ضغوط إيرانية لانتزاع تنازلات سيادية في سوريا
تريثت طهران في إرسال سفن نفط، وفاجأت دمشق بمسودات اتفاقات قبل زيارة رئيسي، فعندما زار زعيم العصابة طهران في أيار الماضي، كان بين الطلبات العاجلة إرسال نفط، زيارته كانت الثانية منذ 2011، بعد الأولى في 2019، للتعبير عن شكره طهران لوقوفها عسكرياً واقتصادياً ومالياً إلى جانب العصابة. التقى خلالها «المرشد» والرئيس إبراهيم رئيسي، ونقلت وسائل إعلام رسمية عن زعيم العصابة قوله إن «العلاقات الاستراتيجية بين إيران وسوريا منعت إسرائيل من بسط سيطرتها على المنطقة»، وعن خامنئي إن «سوريا انتصرت في الحرب العالمية، ومصداقية سوريا أعظم بكثير مما كانت عليه في الماضي».
تلك الزيارة تناولت مسائل كبيرة؛ بينها الوجود الأميركي في سوريا، والتنسيق بين أنقرة وطهران وموسكو، والغارات الإسرائيلية المتكررة ضد مواقع إيرانية في سوريا، إضافة إلى الاتفاقات بين إسرائيل ودول عربية، إذ نقلت مصادر إيرانية عن خامنئي قوله إن «بعض قادة الدول المجاورة لإيران وسوريا يجلسون مع قادة إسرائيل، لكن شعوب هذه الدول يملأون الشوارع بالحشود والشعارات المناهضة لإسرائيل»، مما عُدّ انتقاداً ضمنياً لموقف دمشق التي لم تصدر بيانات نقدية لاتفاقات السلام بين تل أبيب وعواصم عربية، وحدوث لقاءات سياسية بين مسؤولين سوريين ونظرائهم من هذه الدول.
بعيداً من هذه العناوين الكبرى، كان هناك طلب عاجل من زعيم العصابة، يتعلق بإرسال نفط لإنقاذ الوضع الاقتصادي في سوريا. وكان الوعد «خيراً»، لكن السفن لم تصل إلى سواحل سوريا. تكرر طلب دمشق لدى زيارة وزير الخارجية المقداد في تموز الماضي، بل إن السفير في طهران حاول متابعة الموضوع كثيراً، لكن الجواب لم يأت من طهران.
الأزمة الاقتصادية في دمشق تتفاقم، والمماطلة الإيرانية تتواصل، وسط حيرة العصابة حول أسبابها عكس ما جرت العادة خلال العقد الماضي، إلى أن حدث الرهان على زيارة رئيسي إلى دمشق التي حدد موعدها الأولي يوم أمس (الثلاثاء).
خلال الإعداد للزيارة، فوجئت العصابة بسلسلة من الطلبات ومسودات الاتفاقات، بعضها يعود إلى اتفاقات سابقة وقعت خلال زيارة رئيس الوزراء عماد خميس في بداية 2017، وبعضها الآخر جديد.
مسودة الاتفاق الجديدة تتعلق بأن يعامل الإيرانيون في المستشفيات والمؤسسات العلمية، والملكية… وغير ذلك، كما يعامل السوريون. وفي حال ارتكب إيرانيون جريمة؛ فإنهم يحاكمون أمام القضاء الإيراني وليس القضاء السوري. وهذه المسودة مشابهة للاتفاقية القائمة بين دمشق وموسكو نهاية 2015 التي أعطيت امتيازات عسكرية وملكية ودبلوماسية واسعة.
كما ضغطت طهران لانتزاع «ضمانات سيادية» على الأموال التي صرفتها، فوجئت العصابة على مايبدو بعمق المطالب الإيرانية. وطهران فوجئت بالتريث السوري. ولا تزال الاتصالات قائمة بين الطرفين بحثاً عن مخرج لهذه «الأزمة الصامتة» ولترتيب زيارة رئيسي إلى دمشق. لكنها ليست المرة الأولى التي تمر فيها العلاقات بأزمة من هذا القبيل. فقد طهران الموافقة على تعيين سفير سوري جديد وجمدت إرسال مشتقات نفطية في 2017 بسبب انزعاجها من بطء دمشق في تنفيذ اتفاقات استراتيجية مع طهران وتسريعها مع موسكو.
وكان رئيس الوزراء عماد خميس زار طهران في بداية 2017 ووقع اتفاقات استراتيجية تتعلق بعمل شركة إيرانية يدعمها «الحرس الثوري» الإيراني مشغلاً ثالثاً للهاتف الجوال، واستثمار الفوسفات السوري لمدة 99 سنة، والاستحواذ على أراض لأغراض زراعية وصناعية ودينية، وإقامة «ميناء نفطي» على البحر المتوسط، إضافة إلى توقيع خط ائتمان جديد من إيران بقيمة مليار دولار أميركي يُستخدم نصفه لتمويل تصدير نفط خام ومشتقات نفطية.
ومنذ 2013، قدمت طهران دعماً مباشراً وغير مباشر لدمشق لكن لم تستعد دمشق السيطرة على آبار النفط ولم يتم منح إيران حقوق تشغيل شبكة هاتف جوال ثالثة، ولم تحصل إيران على ميناء طرطوس أو اللاذقية، كما سيطرت شركات روسية على استثمارات الفوسفات
ووفق دبلوماسي غربي يزور دمشق، فإن «الأزمة الاقتصادية هي الأسوأ على الإطلاق منذ عقد، وإيران تريد الإفادة من ذلك بجولة جديدة من الضغوطات بل والحصول على تنازلات سيادية كبيرة لضمان سداد التكاليف التي دفعتها خلال الحرب والتي تصل إلى نحو 20 مليار دولار أميركي خلال العقد الماضي، وتثبيت نفوذها لأمد طويل أمام تصاعد الضغط العسكري الإسرائيلي في سوريا.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط