fbpx

طوفان الأقصى وحماس.. الدور الإيراني المخفي ولعبة تثبيت المصالح

0 310

‎يحقّ للفلسطينيين على اختلاف مشاربهم السياسية تقييم نتائج عملية “طوفان الأقصى” سواء ما يتعلق منها بالجانب العسكري القتالي، أو الجانب المدني الغزاوي، الذي سيكون هو بالذات أكبر الخاسرين في هذه العملية.

‎لا يفيد أي تخطيط لعمليات عسكرية دون فهم ميزان القوى القائم بين الطرف المهاجم (حماس) والطرف المستهدف (الكيان الإسرائيلي)، ففي عمليات طوفان الأقصى، لم يكن بمقدور حركة المقاومة الإسلامية هزم الإسرائيليين بناءً على ميزان قوى عسكري لا مجال للمفاضلة بين طرفيه، فإسرائيل دولة بنيت عسكرياً على قاعدة تفوقها على جيوش متعددة في آن واحد، وهذا ظهر في الحروب العربية مع هذا الكيان مرات عديدة.

‎وباعتبار أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” تُدرك هذه الحقيقة، سيكون عليها تنبؤ نتائج عمليتها الأخيرة “طوفان الأقصى”، هذا يعني أن المعركة ليست ذات جانب عسكري محض بالنسبة لها، وإنما لهذه العملية أبعاد سياسية لا تخصّها بمفردها، بل تخصّ مموليها الإيرانيين أيضاً، وهذا اتضح من حديث رئيس الحركة إسماعيل هنية الذي أنكر على العرب وقوفهم مع حركته في وقتٍ كال المديح للقيادة الإيرانية.

‎نعود للجانب العسكري، هناك إعلام عربي امتدح مباغتة حماس للمستعمرات الإسرائيلية، ووصف العمليات بأنها بداية تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.

‎هذا الإعلام وللأسف لم يكن موضوعياً في تقييم واقع عملية “طوفان الأقصى”، فهو لم يقرأ صراحة يد إيران المخفية، وذراعها في الضاحية الجنوبية حسن نصرالله، في هذه العملية، كما أنه لم يقرأ بصورة موضوعية علاقة الإسلام السياسي الفلسطيني بالإسلام السياسي الشيعي الإيراني.

‎إن ربط تحرير الأراضي الفلسطينية بدور إيراني فيها، هو شكلٌ من أشكال التضليل السياسي والفكري للعرب، إذ أن صعود الخمينية الشيعية للسلطة عام 1979، لم يكن تغييراً داخلياً في الحكم السياسي الإيراني فحسب، بل أنّ الخمينية أبرزت منذ بداية اختطافها للسلطة من يد قوى الثورة الإيرانية فكرتها الأساسية حيال دول الجوار الإقليمي، تحت شعار “تصدير الثورة”.

‎هذه الفكرة صارت واقعاً سياسياً ملموساً، إذ إن إيران تهيمن على قرار أربع عواصم عربية هي صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت، وكذلك تلعب دوراً خبيثاً في السيطرة على مركز القرار الإسلامي الفلسطيني في غزة، سواء بعلاقتها مع حماس أو الجهاد الإسلامي.

ومن المفروض أن يتوقف كل من نظام الملالي وتوءمه الحليف نظام عصابة أسد ومعهما عصابة ما يسمى حزب الله عن “العواء” والتبجح والتبجيل بما يسمى مقاومة بعد ما سربته المخابرات البريطانية عن أن إسرائيل كانت مصدر التسليح الرئيس للنظام الإيراني خلال الحرب العراقية الإيرانية وأن إسرائيل رفضت النداءات البريطانية بإيقاف تسليحه.

‎وفق هذه الرؤية، يمكن فهم لماذا هاجمت حماس مستعمرات غلاف غزة، وهل كان بإمكانها.

‎كذلك، يجب تقدير حجم الخسائر بين المدنيين الفلسطينيين، وما سيتبعه من خسائر تلحق بحركتي حماس والجهاد الإسلامي مقابل ما تمّ إنجازه على الأرض، وليس مقبولاً البتة تكرار إجابة الديكتاتور حافظ الأسد عام 1973، بعد وقف عمليات حرب السادس من تشرين أول/أكتوبر، حيث قال في إجابته عن سؤال حول تحرير الأراضي السورية المحتلة: نحن حررنا ذاتنا وحررنا أنفسنا.

‎إن الثمن الذي يدفعه الآن سكان غزة من دمار لبيوتهم ومؤسساتهم، ويدفعه مقاتلو حماس من حياتهم مقابل عمليات خاسرة بالمعنى العسكري، هو ثمن تذهب نتائجه الحقيقية لمصلحة الإيرانيين، وقد يتساءل الناس ما علاقة إيران بالأمر.

‎الإيرانيون ساهموا بتمويل ودعم حماس عسكريا ومالياً، بحجة مناصرة القضية الفلسطينية، وأنشؤوا فيلقاً عسكرياً باسم فيلق القدس، وهذا مدخل للتدخل في شؤون العرب والفلسطينيين، وليس هدفه كما يشير أسم الفيلق، وبالتالي فهم يبتغون السيطرة على القرار الفلسطيني، ليساوموا به على تدخلهم بشؤون البلدان العربية.

‎الإيرانيون صارعوا إسرائيل في طوفان الأقصى بأيدي حركتي حماس والجهاد الإسلامية، لا بل ضللوا الرأي العام بهذه التسمية، في وقت كانت معارك طوفان الأقصى تهدف إلى الضغط على إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، لتغيير موقفهما من الدور الإيراني في الشرق الأوسط، ومن برنامجها النووي وبرنامجها البالستي.

‎إن تقاطع مصالح حركتي حماس والجهاد الإسلامية مع مصالح إيران في عمليات “طوفان الأقصى” واضحة للعيان، فالأولان الفلسطينيان يرومان الحصول على تنازلات إسرائيلية بخصوص رفع الحصار عن غزة، ويرومان مبادلة أسرى تحرّر زعيم انتفاضات فلسطين مروان البرغوثي، فلا أحد قادر على إزاحة حكم سلطة محمود عباس مثلما يقدر على ذلك البرغوثي الأسير.

‎وإن مصالح إيران في هذه العمليات التي ساهمت في التحضير لها سرّياً هي ممارسة الضغط العسكري على إسرائيل والولايات المتحدة بخصوص ملفاتها التي يتم الصراع حولها ومنها الملف النووي ورفع العقوبات المفروضة عليها وغمض الأعين الأمريكية والإسرائيلية عن تمددها وسيطرتها على المنطقة العربية.

‎فإيران ببساطة تريد الهيمنة على القرار العربي السياسي والاقتصادي في الدول العربية في الشطر الآسيوي، بما يخدم استراتيجيتها بقيام إيران العظمى.

‎لهذا لا يمكن لحماس إنجاز تحرير للأراضي الفلسطينية تقف خلفه إيران، والتي حوّلت حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى أذرع تقاتل من أجل نفوذها، وهذا اتضح بتغيير موقف حماس من جرائم نظام الإبادة الأسدي، فبعد رفضها لذبح الشعب السوري على يد طغاة نظام دمشق، عملت على إعادة العلاقات مع هذا النظام تحت ضغط ومساومة إيرانيين.

‎إن نتائج معارك طوفان الأقصى ستؤدي إلى إضعاف دور حماس وحركة الجهاد الإسلامي في غزة وربما ايضاً احتلال غزه وتشريد سكانها، فإسرائيل المحكومة من اليمين المتطرف سيكون هذا اليمين في مهبّ الريح إن لم يسحق كما قال قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة.

رغم عدالة القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في العيش الكريم في دولتهم المستقلة، إلا أن حماس بقبولها أن تكون أداة تحت أمر وتصرف نظام الخميني الإيراني الطائفي الإرهابي تنسف وتضرب الأسس العادلة والمشروعة للقضية الفلسطينية والفلسطينيين لأنها بكل صراحة تنفذ وتخدم الأجندة الإيرانية وأهداف هذا النظام في السيطرة الإقليمية على المنطقة العربية، وبذلك تكون حماس أفضل عميل يسهل عليه وحلفائه هذه المهمة ومهمه الوصول جيو سياسياً لقلب العالم العربي والإسلامي مكة المكرمة. فهذا كان حلماً أساسياً لعراب الثورة الإيرانية الخميني، وأتباعه يعملون على تحقيق نظريته الباطنة غير المعلنة التي تقول إن طريق القدس يمر عبر مكة. وبقي أن نذكر أن الهدف المباشر لعمليه طوفان الأقصى وتوقيتها هو لتخريب مسار المفاوضات التي تجري بين السعودية وإسرائيل تحت الرعاية الأمريكية الذي يهدد الدور الإيراني بالمنطقة ويقصيه ويقصي سببية وجود ودور ذراعه في الجنوب اللبناني حسن نصر لله. وكأن نظام الخميني وملالي إيران يريدون القول إنه لا يجب أن يتحقق أي سلام أو وقف للصراع إلا بأمرهم وحسب تصوراتهم وخططهم الإقليمية وطموحاتهم الجيوسياسية وبسيطرتها الإقليمية وعلى المنطقة العربية والعرب، ما يحتم على العرب والفلسطينيين أن يتنبهوا ويستيقظوا للأطماع الإيرانية في المنطقة العربية المهددة لوجودهم واستقلاليتهم وأمنهم والتي من دون شك تجعل من النظام الإيراني العدو الأول العرب والفلسطينيين.

فهل يمكن أن نقول إن معارك “طوفان الأقصى” هي معارك أضرت بالشعب الفلسطيني ولم تفد غير إيران وبرنامج هيمنتها وسيطرتها على الشرق العربي؟ من يقرّر ذلك هو نتائج هذا الدمار.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني