fbpx

في أفكار الدكتور نوّاف التميمي

0 57

تبيّن الحرب الأخيرة – في هجوم طوفان الأقصى الحمساوي والحرب الإسرائيلية العدوانية الانتقامية، وما كشفته سياقاتها ومسارتها من حقائق الصراع المغيّبة في علاقات القوى المتورّطة – احتراق آخر خيوط شبكة أضاليل الإيديولوجيات الرئيسية، اليسارويّة والإسلامويّة، التي شلّت طوال عقود قدرات العقل السياسي النخبوي على فهم وقائع الصراعات، وما زالت بعض نخبها تباهي بفضائح هزائم وعيها المتقهقر!!

قراءة في “وجهة نظر” الدكتور نواف التميمي، كما صاغها في مقال تحت عنوان “تكرار سيناريو ذرائع اجتياح لبنان 1982”[1].

أعتقد أنّ أفكار المقال التي نظّمها الدكتور نواف التميمي، الأستاذ المساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا، أخصّائي “الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور”، ويروّج لها بعضهم على صفحات التواصل “نظرا لأهميّتها”، لا تلامس سوى الشكل في العلاقات الجدلية بين قوى الحرب الرئيسية – إدارة بايدن وحكومة نتنياهو وقيادة حماس السياسية – فـ “يفشل” كاتب المقال في تحديد طبيعة العامل الرئيسي في مستجدّات التصعيد العسكري الإسرائيلي التي حصلت في مقدّمات ونتائج زيارة نتنياهو لواشنطن في نهاية يونيو، الذي حصره الدكتور رغبويّا بمهارة إيجاد “مبرر قوي“، يُقنع بايدن، ويعتقد أنّه قد ذهب ضحيّة موجّباته الأمريكية أطفال مجزرة مجدل شمس!!

السبب الرئيسي “للفشل – النجاح ” هو حرص ومهارة الكاتب الخبير على إبراز التشابه الشكلي بين حيثيات غزو لبنان 1982 ومستجدّات الحلقة الأخيرة في التصعيد العسكري الإسرائيلي على حساب تغييب الفارق النوعي في عوامل السياقات التاريخية المرتبط بمصالح وسياسات الولايات المتّحدة، من أجل الوصول إلى الاستنتاج الذي يسعى إليه حول موضوعية براءة الحزب.
كيف؟

إذا كان في أبرز عوامل سياق وحيثيات نجاح جهود حكومة الحرب حينئذ في غزو بيروت 1982 هو تقاطع مصالح “إسرائيل” والولايات المتّحدة (وطيف واسع من سلطات الأنظمة الإقليمية، بما فيها النظام الإيراني الجديد)، في “تقويض” مرتكزات المقاومة الوطنية الفلسطينية اللبنانية، فإنّ أبرز العوامل اليوم التي تمنع نجاح جهود حكومة الحرب اليمينية الصهيونية في غزو الجنوب وبيروت، وتفكيك مرتكزات أقوى أذرع مشروع السيطرة الإقليمية الإيرانية، هو تناقض المصالح وتفارق السياسات بين حكومة الحرب وبين الولايات المتّحدة، وطيف واسع من سلطات الأنظمة الإقليمية، التي يأتي في مقدمتها النظام الإيراني!! هي الحقيقة التي يغيّبها الدكتور المحترم، وهي العامل الرئيسي الذي كان وما يزال حتى اللحظة يمنع غزواً إسرائيلياً في مسارات الحرب، واسع النطاق ضدّ مناطق سيطرة حزب الله، مُبيّت في خطط وسياسات حكومة الحرب اليمينية الصهيونية حتى قبل هذه الحرب العدوانية الانتقامية في أعقاب هجوم طوفان الأقصى. عوضاً عن توضيح طبيعة هذا العامل، وكشف ما يحمله من دلالات (وهي تتناقض مع أكاذيب الدعايات الأمريكية – الإيرانية)، يؤكّد الدكتور الخبير في فبركة الرأي العام على “ذريعة” ضرورة إيجاد “مبرر قوي”، يُقنع مجموعة بايدن بـ “شرعية” الغزو، وكأنّ قوّة المبرر الذي قدّمه هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، وإعلان الحزب شراكته في الحرب لجانب حماس، لم تكن كافية، رغم أنّها لم تقلّ عن قوّة مبرر الغزو الأمريكي للعراق 2003 في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وقد سبق لبايدن منذ اللحظات الأولى أن برّر دعماً أمريكيّاً فاعلاً لغزو إسرائيلي مدّمّر للقطاع، (بشرط عدم غزو رفح والجنوب حيث مواقع حماس والحزب الآمنة)، عندما اعتبر أنّ سلوك حماس في الهجوم الشهير لا يختلف عن سلوك داعش!!
يتجاهل الكاتب الخبير أنّ العائق الرئيسي الذي كان يمنع قبل زيارة نتنياهو لواشنطن تنفيذ الخطط الإسرائيلية المتعلّمة بالجبهة الشمالية، وقد تأخذ نفس مسارات وأهداف غزو 1982، هو رفض إدارة بايدن المُعلن لغزو إسرائيلي للجنوب لأسباب تتعلّق بمصالح وسياسات الولايات المتّحدة الإقليمية، خاصّة علاقتها الاستراتيجية الإقليمية التشاركية مع النظام الإيراني (وليس بوجود أو عدم وجود المبررات المُقنعة)، وما يمكن أن يلحقها من أضرار مدمّرة في حال نجحت جهود نتنياهو في غزو لبنان، على طريقة 1982؛ وقد غطّت واشنطن على حقيقة هدفها الرئيسي من معارضة الحرب بيافطة “منع انتشار النزاع إقليميّاً” التي عزفت عليها أوتار الدعاية الأمريكية؛ كما يتجاهل دكتورنا واسع الاطلاع الاستنتاج الواقعي الذي يبيّن حقيقة أنّه لو كان عداء الولايات المتّحدة للنظام الإيراني على مستوى أكاذيب الدعايات، لكانت قد وجدت في هجوم طوفان الأقصى الذي شبّهه بايدن والإعلام الأمريكي بخطورة الهجوم القاعدي على برجي التجارة العالمية، فرصتها الذهبية لقصقصة أذرع مشروع النظام الإيراني، أو دكّ معاقله في طهران، كما فعلت في أعقاب “غزوة” نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهو السيناريو الذي ما تزال تتوقّع حصوله أقلام النخب التي تتجاهل أو تجهل طبيعة العلاقات التشاركية بين الولايات المتّحدة والنظام الإيراني!!

من هنا، يصبح التساؤل الرئيسي الذي كان يتوجّب على الدكتور، لو كان يتوخّى كشف الحقائق الموضوعية، مقاربة إجابة له، ويحدد طبيعة العامل الرئيسي في حيثيات التصعيد الإسرائيلي، وسيناريوهات الحرب التي قد تعقب الزيارة هو:

هل نجحت جهود نتنياهو في واشنطن بتغيير قواعد الاشتباك الأمريكية التي كانت تمنع الحرب؟ هل نجح نتنياهو في أسقاط “الخطوط الحمراء” الأمريكية على غزو إسرائيلي وشيك لجنوب لبنان؟

الدكتور التميمي، وأصحاب الصفحات التي تروّج له، لا يغلّبون أنفسهم عناء طرح التساؤل، لانّ “ثقافة المقاومة” القطرية التي يرون الاحداث في ضوئها تقتضي وضع إيران والولايات المتّحدة في جبهات متنازله على السيطرة الإقليمية، ولا يعترفون اصلا بوجود تناقض في السياسات الأمريكية الإسرائيلية تجاه الحرب على الجبهة الشمالية لصالح حزب الله، ولانّ هاجسهما الوحيد، وكما يبدو من الاستنتاج الرئيسي الذي توصّل إليه الدكتور، هو تبرئة حزب الله من دماء السوريين في مجدل شمس.[2]

السادة الأفاضل:

يتفهّم الجميع، ويقدّر انحيازكم لحماس وقوى المشروع الإيراني المقاومة لإسرائيل في هذه الحرب المصيرية، (ولا ينحاز لإسرائيل بكل الظروف إلّا المرتزقة، وأصحاب الضمائر الميّتة)، وهذا حقّكم، لكن ليس من حقكم، ولا من حق غيركم، أن يكون الانحياز “الإيديولوجي” أو “الوظيفي” لحماس على حساب تغييب حقائق ووقائع الصراع الإقليمي التي تمس بشكل مباشر مصالح شعوب ودول المنطقة، دون استثناء.

الحقيقة الموضوعية التي تُغيّب عن أفكار التميمي، في سعيه لتبرئة حزب الله، والتي كشف طبيعتها تفارق مصالح وسياسات إدارة بايدن وحكومة الحرب تجاه مصير “حماس” و”حزب الله” في مآلات الحرب العدوانية الإسرائيلية المتواصلة، هي أولوية حماية “رأس وأذرع المقاومة” الإيرانية في سياسات السيطرة الإقليميّة الأمريكية التشاركية، حتى عندما تتعارض مع مصالح “ربيبتها” إسرائيل!
هي الحقيقة التي كشفتها أحداث الحرب العدوانية الإسرائيلية الانتقامية، وتؤكّد وجود علاقات سيطرة ونهب تشاركية بين أدوات وقوى مشروع السيطرة الإقليميّة الإيرانية ومظلّته الأمريكية، والتي تجهد أكاذيب الدعايات الأمريكية الايرانية للتغطية عليها، حرصا على نجاح أهداف وآليات مشروع سيطرتهما التشاركية التي بدأت تتكشّف نتائجها تباعا في عواقب الحرب”الإيرانية العراقية”.

 هذه هي بعض الحقائق الموضوعية في عوامل السياق التاريخي للعلاقات بين واشنطن وطهران، التي تبيّن موضوعية ما وصلتُ إليه من استنتاج هذه هي بعض الحقائق الموضوعية في عوامل السياق التاريخي للعلاقات بين واشنطن وطهران، التي تبيّن موضوعية ما وصلتُ إليه من استنتاج:

1- في العراق، بعد فشل الحرب “الإيرانية العراقية” التي استمرّت بإصرار في أجندات القيادة الإيرانية لإسقاط العراق، رغم موافقة العراق على قرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن في يوليو/تموز 1982، وقد حقق الغزو الأمريكي 2003 نفس أهداف القيادة الإيرانية لمواصلة الحرب رغم قرار مجلس الأمن، وكانت النتائج المؤكّدة “إسقاط” مؤسسات الدولة، وتقسيمها، وإقامة نظام تحاصص طائفي، يستحوذ فيه ملالي طهران وأذرعهم في العراق الأمريكي على جميع أوراق التحكّم بحاضر ومستقبل العراق والعراقيين، تحت مظلّة احتلال أمريكي، وقد جرى العمل بجميع الوسائل التي تحوّل بلاد الرافدين إلى “بنك إرهاب”، يستثمر القائمون عليه في جميع أشكال وأذرع الإسلام السياسي الجهادي، تطويراً لبنك “أفغانستان الإسلامي”، وبما يصب في خدمة سياسات الولايات المتّحدة والنظام الايراني، الساعية إلى تفشيل دول المنطقة وقطع صيرورات الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي، وقد دفعت “سوريا” الفاتورة الأغلى!!.

2- في سوريا، شكّلت شبكة تقاطع المصالح والسياسات بين النظام الإيراني والولايات المتّحدة التي جسدتها أدوات ووقائع السيطرة التشاركية على العراق نموذجا لها العامل الرئيسي في تحديد مآلات الصراع السياسي على السلطة الذي تفجّر في أعقاب حراك سلمي نخبوي مطلبي، 15 آذار 2011.

أ- في مرحلة الحرب الأولى، بين 2011-2014، مظلّة حماية سياسية حقيقية أمريكية، بالتنسيق مع روسيا، أتاحت للنظام الإيراني التدّخل المباشر والمسيطر حتى قبل منتصف آذار 2011، ومكّنته من استخدام كلّ ما يملك من جهود وميليشيات لقطع مسارات التسوية السياسية، ودفع الصراع على مهالك الخَيار العسكري الطائفي، مستجراً بذلك حروب القوى الإقليمية التي تنازعه على السيطرة السورية والإقليمية، ومهيئاً البيئة “الأمثل” لتدخّل ميليشيات وقوى الإسلام السياسي الجهادي، خاصة التي تمّ استثمارها في بنوك العراق خلال سنوات ما بعد الغزو – النصرة – الحشد الشعبي – داعش…

ب- في مرحلة الحرب الثانية، 2015-2019، قادت الولايات المتّحدة والنظام الايراني، بالتنسيق مع روسيا، وعبر مشاركتها الحربية المباشرة، جهود وحروب إعادة تقاسم حصص السيطرة الجيو ميليشياوية، وكانت النتيجة المؤكّدة في نهاية 2019 تقسيم سوريا إلى حصتين رئيسيتين، الحصة الأمريكية والحصّة الإيرانية (الروسية)، ولولا التدخّل العسكري التركي المباشر خلال 2016 للحصول على “حصة” خاصة، لباتت كلّ الجغرافيا السورية تحت سيطرة تشاركية إيرانية أمريكية!.

ت- في مرحلة التسوية السياسية بعد نهاية 2019، تساوقت وتكاملت جهود تأهيل قسد على الحصة الأمريكية مع جهود إعادة تأهيل سلطة النظام على الحصة الإيرانية، بما يشرعن الحصص، ويفشّل مقوّمات تسوية شاملة، ومسار اللجنة الدستورية لإعادة توحيد الجغرافيا السورية في ظل مؤسسات سلطة مركزية – توافقية!

بناءً عليه، وإذا أخذنا عواقب ما نتج على سوريا والسوريين نتيجة لتقاطع مصالح وسياسات الولايات المتحدة والنظام الإيراني في تفشل الدولة وتقسيمها، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوّة :
هل يحق لأي شخص، مهما كان موقعه السياسي أو الثقافي، أو درجته العلمية، أن يغيب حقائق ومسؤوليات ما أتت به الشراكة الإيرانية الأمريكية وأذرع مشروع سيطرتهما الإقليمي على السوريين (والفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين واليمنيين).. كرمى لعيون حماس ومشغّلها القطري، الوكيل الإقليمي الأبرز لسياسات واشنطن، والداعم السياسي الرئيسي لميلشيات الإسلام السياسي، أذرع مشروع السيطرة الإقليميّة الأمريكية – الإيرانية، التشاركية.

إنّ تغييب حقائق ومسؤوليات السيطرة الإقليمية التشاركية بين الولايات المتحدة والنظام الايراني في أقلام وأبواق النخب السياسية والثقافية المرتبطة يؤدّي إلى نتائج خطيرة على مصالح الشعوب، وعدم وعي هذه الحقيقة من النخب المؤدلجة يضع مسؤولية إضافية على عاتقها، ليس فقط بسبب تقصيرها عن إدراك طبيعة الحقائق المُغيّبة، بل وبما تساهم في تروّجه من ثقافة غير موضوعية، تضلل الرأي العام.

فهل ترتقي النخب إلى مستوى المسؤوليات الوطنية؟!


[1]– جاء في مقال الدكتور التميمي: في العام 1982 كان أرئيل شارون يستعد لاجتياح لبنان للقضاء على التواجد العسكري والسياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ وخلال زيارة أرئيل شارون إلى واشنطن في يونيو 1982 طرح الأمر على الإدارة الأمريكية فأخبره الأمريكيون أنه لا يمكنه اجتياح لبنان دون مبرر قوي؛ فكان جوابه أن المبرر سيكون جاهزاً قبل عودته الى تل أبيب.. وبالفعل كانت الموساد قد أعدت خطة محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن وبتنفيذ الخطة بأيادي شباب مضللين من جماعة أبو نضال (يعني التخطيط والتدبير إسرائيلي والتنفيذ بأياد أخرى) اتخذت اسرائيل محاولة الاغتيال ذريعة لاجتياح لبنان.

يتكرر السيناريو اليوم بسقوط صاروخ على ملعب في الجولان؛ يقتل أطفالاً غير يهود بينما نتنياهو في واشنطن؛ يتهم حزب الله؛ فيحصل نتنياهو على ضوء أخضر لاجتياح لبنان بذريعة ما جرى في مجدل شمس؛ ويهب العالم لتأييد اسرائيل في الدفاع عن نفسها.

لن تستمع واشنطن لنفي حزب الله مسؤوليته عن الصاروخ؛ ولن تمهل العالم لاكتشاف حقيقة مصدر الصاروخ الذي قتل الشباب الدروز..

وهكذا يتحقق لنتنياهو ما طلب من توسيع دائرة الحرب، ولكن من يضمن نتائج هذا الجنون الإسرائيلي.

شخصياً؛ لا أشك في نفي حزب الله؛ وقد علمتنا التجارب الكثيرة أن إسرائيل لا تتردد في قتل يهود أو غيرهم لتبرير عدوان أو تحقيق أهداف سياسية، تاريخ إسرائيل حافل بمثل هذه الجرائم المفبركة.

[2]– جهود السيد التميمي وغيره لتبرئة حزب الله من جريمة أطفال مجدل شمس لا داعي لها، من وجهة نظري. فبراءة الحزب واضحة، تؤكّدها حقيقة عدم وجود مصلحة. فأين مصلحة الحزب في حصول تلك الجريمة؟ ألّا اذا كان يعتقد الدكتور الخبير أنّه يمكن أن يكون للحزب “مسؤولية غير مباشرة”، بسبب خطأ ما، وبالتالي يدلي بدلوه، في إطار موقفه السياسي وعمله الأكاديمي المعروف!!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني