fbpx

عُصيّات الليرة والزُحار تشريعي

0 418

وردتنا عدة تساؤلات حول أسباب وأهداف ودلالات موجة مشاريع تعديل القوانين التي يُقدّمها ما يُسمّون زوراً وبهتاناً أعضاء مجلس الشعب التابع لنظام أسد وكان آخرها إصدار مرسوم من بشار أسد المجرم بتشكيل لجنة لتعديل قانون أصول المحاكمات المدنيّ، وقبله مشروع تعديل قانون العقوبات الاقتصاديّة الذي تقدّم به المدعو “محمد خير العكام” وتعديل قانون الشركات الأمنيّة الذي أقرّه رأس النظام بإصدار القانون رقم ” 22″ تاريخ 8/11/2023، ونبيّن أسبابها وأهدافها ودلالاتها في هذا المقال.

أولاً: مشروع تعديل قانون العقوبات الاقتصاديّة رقم “3” لسنة 2013: حيث انصّب طلب العكّام على تعديل الركن المادّي لجريمة الرشوة عبر رفع قيمة بدل الضرر أو المنفعة المتأتيّة من الرشوة من “500 ألف ليرة إلى 5 ملايين ليرة” على الأقل تماشياً مع سعر صرف الدولار.

وعلى الاختصاص النوعي للمحكمة الناظرة بأن تكون محكمة الجنايات مختصة في الدعوى التي تكون فيها المبالغ أقل من ذلك.

وادّعى أن الأسباب الموجبة لطرح المشروع هي الفرق الكبير في سعر صرف الليرة السوريّة أمام الدولار الأمريكي وبسبب التضخّم الذي تعيشه البلاد.

تعقيبنا على المشروع:

الرشوة من الجرائم العامّة التي نصّ عليها قانون العقوبات العام في الباب الثالث تحت عنوان “الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة” بالمواد “341 حتى 345” وقد قسّمها من حيث التوصيف القانوني والعقوبة إلى جرائم جنحويّة وجرائم جنائيّة:

فهي من الجرائم الجنحويّة عندما يكون العمل الذي يقوم به المرتشي مشروعاً.

ومن الجرائم الجنائيّة عندما يكون العمل غير مشروع.

كما وردت جريمة الرشوة في قانون العقوبات الاقتصادية رقم “3” لسنة 2013 الذي لم يغيّر في أركان جريمة الرشوة إلا الركن الماديّ وهو البدل لقاء المنفعة والذي جعله “500” ألف ليرة سوريّة بدلاً من “100” ألف ليرة سوريّة في القانون السابق الملغى وأبقى على عقوبتها الجنائيّة وهي السجن المؤقت على ألاّ يقل عن خمس سنوات.

حيث نصّت المادّة “15” منه على أنّ: كل موظف عام أو عامل لدى الدولة يلتمس أو يتلقى هدية أو منفعة أو يقبل وعداً بأحدهما لنفسه أو لغيره ليقوم بعمل من أعمال وظيفته أو ليهمل أو يؤخر ما كان عمله واجباً عليه يعاقب بالسجن المؤقت. وإذا كان العمل منافياً لوظيفة الفاعل أو ادعى أنه داخل في وظيفته أو كان الفاعل يقصد مراعاة فريق إضراراً بالفريق الآخر تكون العقوبة السجن خمس سنوات على الأقل. تنزل العقوبة المحددة في الفقرتين السابقتين بالراشي والمتدخل والمستفيد. إذا أباح الراشي أو المرتشي أو المتدخل أو المستفيد بالأمر إلى السلطات المختصة أو اعترف به قبل إحالة القضية على المحكمة يعفى من العقاب.

والمادة “23” التي حدّدت نصاب التجريم حيث نصّت على أنّه: لا تطبق أحكام هذا القانون إذا كان الضرر أو النفع الناتج عن الجرم لا يتجاوز 500000 خمسمئة ألف ليرة سورية.

واستناداً لما سبق فإن دعوة العكام الى تعديل قيمة بدل المنفعة المنصوص عنه بالمادة “23” منه لا مبرّر لها فهي مُجرّد “فزلكة” عميد كليّة حقوق، لأنّها لا تأتِ بشيء جديد ولا تُغيّر بالنصوص القائمة أي شيء ولأن قانون العقوبات الاقتصاديّة من القوانيين الخاصّة وأنّه في حال عدم توّفر نصاب التجريم وفقاً لنص المادة “23” يرجع أمر النظر بجريمة الرشوة تلقائيّاً الى قانون العقوبات العام من حيث التجريم وفقاً للمادة “180” من قانون العقوبات العام التي تنصّ على أنّه: إذا كان للعقل عدة أوصاف، ذكرت جميعاً في الحكم على أن يحكم القاضي بالعقوبة الأشد. على أنه إذا “انطبق على الفعل نص عام ونص خاص أخذ بالنص الخاص”. وهو ما نصّت عليه المادة (26) من قانون العقوبات الاقتصاديّة التي تنصّ على أنّه: إذا كانت العقوبة المنصوص عليها في هذا القانون أدنى من العقوبة المفروضة في القوانين الأخرى لجريمة مماثلة تطبق العقوبة الأشد.

والمرجع في تحديد المحكمة المختصّة نوعيّاً هو قانون أصول المحاكمات الجزائيّة الذي جعل جرائم الرشوة الجنحويّة من اختصاص محاكم بداية الجزاء والرشوة الجنائيّة من اختصاص محاكم الجنايات.

ثانياً: المشروع الثاني: وهو مشروع تعديل قانون الشركات الأمنيّة الذي تم إقراره من قبل “مجلس الشعب” الذي تضمّن: الحظر على شركة الحماية والحراسة الخاصة التعامل مع شركات خارجية، وأن تكون فرعاً لشركة عربية أو أجنبية، وحظر نقل ملكيتها أو التنازل عن الترخيص الممنوح لها كلياً أو جزئياً إلا بموافقة مسبقة من وزير الداخلية شريطة أن تتوافر في المالك الجديد أو المتنازل له الشروط ذاتها الواجبة للترخيص، كما يحظر عليها تأمين السلاح من أي مصدر غير محدد في هذا المشروع، واستخدامها حراساً لم يتم منحهم رخصة مزاولة المهنة من قبل وزارة الداخلية.

تعقيبنا عليه: لا جديد ذو أهميّة في هذه التعديلات كل ما في الامر أنها خفّضت سن مدير الشركة من 35 سنة إلى 30 وخفضت سن المالك والشريك من “35” سنة إلى “18”.

والشرط الآخر المتعلّق بالتعامل مع الشركات الأجنبية العاملة خارج القطر لم يتغيّر ولكن جاء ذكره في معرض التعديلات للتأكيد على حظر التعامل مع فروع شركة فاغنر التي تعمل خارج سورية ولا يمنعها من العمل مع فرعها في سورية وهذا يأتي في سياق الأحداث التي تعرّضت لها الشركة في روسيا وأوكرانيا وثبوت تورط شركة الصياد وشركة سند بتجنيد المرتزقة للقتال في أوكرانيا وفرض العقوبات الدولية عليهما وعلى شركات أمنية أخرى قامت بتجنيد المرتزقة للقتال في ليبيا وأذربيجان مع أرمينيا.

ويهدف النظام من وراء هذه التعديلات التحلّل من المسؤولية القانونية عن الجرائم التي تورّطت بها هذه الميليشيات في الخارج باعتباره يُمثِّل “دولة منشأ” التي تلقي على عاتقها وثيقة مونرو للشركات الأمنية لسنة 2008 الالتزام بإجراء التحقيقات بشأن الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جرائم أخرى بموجب القانون الدولي، مثل التعذيب أو أخذ الرهائن، أو ملاحقتهم أو تسليمهم أو تقديمهم للمحاكمة، بموجب القانون الدولي، أو عند الاقتضاء، وفقاً لالتزاماتها بموجب القانون الدولي. وينبغي أن تُجرى هذه المحاكمات وفقاً للقانون الدولي الذي يقضي بإقامة محاكمة عادلة، مع مراعاة أن تتناسب العقوبات مع خطورة الجريمة.

تتحمل هذه الدول المسؤولية عن انتهاك الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أو موظفيها للقانون الإنساني الدولي أو قانون حقوق الإنسان، أو أيّ قواعد أخرى للقانون الدولي، عندما تُعزى مسؤولية هذا الانتهاك إلى الدولة المتعاقدة عملاً بالقانون الدولي العرفي، وخصوصاً إذا كانت الشركات العسكرية والأمنية الخاصة قد سجّلتها الدولة المعنية في قواتها المسلحة النظامية عملاً بتشريعها الوطني أو أعضاء في قوات أو جماعات أو وحدات مسلحة منظمة تحت إمرة قيادة تابعة للدولة.

بناءً عليه نجد أن النظام السوريّ لا يذّخِر وسيلة ولا أسلوباً من الأساليب ليجلب المنفعة والمال حتى لو اضطر لنسف المبادئ والأعراف القانونيّة التي تقتضي استقرار التشريعات واستمراريتها وعدم تعريضها للتغيّير المستمر والمتقلّب بدون ضوابط، ومن أهم هذه الضوابط بيان الأسباب الموجبة التي يجب أن تكون واضحة ومقنعة وتحقّق المصلحة العامّة، وبيان الأهداف من ورائها وهي أمام القضاء على ظاهرة غير قانونيّة أو حل مشكلة أو تنظيم ظاهرة مشروعة، وبيان الغايات المأمولة من سنّ هذه القوانين، ما يمكّننا من تشبيهه من كثرة التعديلات وطرح مشاريع قوانين وإصدار مراسيم التي يربطها بسعر صرف الليرة أمام الدولار كالمصاب بالزُحار لتعويض ما دمّره وخسره من مقدّرات البلاد في حربه على الشعب السوري.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني