدستورية التي مكّن افتقادها السلطة، من منع حدوث إصلاح سياسي عام 2011، (ودفع الحراك الشعبي السلمي، المطالب بالإصلاح على مسارات حرب مدمّرة، كان يمكن تجنّبها، في ظل حكم مؤسسات قانون وطني، ديمقراطي)، وأنتج تهميشها، خلال العقود الأربعة السابقة على الحرب، أسباب تفشيل شامل لآليات عمل سلطات الدولة السورية، وأدخلها، والسوريين، في نفق الاستبداد المظلم!.

إعادة التأهيل من جهة ثانية، هي بالدرجة الأولى عمليات إصلاح ما نتج عن مسار الحرب من تفشيل شامل، أو جزئي، لآليات عمل النظام، ومؤسسات سلطته، وفي مقدمتها انحسار سيطرته السياديّة على مناطق الجغرافيا السوريّة التي خرجت عنها خلال مراحل الحرب الأولى، والتي باتت في مطلع 2015 تقع تحت سيطرة سلطات الأمر الواقع، أذرع الثورة المضادة.

في اختلاف السياق والقوى، يشترط تتحقق أهداف الإصلاح السياسي مشاركة فاعلة، وجهد مشترك لجميع أطياف وشرائح الشعب السوري الواعية، المدنية والعسكرية، ونخبه السياسية والثقافية، الوطنية والديمقراطية، وفي سياق سيرورة تراكم نضالات السوريين عبر مسار إصلاح سياسي تدريجي، تراكمي، يبدأ بخطوة الانتقال السياسي، ويضع السوريين على طريق التحوّل السياسي الديمقراطي، ويفتح ابواب ومسارات صيرورة بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الوطنية.

بخلاف ذلك، تعود ولادة صيرورة إعادة التأهيل إلى سنوات 2014-2015؛ التي شهدت التدخّل العسكري الخارجي المباشر، الذي قادته، وانخرطت في حروبه بشكل مباشر، الولايات المتحدّة وروسيا، في مسعى مشترك لتحقيق هدف استعادة الجغرافيا المحررة، الخطوة الأهمّ في صيرورة إعادة التأهيل؛ التي أعقبت المرحلة الأولى من حروب الثورة المضادة، بين 2011-2014، وما تحقق خلالها من خطوات على طريق تحقيق كامل أهداف خيار الحل الأمني العسكري، الذي تبنّاه، ودفع الصراع السياسي على مساراته المدمّرة، تحالف قوى الاستبداد.

إذا اقتصر التحليل على المرحلة الثانية من الحرب، بعد التدخّل العسكري المباشر الأمريكي والروسي (2014-2015)، يبدو التنسيق، وتكامل الأدوار الأمريكية – الروسية واضحاً، لإزالة العقبات التي تركتها حروب المرحلة الأولى أمام إعادة تأهيل سلطة النظام، في الوقت الذي تكفّلت فيه الولايات المتحدة بمهمّة تحييد داعش؛ التي أصبحت تسيطر، بفضل تسهيلات متعددة الأشكال، قدّمها الجميع في إطار إنجاح الخيار العسكري الميليشياوي الطائفي، على أكثر من ثلثي مساحة البلاد؛ باستخدام تحالف دولي واسع، شكّلت رأس حربته السوريّة قسد، أخذت روسيا على عاتقها مهمّة إخضاع الوجود المسلّح لفصائل ومجموعات المعارضة المسلّحة، بالاعتماد على الميليشيات الإيرانيّة وفائض قوّة سلاحها الجوّي، في ظروف موازين قوى عسكرية غير متكافئة، في مسعى من قبل تحالف أعداء التغيير السياسي، وأنصار الحفاظ على أركان نظام الاستبداد، بقياده الولايات المتحدة وروسيا؛ لتحقيق مجموعة أهداف مترابطة، يأتي في مقدمتها، إعادة فرض سلطة النظام، على المناطق الجغرافية التي خرجت عنها، في سياق الحراك الشعبي السلمي، وخلال حروب الثورة المضادة اللاحقة.

في هذه المرحلة من التحليل، أصبح من الضروري إعطاء إجابة واضحة على السؤال المركزي:

هل تتوفّر؛ في ظل المعطيات الراهنة، المرتبطة بطبيعة السلطة، وواقع تفتت معارضتها وارتهان قواها، وفي ضوء حقائق الصراع التي تقول بتقاطع مصالح السلطة، وارتباط بقائها بشبكة مصالح جيوسياسية، إقليمية وإمبرياليّة (أمريكيّة، بالدرجة الأولى)؛ إمكانيّة حصول توافق بين أهداف مشروعي الإصلاح، وأهداف المرحلة الراهنة من إعادة التأهيل، عبر مسار حل سياسي، كما يعتقد، ويأمل معظم منصّات المعارضة؟.
بناءً على ما سبق توضيحه، أعتقد ثمّة شبه استحالة؛ طالما لم يطرأ تغيير جذري أولاً على واقع انعدام الثقل السياسي لقوى وجمهور التغيير الديمقراطي للشعب السوري، وثانياً، على سياسات ومصالح الدول الصانعة لصيرورة الصراع، خاصّة، على مستوى قيادة النظام الرأسمالي، ومراكزه العالمية؛ وبشكل أخصّ، على صعيد الولايات المتحدّة الأمريكية، زعيمة النظام العالمي، وصاحبة أكبر مشروع إقليمي؛ يحوّلها من مناصر لشتّى أشكال سلطات الاستبداد، إلى داعم لقوى وأهداف التغيير الديمقراطي، وبالتالي يدفع سلطة النظام لقبول آليات حل سياسي حقيقي؛ وهو ما يبدو غير وارد، في المدى القريب، على الأقل، على صعيد السلطة العميقة، المهيمنة على أنظمة مراكز النظام الرأسمالي العالمي عموماً، والولايات المتحدة، على وجه الخصوص، والمرتبطة مصالحها، ونفوذها السياسي، بشكل عضوي مع مصالح المافيات الإمبريالية الصهيونية عبر العالم، التي تتعارض مصالحها مع سياقات الانتقال السياسيّ والتحوّل الديموقراطي، في سوريا، والمنطقة!.

ما العمل، إذن، في ظلّ حقائق الصراع؟

هو السؤال الجوهري، الذي لم تصل بعد نخب المعارضة السياسية والثقافية السورية إلى مرحلة طرحه، لفشلها في رؤية حقائق الصراع الأساسية وتعيّشها على أوهام، ورؤى سياسية منفصلة تماما عن الواقع، وحقائقه الكبرى!!

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني