fbpx

فصائل “حركة التحرير والبناء”.. الأولويات وأفق الاندماج

1 384

السؤال الرئيسي الذي ينبغي الإجابة عليه بشفافية هو: عندما تندمج فصائل عسكرية تنتمي لمؤسسة الجيش الوطني المعارض لنظام الأسد، يجب أن تكون هناك خطة واضحة للاندماج، هذه الخطة المفترضة، لابدّ أن تغطي مساحة الاندماج كلياً وفق جدول زمني، بحيث، يتكوّن إطار الاندماج الجديد على قاعدة تطوير حقيقية، على مستويات مختلفة يحتاجها هذا الإطار.

الفصائل العسكرية السورية المعارضة لنظام دمشق الاستبدادي، بحاجة جدية لتغيير أنساق عملها المفردة، أي الكيفية التي تتموضع فيها عسكرياً، وإعلامياً، ووطنياً، حين تنتقل من بنيتها القائمة إلى بنيتها الجديدة “الاندماج”.

فهل حدثت وتحدث مثل هذه الرؤية الاستراتيجية في إطار اندماجات فصائل مختلفة سبقت اندماج فصائل “حركة التحرير والبناء، التي تشكّلت من اندماج أربعة فصائل عسكرية في الشمال السوري المحرّر؟

عسكرياً، يمكن القول إن التراتبية العسكرية لبنية حركة التحرير والبناء، تحتاج أن تشغل مساحة تغيير حقيقية، هذه المساحة، لا يمكن أن تتم خارج تكوين جدّي للجيش الوطني، حيث تتشكّل من قيادات الفصائل آنذاك هيئة أركان عسكرية فاعلة، ويكون الاندماج كلياً، ووفق هيكلية عسكرية فاعلة على نموذج الجيوش الكلاسيكية.

أما وحدة فصائل “حركة التحرير والبناء” فهي ضرورة لما تنتظره المنطقة الشرقية من تطورات قادمة، فهذه الفصائل التي تنتمي فعلياً للمنطقة الشرقية من سوريا (محافظات دير الزور والرقة والحسكة)، هي أكثر معرفة بجغرافية المنطقة وبتركيبة سكانها، لأنها تنحدر منها، والأقدر على ملء الفراغ العسكري والأمني في حماية سكانها.

إعلامياً، تحتاج “حركة التحرير والبناء” إلى وضع استراتيجية إعلامية لا تختص بالجانب اللوجستي الخاص بها، بل أن تكون الاستراتيجية الإعلامية لهذه الحركة ذات أبعاد متعددة، منها البعد السياسي الذي تشكّلت هذه الحركة على وعيها به، فهي فصائل متحدة من أجل سوريا ديمقراطية مدنية تعددية، وهي بذلك ترسّخ مفاهيم الوحدة الوطنية، التي ستقوم بين كل المكونات السورية، لتحقيق مربع الوطنية السورية، الذي تتساوى فيه الحقوق والواجبات لدى كل هذه المكونات.

إعلامياً أيضاً، أن تنهض “حركة التحرير والبناء” بوضع استراتيجية تعبئة فكرية ليس لجسمها العسكري فحسب، بل أن تشمل هذه التعبئة السكان في مناطق وجودها الحالية والمستقبلية، ويكون مركزها تعزيز الارتباط الوطني بين السكان ودولتهم السورية القادمة، بعد الخلاص من نظام الاستبداد، وتحقّق الانتقال السياسي بموجب القرار الدولي 2254.

إن التعبئة الفكرية تعني بناء وعي متقدم بلائحة الإعلان العالمي لحقوق الانسان، وإضاءة جوانب القوانين الدولية، وتجنّب انتهاكها من بعض الأشخاص، نتيجة عدم معرفتهم بهذه اللائحة وبالقوانين الدولية.

وطنيّاً، إن الفصائل الأربعة التي أعلنت تشكيل إطار عملها العسكري الجديد (أحرار الشرقية، جيش الشرقية، الفرقة العشرون، صقور الشام “قطّاع الشمال”) معنية بالتعبير عن وطنيتها السورية، هذه الوطنية ترتكز على اعتبار الجغرافية السورية واحدة، وهي لا تتأخر مقابل تقدم الجغرافية المناطقية، وهذا ما تتبناه فصائل هذه الحركة وتمارسه واقعياً، ويظهر هذا السلوك الوطني من خلال الممارسة اليومية لها، إذ هي لا تفرّق بين المكونات السورية البتة، وهذا يتضح في ممارساتها بمناطق نفوذها في الشمال السوري المحرر.

إن حركة التحرير والبناء معنية بأن يكون لها عقيدة سياسية وعسكرية واضحة، فعقيدتها السياسية تقوم كما تطرح هي على وحدة الجغرافية السورية، وعلى دورها في حماية السكّان من أي اعتداءات، سواء كانت اعتداءات من ميليشيات لا وطنية مثل ميليشيا ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” التي يُطلق عليها اختصاراً (قسد)، وعلى المساهمة مع كل قوى الثورة السورية في بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، دولة تنهض بمشروع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والسياسية، أي التنمية الشاملة المستدامة.

إن أولويات حركة التحرير والبناء في مواجهة التغيرات القادمة يجب أن تنطلق من تطوير قدرات قواتها عسكرياً ووطنياً، وهذا يحتاج إلى وضع اندماجها على قاعدة تدرجية، كي تترسخ كل مرحلة من مراحل اندماج أنساقها، ومن ثم اندماجها اللاحق بالجيش الوطني.

إن بناء استراتيجية اندماجها إعلامياً يجب أن يتسم بالتحرر من إطارها اللوجستي الضيّق، إلى إطار نشر الوعي السياسي بالوطنية السورية، وهذه الاستراتيجية تحتاج ضخاً فكرياً وسياسياً كبيرين، يتوجه نحو جسمها العسكري أولاً، ومن ثمّ يتم توجيهه نحو حاضنتها الشعبية.

الضخ الفكري والسياسي يحتاج إلى برنامج عمل ملموس محدد المواضيع، مثل مفهوم مهنية حركة التحرير والبناء على صعيد البناء والممارسة، هذه المهنية تقوم على قاعدة علوم عسكرية حديثة تتبناها الجيوش المحترفة عالمياً.

الضخ الفكري والسياسي يحتاج هو الآخر نشر تعريفات وطنية لمفهوم الدولة والسلطات سواء سلطات سياسية أو تشريعية أو قضائية، فتعزيز هذه المفاهيم لدى قوات حركة التحرير والبناء ولدى الحاضنة الشعبية للحركة يزيد من وعيهما بدورهما الوطني، ويزيد من ارتباطهما بجذر الوطنية السورية غير العصبوية وغير الشكلية.

فهل ستهتم “حركة التحرير والبناء” بهذه الاستراتيجيات الأساسية، التي تجعل منها قوى تغيير ثوري عميقة التأثير في وطنها وبين مكونات شعبها؟

نأمل ذلك فقياداتها تنهج طريق تطوير قدراتها المختلفة، سواء قدراتها العسكرية من خلال التدريب واستخدام التقانات المتوفرة، أو قدراتها السياسية من خلال وعيها بالصراعات الجارية في بلادها والمنطقة، أو قدراتها الثقافية من خلال تطوير وعي مقاتليها بمفهوم الوطن والمواطنة وحقوق الانسان والقوانين الدولية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني