fbpx

عامٌ على انتفاضة العشائر: الشكلانية والتسويف نهج قسد المستمر

0 85

ملخص تنفيذي

تركزت مطالب العشائر على عدة قضايا منها إنهاء وصاية كوادر “حزب العمال”، وإيقاف الحملة الأمنية وفتح تحقيق بالانتهاكات، إضافة لمطالب سياسية كالسماح بالحراك المدني والسياسي ناهيك عن المطالب الحوكمية وعلى رأسها إعادة هيكلة مجلس دير الزور المدني.

ترتبط سياسات “قسد” حيال الحراك بثلاثة عوامل، إذ ينطلق الأول من ضرورات السيطرة والتحكم كاستثمار ورقة تنظم “داعش” لحرف المسار إضافة لتعزيز ديناميات المركزية المطلقة، أما العامل الثاني فيرتبط بهدف التحكم ببيئة العمل المدني والسياسي من خلال إصدار عقد اجتماعي وقانون انتخابات يعكس منظور ومخيال “PYD” للحكم، فيما يتعلق العامل الثالث بمحاولات كسب الشرعية وفرض نفسها كسلطة أمر واقع.

ساهم تدهور الوضع الأمني للمحافظة في ظل استمرار هجمات مقاتلي العشائر وتصاعد نشاط تنظيم “داعش”، في تغيير آليات تعامل الفاعلين من جهة أولى وتغيير استراتيجيات التعامل الأمني والسياسي لقسد مع أبناء المنطقة من جهة ثانية.

تباينت مواقف الفاعلين الدوليين والإقليميين تجاه الأحداث، حيث دعمت الولايات المتحدة قسد عسكرياً مع فتح قنوات حوار، بينما أظهرت تركيا دعماً سياسياً للعشائر ضد قسد، فيما استغل نظام الأسد وحلفاؤه الإيرانيون ما حدث لتوسيع نفوذهم وخدمة سرديتهم، فيما دعمت المعارضة السورية الحراك العشائري سياسياً واجتماعياً.

ما بين المرونة والاستجابة المحدودة، وتعقّد المشهد، وإدارة الأزمة، يبدو أن الأخيرة هو السيناريو الأكثر ترجيحاً للمشهد في دير الزور، إذ ستستمر قسد في تقديم إصلاحات شكلية دون معالجة القضايا الرئيسية وهو ما سيعزز مؤشرات التدهور الزمني وتصاعد التوترات وعدم الاستقرار في المحافظة الأمر الذي سيعمّق الأزمة الإنسانية والتنموية والحوكمية.

بعد مرور عام على أحداث دير الزور بين “قوات سوريا الديمقراطية” وعشائر ريف دير الزور الشرقي، لاتزال المطالب الأمنية والسياسية والاجتماعية لهذه العشائر دون تحقّق، إذ تجددت الاشتباكات على ضفتي نهر الفرات مرشحة لمزيد من الانزلاقات، يركز تقدير الموقف أدناه، على تطورات المشهد في دير الزور بعد “انتفاضة العشائر” مختبراً سياسات قسد حيالها، ومواقف الفاعلين تجاه ما جرى، وتلمّس الاتجاهات المستقبلية للمشهد العام.

عام على الانتفاضة: ثنائية العنف والتسويف

في نهاية شهر آب/ أغسطس 2023، اندلعت احتجاجات في ريف دير الزور الشرقي الخاضع لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عقب اعتقال أحمد الخبيل (أبو خولة)، قائد مجلس دير الزور العسكري. سرعان ما توسعت الاحتجاجات لتشمل معظم قرى وبلدات المنطقة، وتحوّلت إلى اشتباكات مسلحة بين العشائر المحلية وقسد التي سعت بقوة لقمعها.[1] جاءت هذه الاحتجاجات نتيجة تراكمات من الاستياء الشعبي بسبب سياسات قسد التمييزية والإلغائية إضافة إلى الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها قسد بحق السكان المحليين من اعتقالات عشوائية، وفرض رؤية سياسية خاصة بحزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) من مناهج التعليم وغيرها، إضافة لحرمان المنطقة الغنية نفطيا من مشاريع التنمية.[2]

تحولت الاحتجاجات إلى اشتباكات مسلحة وتم مهاجمة مراكز قسد في عشرات البلدات والقرى، ثم لجأت قسد لجلب تعزيزات كبيرة، وبدأت تستعيد سيطرتها على المناطق تدريجياً ليتم حصر مقاتلي العشائر بزعامة إبراهيم الهفل شيخ قبيلة العكيدات في بلدة ذيبان، وفي نهاية الأسبوع الأول من أيلول/سبتمر2023 أعلنت قسد السيطرة على ذيبان، واختفاء الهفل ومقاتليه، ليظهر لاحقاً في مناطق سيطرة النظام في الضفة الغربية من نهر الفرات.[3]

أسفرت الاشتباكات عن مقتل نحو 100 شخص من الطرفين، واعتقال العشرات من أبناء المنطقة، إضافة لخسائر مادية كبيرة، كما نتج عن الاشتباكات إعادة نشر قسد أكثر من عشرة آلاف من مقاتليها في ريف دير الزور للمرة الأولى منذ سقوط آخر معاقل تنظيم الدولة في الباغوز عام 2019، وعليه يمكن إجمال أهم التغيرات التي أحدثتها الانتفاضة في الآتي:

استمرار التوتر بين العشائر وقسد، مع تصاعد الهجمات من تنظيم داعش، الذي زاد من نشاطه كماً ونوعاً.[4]

تزايد هجمات مقاتلي العشائر التابعين للهفل، الأمر الذي استفادت منه إيران في توسيع نفوذ الميليشيات الإيرانية في المنطقة، خاصة بعد معركة “طوفان الأقصى”، حيث حاولت هذه الميليشيات اختراق المجتمع المحلي وتطويعه لمناكفة التواجد الأمريكي.[5]

انتهاء السيطرة العسكرية المركزية لمجلس دير الزور العسكري التي استمرت أربع سنوات، واستبدالها بعدة قوى تابعة لقسد، مثل الأمن الداخلي “الاسايش”، والاستخبارات، وألوية من المجالس العسكرية في منبج، الحسكة، والرقة، إضافة إلى “لواء الشمال” و”لواء ثوار سوريا”.[6]

تأثر عدد من المشاريع التنموية والخدمية بما جرى، ما أدى لتأخير عدد منها، وتوقف بعضها نتيجة تدهور الوضع الأمني.[7]

اضطرار “الإدارة الذاتية” بضغط من التحالف لتنظيم جلسات حوار مع ناشطي المنطقة والاستماع لمطالبهم.

وعدٌ بالإصلاح واجتماعات صورية

مع نهاية الاشتباكات منتصف أيلول/سبتمبر2023، عُقدت عدة لقاءات بين أبناء المنطقة من ناشطين وسياسيين ووجهاء عشائر مع وفود من التحالف الدولي وقيادة “قسد”،[8] تم التأكيد خلال هذه الاجتماعات على عدة مطالب وقد تعهد مسؤولو الإدارة بتنفيذها خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر، ويمكن تفنيد هذه المطالب وفق عدة مستويات:

مطالب أمنية: إنهاء حالة الوصاية التي يمارسها كوادر حزب “العمال الكردستاني” على المنطقة، إنهاء العملية العسكرية، إيقاف حملات المداهمة والاعتقال، السماح بعودة النازحين، إصدار عفو عام، إعادة المنازل المستولى عليها، تحسين معاملة الحواجز، نشر نقاط مراقبة عسكرية.

مطالب خدمية: إعادة هيكلة مجلس دير الزور المدني، تحسين الخدمات، تحسين سياسات الصحة والتعليم، العمل على تنمية المنطقة.

مطالب سياسية: السماح بالحراك المدني والسياسي وترخيص الأحزاب وتوضيح طبيعة العلاقة مع النظام وإيران، ناهيك عن فتح تحقيق في الانتهاكات.

رغم التعهدات بالإصلاح، لم يتم تنفيذ معظم المطالب حتى تاريخه، وتشير عمليات الرصد إلى قيام قسد بالآتي:[9]

تنفيذ بعض المشاريع الخدمية مثل تأهيل مضخات مياه وأفران من قبل منظمات دولية ومحلية

تعيين رئيس جديدة لمجلس دير الزور المدني، ورئيس لمكتب الصحة.

أصدرت قسد عفواً عاماً خلال شهر تموز/ يوليو 2024، استفاد منه عدد من أبناء المنطقة، لكنه تغافل عن إخراج المعتقلين على خلفية الأحداث وبعض الناشطين. كما خرجت دفعة من عائلات مخيم الهول استجابة للمطالب العشائرية.

مع دخول شهر آب/ أغسطس2024، تصاعدت هجمات قوات العشائر حيث شنوا هجمات على ذيبان، وتبادلوا القصف على جانبي النهر مع عناصر قسد، وأسفرت هذه العمليات عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين، وتم تسجيل نزوح مئات العائلات من القرى والبلدات القريبة من خطوط الاشتباك،[10] ما يؤشر إلى دخول المنطقة في حالة تصعيد يمكن أن تستغله قسد للتنصل من تعهداتها.

إذاً يشير الوضع الراهن في دير الزور إلى محدودية حركة “مسار الإصلاح”، حيث لم تتحقق معظم المطالب الأساسية للسكان. كما تعكس الإشارة إلى بعض الإنجازات التي تم تحقيقها من قبل منظمات دولية قصور “الإدارة الذاتية” في تنفيذ وعودها بالإصلاح. على الرغم من إصدار قسد لعفو عام وخروج بعض عائلات مخيم الهول،[11] إلا أن هذه الخطوات جاءت بطيئة وغير كافية لتلبية مطالب السكان، كما أن استمرار الحاكم العسكري لقسد الكادر “فرهاد” وهو قيادي في حزب العمال الكردستاني يشير إلى تمكسها بذات النهج المطبق في بقية مناطق سيطرتها،[12] وهو من شأنه زيادة مؤشرات حالة الاستياء بين السكان ويعزز الشعور بعدم الثقة في قسد، مما يساهم في استمرار التوتر.

مواقف الفاعلين: اصطفافاتٌ وسرديات متباينة

تعد معرفة المواقف الدولية من أحداث دير الزور أمراً مهماً لفهم تأثير القوى الإقليمية والدولية على الصراع المحلي، حيث تلعب مواقف اللاعبين الرئيسيين مثل الولايات المتحدة، النظام، إيران، وتركيا دوراً محورياً في تحديد مسار الأحداث والتطورات المستقبلية في المنطقة.

فيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة: أبدت واشنطن عدم رغبة في التدخل ببداية الأحداث، معتبرةً ما حصل مشكلة داخلية يمكن لقوات “قسد” معالجتها، ولكن بعد توسع الاحتجاجات وانتقالها لمواجهات مسلحة بين قوات “قسد” والعشائر بقيادة الهفل، تدخلت واشنطن على مستويين، الأول: المساعدة في الحسم العسكري، أو ربما غض الطرف عن استخدام “قسد” للسلاح الثقيل والمسيرات، وخشية قوات التحالف من انزلاق الأمور أكثر ضد قوات “قسد” وإتاحة الفرصة لدخول الميليشيات الإيرانية المنطقة وتهديد قواعد التحالف، إضافة إلى تصديق رواية قسد عن دعم ايران والنظام للحراك العشائري، لذلك أعطت لقسد الضوء الأخضر للحسم العسكري، أما المستوى الثاني: فتح خطوط اتصال ولقاءات مع ناشطين ووجهاء من المنطقة لاحتواء ما حصل والضغط على قسد لتلبية المطالب الخدمية والمعيشية للسكان، وقد أبدى الجانب الأمريكي تفهماً للمطالب، ولكن رفض الحديث عن أكثر من ذلك بما يتعلق بإنشاء إدارة مدنية وعسكرية في دير الزور مستقلة عن قسد.[13]

أما فيما يخص الموقف التركي، فقد أظهرت أنقرة دعماً سياسياً واضحاً للعشائر العربية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مؤكدة أن تسليح قسد يعطل وحدة أراضي سورية والعراق، فيما حذر هاكان فيدان وزير الخارجية التركي من استمرار اعتبار PKK وPYD كقوة شرعية، مشيراً إلى أن الانتفاضة الحالية قد تكون مجرد بداية. في حين احتفى الإعلام التركي بمشاهد سيطرة العشائر على قرى في دير الزور وهروب قوات قسد.[14]

في حين أطلق نظام الأسد حملة تصعيد إعلامي مدعياً أنها انتفاضة عشائرية ضد القوات الأمريكية، ودفع عدد من شيوخ العشائر الموالين له في دير الزور لإعلان دعمهم للحراك وحشدهم المقاتلين لمساندة العشائر في الضفة الشرقية لنهر الفرات، وسهل دخول إبراهيم الهفل شيخ العكيدات عقب سقوط بلدة ذيبان بيد قسد ووعد بتقديم الدعم اللازم لتنظيم حراك مقاوم للقوات الأمريكية،[15] من جهتها الميليشيات الإيرانية، استفادت من الحراك العشائري وأعلنت عبر وجهاء موالين لها عن دعم الحراك وتقديم ما يلزم من سلاح، ولكن بعد نهاية المعارك عملت قيادة الميليشيات الإيرانية على تأسيس ميليشيات جديدة تحت اسم “أسود العكيدات” بقيادة هاشم مسعود السطام و”قوات العشائر” بقيادة إبراهيم الهفل، ثم ما لبثت أن أعلنت “حركة أبناء الجريرة والفرات” وهي تنظيم عشائري مدعوم من قيادة الميليشيات الإيرانية في دير الزور عن إطلاق عمليات تستهدف القوات الأمريكية ومقاتلي قسد،[16] وبعد معركة “طوفان الأقصى” نسقت الميليشيات الإيرانية مع الحركة لاستهداف قواعد التحالف الدولي وبالفعل سجلت عشرات الاستهدافات للقواعد العسكرية، وبذلك تكون إيران قد تمكنت من استغلال الحراك العشائري لتجنيد مزيد من أبناء العشائر في الشرق السوري لصالح مشروعها مستغلة السخط والرفض للموقف الأمريكي الداعم لقسد في وجه الحراك العشائري.

بالمقابل أعلن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة دعمه للحراك في دير الزور، حيث ناشد رئيسه آنذاك، سالم المسلط، عشائر شمال شرق سورية لدعم عشائر دير الزور. كما أصدرت عدة قوى معارضة بيانات داعمة للحراك، وعقد مجلس القبائل والعشائر السورية مؤتمراً طارئاً، وأصدر بيانًا يدعم الانتفاضة الشعبية في دير الزور ضد ما وصفه بعصابات PKK اوميليشيا قسد.[17] فيما حاولت بعض فصائل الجيش الوطني مهاجمة نقاط قسد في ريف منبج وريف الحسكة الشمالي، لكن هذه الهجمات كانت محدودة ولم تحظ بإسناد من الجيش التركي.

تدلل خارطة المواقف الدولية المتباينة أعلاه على استثمار كل الأطراف لما يحدث في المنطقة وتوظيفه لما يخدم سرديتهم العامة، ما يكسب هذا الصراع عنصر الاستدامة وخضوعه لمنطق إدارة الأزمة.

سيناريوهاتٌ دالة على التعقيد واستمرار التوتر

تنذر سياسات قسد وما يقابها من رفض مجتمعي وعشائري وما يرافقها من تحركات الفاعلين الإقليمين والدوليين إلى أن المشهد عموماً يسير باتجاه السيناريوهات التالية:

المرونة والاستجابة المحدودة: من خلال تحقيق استقرار نسبي عبر إصلاحات محدودة، فمن الممكن أن تسهم بعض الإصلاحات التدريجية والمحدودة التي تقوم بها قسد في تهدئة التوترات في المنطقة، إن تحسين الخدمات الأساسية وتلبية بعض مطالب السكان قد يساعد في استقطاب دعم من بعض الوجهاء والناشطين المحليين، مما قد يساهم في تحقيق نوع من الاستقرار الجزئي. ومع ذلك، يبقى هذا الاستقرار هشاً إذا لم يتم التعامل بجدية مع القضايا الأعمق مثل السيطرة العسكرية والحوكمة. يمكن أن يتحقق هذا السيناريو ويتطور شريطة أن يترافق مع ضغط من التحالف الدولي ومتابعة دقيقة للإجراءات المتخذة.

تعقيد الوضع وزيادة مستويات التدخّل الإقليمي والدولي: مع استمرار التوترات بين إيران والولايات المتحدة وما يرافقه من نشاط نوعي للميليشيات الإيرانية، يظل خطر تعقيد الوضع في دير الزور مرتفعاً. إذ من المتوقع أن تتصاعد عمليات الدعم الإيراني للعشائر ضد قسد وقوات التحالف مع تدخل الميليشيات العراقية المنتشرة غرب الفرات، مما قد يحول المنطقة إلى ساحة صراع إقليمي أكبر. وتشير الهجمات الأخيرة التي نفذتها الميليشيات المدعومة من إيران على قواعد التحالف الدولي، إلى أن هذا السيناريو قد يكون واقعاً محتملاً في المستقبل القريب، خاصة في ظل تنامي مؤشرات عدم الاستجابة الفعلية من قبل قسد.

إدارة الأزمة: مع استمرار التوتر وتفاقم النزاعات، هذا السيناريو يبدو الأكثر ترجيحاً سميا مع استمرار قسد في تقديم إصلاحات شكلية دون معالجة القضايا الأساسية، مثل نفوذ قيادات حزب العمال الكردستاني على القرار الأمني والحوكمي، سيؤدي إلى تفاقم النزاعات والهشاشة الأمنية، ومن المحتمل أن تشهد المنطقة مزيداً من موجات النزوح، وزيادة في الهجمات من قبل تنظيم داعش والعشائر المحلية المدعومة من قوى إقليمية، مما سيؤدي إلى تصاعد التوترات وزيادة عدم الاستقرار في المنطقة، الأمر الذي سيرسم تدخلات تدير الأزمة وتتعامل مع نتائجها على حساب أسبابها.

فيما يتعلق بسياسات قسد فلا يتوقع إجراء تغييرات حقيقية حيث تعمل قسد منذ وقف العمليات العسكرية في سورية عام 2020، على عدة مستويات في مناطق سيطرتها، يرتبط الأول بضرورات الضبط الأمني والسيطرة والاستحواذ، بما فيها استخدام كل الأوراق لتعزيز ذلك مثل ورقة تنظيم داعش وعلاقتها مع واشنطن، وهامش المناورة مع روسيا والنظام، لتتحول لسلطة أمر واقع مركزية، ويتصل المستوى الثاني بالعمل على سلسلة إجراءات تؤدي إلى تحكمها ببيئة العمل السياسي والمدني في منطقة سيطرتها عبر إصدار العقد الاجتماعي وقانون الانتخابات وغيرها، ويتعلّق المستوى الثالث بمحاولة كسب الشرعية المحلية عبر محاولة تنظيم انتخابات محلية، وذلك بهدف فرض نفسها كسلطة أمر واقع يصعب تجاوزها في المستقبل، ولكن احتجاجات دير الزور مهما كان بعدها وأسبابها جعلت قسد أمام تحدي كبير واختبار جدي لطرحها السياسي، ولذلك لا يمكن لقسد أن تتعامل مع هذه الاحتجاجات إلا عبر سياسة التسويف والاختراق والمحاصرة والعمل على التحكّم به في وقت لاحق.

ختاماً، بعد مرور عام على الانتفاضة في دير الزور وتمسّك قسد بسياسات التحكّم والاستحواذ ومنهجية التسويف والمماطلة، تتراوح الاتجاهات المستقبلية للمشهد العام في المحافظة بين تحقيق استقرار نسبي أو الدخول في مرحلة جديدة من التوترات والصراعات، ورغم محاولات قسد إظهار نية للإصلاح عبر سلسلة من الاجتماعات والإجراءات، إلا أن التنفيذ على الأرض كان محدوداً ومتأخراً، مما زاد من حالة الاستياء بين السكان، وستساهم المؤشرات الراهنة في الدفع باتجاه عدم الاستقرار وزيادة ديناميات العنف مما يهدد المنطقة بالتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المختلفة، وهو ما سيعمق الأزمة الإنسانية والتنموية والحوكمية ويزيد من معاناة السكان المحليين.

نشرت في مركز عمران للدراسات


[1]– شفان إبراهيم: “دير الزور صراع أبعد من اعتقال أبو خولة”، المجلة، 4/9/2023، الرابط: https://bit.ly/4dAYFsU

[2]– ما الذي يحدث في دير الزور.. وكيف أسهم الأمريكيون في بناء “أبارتهايد” كردي بشمال شرقي سوريا؟”، عربي بوست، 5/9/2023، الرابط: https://bit.ly/3WNXVcV

[3]– فلاديمير فان ويلجنبرغ، “أزمة التمرد الذي تواجه قسد في دير الزور”، معهد واشنطن، 5/12/2023، الرابط: https://bit.ly/3yHUCvS

[4]– ساشا العلو ومحمد أديب عبد الغني: “تنظيم الدولة في سورية بعد التمكين”، مركز عمران للدراسات، 18/3/2024، الرابط: https://bit.ly/4domcNY

[5]– سامر الأحمد، “التحركات الإيرانية ضد قوات التحالف في سورية تصعيد يهدد بإشعال الشرق السوري”، معهد الشرق الأوسط،14/11/2023، الرابط: https://bit.ly/4dp1Y6F

[6]– تقارير فريق الرصد والبحث الميداني في منطقة شمال شرق سورية، مركز عمران للدراسات، في الفترة ما بين أيلول/سبتمبر2023 وتموز/يوليو 2024.

[7]– “الأمم المتحدة تعلن توقف الأعمال الإنسانية في دير الزور”، الشرق الأوسط، 27/4/2024، الرابط: https://bit.ly/3WRfDfw

[8]– تقارير فريق الرصد والبحث الميداني في منطقة شمال شرق سورية، مركز عمران للدراسات، في الفترة ما بين أيلول/سبتمبر2023 وتموز/يوليو 2024.

[9]– مقابلة أجراها الباحث مع أحد ناشطي دير الزور شارك في الاجتماعات التي جرت مع الإدارة الذاتية خلال شهري تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وآيار/مايو 2024.

[10]– ضياء عودة: “زعزعة وأجندات.. إيران “تنفخ على جمر العشائر” في دير الزور السورية”، 8/8/82024، الرابط: https://bit.ly/4dGPO8O

[11]– محمد كركص: “قسد تفرج عن معتقلين بعد ساعات من إصدارها قانون العفو العام “، العربي الجديد، 18/7/2024، الرابط: https://bit.ly/3yDvgzk

[12]– سامر الأحمد: “الأداء السياسي للإدارة الذاتية بعد عام 2019″، مركز عمران للدراسات، 1/3/2024، الرابط: https://bit.ly/46O51CQ

[13]– بيان التحالف الدولي غرفة عمليات العزم الصلب بخصوص احداث دير الزور، ,2/9/2023، الرابط: https://bit.ly/3X4ZfK0

[14]– وكالة الأناضول، “أردوغان تعليقا على اشتباكات دير الزور”، 5/9/2023، الرابط: https://bit.ly/46I8HpK

[15]– وكالة سبوتنيك: المقداد: أهالي المنطقة الشرقية يكتبون نهاية الاحتلال الأمريكي الداعم “لقسد” وتركيا، 6/9/2023، الرابط: https://bit.ly/4dpGHcT

[16]– عبد الله الحايك: لمحة عن حركة أبناء الجزيرة والفرات، معهد واشنطن، 31/11/2023، الرابط: https://bit.ly/3yDGJyU

[17]– مجلس القبائل يعقد مؤتمرا طارئا ويصدر بياناً لدعم انتفاضة العشائر في دير الزور، 31/8/2023، الرابط: https://stccouncil.com/archives/4234

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني