fbpx

فصلٌ جديد من الصراع الدولي في سورية

0 197

ثمة ما يبرر للكثير من السوريين، المتابعة عن كثب لما ينضح من أخبار حول الصراع المالي المحتدم داخل البطانة الداخلية لنظام الأسد، ولعل تلك المتابعة لم يكن مبعثها الفضول الكامن في نفوس البشر جميعاً، بل ربما أضحت – بالنسبة إلى السوريين – حاجة نفسية، تلبي ما تراكم من إحباط ويأس في دواخل النفوس، فانسداد الأفق طوال تسع سنوات أمام حل سياسي يحقن دماء السوريين ويضع حدّاً لمأساتهم، إضافة إلى المعاناة المعيشية المستمرة جرّاء استمرار نظام الأسد وحلفائه التطاول على أرواح السوريين وأرزاقهم وممتلكاتهم، قد دفع معظم السوريين لتلمّس أي بصيص أمل، علّه يتحول إلى هالة تضيء النفق المسدود أمام أنظارهم، وهم في هذه الحالة أشبه ما يكونون بحال السجين الذي غابت عن أنظاره جميع المعطيات الواقعية التي تتيح له الخلاص من الأسر، فراح يلجأ تارة إلى البحث عن الخلاص في الماورائيات، وتارة ينتظر حدوث مفاجأة مُفترضة، علّها تقلب الأمور رأساً على عقب.

بدءاً من تصريحات الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين في أوائل آذار الماضي، مروراً بما تداولته الصحافة الروسية من نقدٍ شديد لرأس النظام وحاشيته، ووصولاً إلى الصراع الراهن بين آل مخلوف وبشار الأسد وزوجته أسماء، لعل كل ذلك يشكّل مادّةً دسمة للرأي السوري العام، لكي يحلل ويفسّر، ويترقب ما ستسفر عنه تلك العوامل التي غالباً لا تبين للعلن من خلال القنوات والأطر الرسمية، بل تتدافع أمواجها، لتطفح من الأبواب الجانبية والخلفية.

لقد أفرزت أطوار القوة في الثورة السورية (2011-2015) عدّة معطيات، جسّدت آمالاً مشروعة للسوريين باقتراب الخلاص، ولعل أبرز تلك المعطيات، انحسار سلطة النظام عن ثلثي الجغرافية السورية، وكذلك مقررات جنيف التي جسّدت إقراراً دولياً بعملية انتقال سياسي في سورية، فضلاً عن التعاطي الإيجابي للمجتمع الدولي مع القضية السورية، وذلك على المستويين، السياسي والإعلامي. إلّا أن طور القوة بدأ بالانحدار منذ أيلول 2015 ، حين تدخّل الروس بكل ثقلهم العسكري، وبرضى كامل من المجتمع الدولي، سواء أكان ذلك الرضى علنياً أم ضمنياً، وكان المنجز الأهم للتدخل الروسي هو تمكين نظام الأسد من إعادة السيطرة على معظم الجغرافية التي كانت خارج سيطرته، كما تمكن الروس أيضاً من الالتفاف على مقررات جنيف، عبر إيجاد مسار (أستانا) في مطلع العام 2017 ، والذي جسّد غطاء شرعياً لجميع جرائم بوتين في سورية، فضلاً عن كون هذا المسار قد أفرغ القضية السورية من جوهرها الحقيقي، أي كفاح السوريين من أجل التغيير، واختزلها في لجنة دستورية لا أحد يستطيع التنبؤ بمآلاتها. وفي موازاة هذا الانحدار، ثمة حالة من اليتم بدأت تستشري في نفوس السوريين، لعلّ مردّها إلى تهافت الدور المنوط بالكيانات الرسمية للمعارضة، نتيجة افتقادها لعناصر القوة العسكرية والسياسية من جهة، وكذلك نتيجة ارتهانها للمصالح الإقليمية، ما جعل دورها يكاد يكون محصوراً بالجانب الوظيفي للأجندات الخارجية، أكثر من كونه دوراً وطنياً.

التسليم بأن القضية السورية باتت رهينة صراع المصالح الإقليمية والدولية، بات هو الأكثر شيوعاً على ألسنة السوريين، ولم يعد ثمة معطيات ملموسة يعوّل عليها السوريون سوى الرهان على تضارب المصالح المتصارعة على الأرض السورية، ولعل هذا الشعور المفعم بالسلبية دعا بعضهم إلى الاعتقاد بعدم جدوى أي حراك سوري في الظروف الراهنة، وربما اكتفى بعضهم الآخر بالمتابعة عن بعد لما يجري، منتظراً انتهاء الصراع، ليأخذ دوره من جديد.

واقع الحال يؤكد أن ما استجد في الأيام الأخيرة من أحداث،  يُعدُّ مفاجأة لم تكن واردة الحدوث بالنسبة إلى الكثيرين، وأعني بذلك الإرهاصات التي بدأت تظهر حول تغيّر الموقف الروسي من رأس النظام، وكذلك حالة الصراع ضمن البيت الداخلي للنظام، وخاصة بين أهم عنصرين فيه، وهما ( السلطة – المال)، فذلك ما يستدعي – حقاً – المزيد من الاهتمام، بل يمكن القول: إن السوريين يعوّلون اليوم على عاملين اثنين، الأول هو صراع المصالح الدولية، والثاني هو التناقضات على التناقضات الداخلية للنظام، ولكن بكلتا الحالتين، فإن عملية الرهان بحدّ ذاتها، سواء على عامل صراع المصالح، أو على عامل تفسخ البيت الداخلي، ليست أكثر من تعبير عن عجز كامل لدى القوى الرسمية للثورة عن التأثير في سيرورة الأحداث من جهة، وكذلك تعبير – أيضاً – عن افتقادها الكلّي لزمام المبادرة والقرار الوطني من جهة أخرى.

وبعيداً عن التحليلات والتنبؤات التي غدا أكثرها أشبه ما يكون بعملية الرجم بالغيب، فإنه لابدّ من الإقرار بأن جميع أشكال الاحتدام والتصعيد السياسي والإعلامي بين القوى النافذة على الأرض السورية، لم يكن معنياً بقضية السوريين بالدرجة الأولى، فلئن صادقت الحكومة الأمريكية على تمرير قانون قيصر، وهي الآن تلوّح بتطبيقه في شهر حزيران القادم، فما تريده واشنطن من وراء ذلك هو مزيد من الضغط على إيران داخل الجغرافية السورية، وكذلك المزيد من الضغط على الروس لإرغامهم على المساعدة في محاصرة النفوذ الإيراني داخل سورية. وحين تتحدث الصحافة الروسية عن فساد آل الأسد والحاشية الأمنية للسلطة، فهي تريد توجيه رسائل قوية للمجتمع الدولي، والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، بأن بوتين مستعد للمفاوضة حول رأس النظام، إذا حصل – مقابل ذلك – على ضمانات بالحفاظ على المصالح والامتيازات الروسية في سورية، علماً أن الموقف الرسمي الروسي يسعى لتكذيب جميع ما تقوله الصحافة عن نظام دمشق، إلّا أن هذا التكذيب لا يغيّر من الحقائق شيئاً، وأغلب الظن أنه يندرج فيما يمكن تسميته (إحماء البازار ورفع سقف الأسعار).

لعلّ الحقيقة التي تسعى واشنطن إيصالها لبوتين بوضوح شديد تقول: لن تتيح واشنطن لموسكو أن تحوّل مُنجَزها العسكري إلى مُنجَز سياسي واقتصادي، ولن تتيح واشنطن المجال لإقرار حل سياسي في سورية ما لم تخرج إيران من سورية نهائياً، كما تريد واشنطن التأكيد لبوتين بأن لديها الوسائل الكافية للضغط على جميع الأطراف وفي مقدمتهم الروس، ولئن كان بعضهم لا يتوقع أن يكون قانون قيصر ضربة قاضية على خصوم واشنطن في سورية، فإن الأمريكان – بدورهم – ليسوا على عجلة من أمرهم، لأنهم على يقين بأنهم سيفوزون بالنقاط، المهم أنهم سيفوزون بالنتيجة.

هل سيستفيد السوريون من هذا الفصل الجديد من الصراع بين الدول النافذة في الشأن السوري؟ الجواب: نعم بكل تأكيد، وما هو الدور المطلوب من السوريين حيال هذا الفصل الجديد؟ فلهذا حديث آخر.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني