fbpx

غسان الجباعي لم يكن مخرجاً مسرحيا فحسب.. كان فناناً وأديباً مبدعاً

0 166

لم يستطع معتقل تدمر الكريه أن يجمعنا في باحاته، رغم أن اعتقالنا كان على قاعدة “رفض الديكتاتورية” فنظام أسد يفكّر بالبشع لمعارضيه كي يمزقهم، ويمنع وحدة رؤيتهم.

لذلك يمكنني، وأنا الذي قضى قرابة أربعة أعوام متتالية من فترة اعتقالي في معتقل تدمر، أن أقول لم ألتق بغسان الجباعي في هذا المعتقل الصحراوي الفظيع.

كان كلانا وبقية الرفاق في المهجعين البعيدين عن بعضهما نسمع تكبيرات وجبات الذين سيتمّ إعدامهم، وقد خضعوا لأقصر محاكمات في التاريخ البشري، كان المتهم يقف أمام محكمة ميدانية، يسألونه فحسب عن اسمه ثم يقولون له انصرف.

وبعد نقلنا إلى معتقل صيدنايا في جبال القلمون، التقيت بغسان، وصار بيننا تقارب أدبي فني وشخصي، كان غسان أقرب للحزن الشفيف والتحدي العميق لكل عملية الاعتقال، التي كانت تتم بحق الوطنيين المؤمنين بالحريات السياسية وبالديمقراطية.

لقد جمعنا مهجع واحد يحمل الرقم واحد في الجناح آ يمين الطابق الأول في سجن صيدنايا في نهاية عام 1990، كان غسان جاري بالفراش، وحين دار بيني وبينه حديث عما نحن فيه، قلت له: لا تصدّق يا رفيق أن بوابات السجن ستبقى مغلقة علينا، سيفتحونها رغماً عنهم.

نظر غسان (الذي كان قد درّب المعتقلين الشباب على الأداء المسرحي) إليّ بعمقٍ، وقال لي متى سيحدث ذلك. قلت له اعتقد أن ذلك سيحدث قريباً وسنخرج للشمس والهواء.

استطاع غسان أن يدرب الشباب المنخرطين معه بحب المسرح على نصٍ روائي مصري شهير، هو رواية “اللجنة” لكاتبها الفذ صنع الله إبراهيم.

غسان الذي ستحل ذكرى رحيله الأولى عنّا، أو ذكرى مرور عام على غفوته كما تقول رغدة الخطيب زوجته الوفية، لم يرحل كما أدعي، فمن أنجب أصابع الموز ورواية قهوة الجنرال وكثير من الأعمال الإبداعية، لم يغفل للحظة أن في دمه تسري رؤى مسرحية عظيمة.

لقد حضرت مسرحية جزيرة الماعز وكان يقدمها على مسرح الحمراء في قلب دمشق الأسيرة، في الحقيقة استطاع بإخراجه أن يصدم وعي كثير من مشاهدي المسرح دون مباشرة، كان يسرّب إلى أرواحهم فكر حرية لا تزال موءودة، فهو كما لم ينس عذاباته في معتقلي تدمر وصيدنايا، لم ينس في لحظةٍ أن روحه وعقله لا يقودانه إلا نحو فضاءات الحرية.

غسان الذي اعتقل باسم حزب البعث العربي الاشتراكي الديمقراطي كانت رؤيته أوسع من الأحزاب، لأنه ببساطة كان يكافح من أجل حرية الوطن وحرية الإنسان دون اضطرار لمتكئ إيديولوجي.

غسان لم تمت يا صديقي، كيف يمكننا الاقتناع بأنك متّ وأنت حاضر بيننا بأدبك ومسرحك وبراءك الجميل الذي امتشق جناحيه ليغزو فضاءات العلم والثقافة، كيف تموت ورغداؤك لا تزال تصرّ أن غفوتك لن تطول.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني