fbpx

شيرين أبو عاقلة شهيدة الصوت المقهور ومعضلة الخطاب المخزي

0 408

لم تتوقّف الانتهاكات الإسرائيلية بحق الصّحفيين الفلسطينيين، بل اعتُمدت كسياسةٍ ممنهجةٍ مستمرةٍ لا تقتصر على الاعتقال والعرقلة والتّضييق فحسب بل تصل لحد القتل.

إذ وثّق المركز الفلسطيني للحرّيات والتّنمية “مدى” خلال عام 2021 ما يزيد عن 368 انتهاكاً، وقال وليد العمري مدير مكتب الجزيرة في فلسطين: إن الاحتلال قتل خمسة وخمسين صحفياً فلسطينياً منذ عام 2000 أثناء انتفاضة الأقصى الثانية.

وتستمر الانتهاكات وتستمر معها ماكينة القتل الإسرائيلية لتكون آخر ضحاياها حتى الآن صحفيّة مختلفة، صحفيّة كان مجرّد ظهورها يحول أي حدث إلى حدث مهم.. صحفية بنكهة مقدسية اختارت مهنة الصّحافة لتكون قريبة من الإنسان.

“ليس سهلاً ربّما أن أغيّر الواقع لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصّوت إلى العالم” هذا ما قالته شهيدة الكلمة شيرين أبو عاقلة التي غطّت أحداث فلسطين على مدى ربع قرن ليغطي العالم اليوم خبر استشهادها.

واكبت شيرين أهم الأحداث واختارت المهام الأكثر صعوبة التي تليق بحجم القضية.

فكانت في الانتفاضة الثّانية ونقلت صور اقتحام شارون للمسجد الأقصى إلى العالم كافّة.

كانت صوتاً لأسرى سجن عسقلان عندما التقتهم ونقلت معاناتهم ورسائلهم في مهمة اعتبرتها الأشدّ تأثيراً حسب وصفها.

يوم الأربعاء، 11 مايو، وقبيل الذكرى الرّابعة والسّبعين للنكبة، اغتيلت شيرين أبو عاقلة، أثناء تغطيتها لاقتحام مخيّم جنين من قبل الاحتلال الصّهيوني برصاصةٍ إسرائيليّةٍ موجّهةٍ بدقّةٍ وعنايةٍ لتستقرّ أسفل الأذن، حيث لا واقي رصاص، نعم اغتيلت شيرين أبو عاقلة ولم تُقتل.

شغل خبر استشهادها الشّارع العربي والعالمي وأدانت العديد من الدّول والمنظّمات اغتيالها وطالبت بفتح تحقيقٍ شاملٍ وسريع.

بالإضافة لاحتجاجات عربية شهدتها عدّة مدن تنديداً بممارسات الكيان الصّهيوني مع اتّهامات (لإسرائيل بتعمّد قتلها) من قبل قناة الجّزيرة والسّلطة الفلسطينية.

نعى كل أحرار العالم العربي شيرين أبو عاقلة مع الدّعاء لها بالرّحمة والمغفرة.

وسط أجواء الحزن تلك ظهرت أصواتٌ نشاز مرددةً خطاباً مخزياً ومخلّ بقيم الانسانية ومبادئ الإسلام دين الرّحمة والتّسامح. خطاب يدقّ إسفيناً جديد في وحدتنا الوطنية ليزيد شروخنا شرخاً.

إذ نادت تلك الأصوات بعدم جواز الترحم على الشّهيدة شيرين أبو عاقلة، مع جدل حول اعتبارها شهيدة.

ربع قرن وشيرين أبو عاقلة تدخل كل بيت عربي مواكبةً لكلّ الأحداث التي مرّت بها فلسطين فكانت الذّاكرة الحيّة لجيل كامل قبل أن تتحول لأيقونة.

ربع قرن لم يسأل أحد عن ديانة تلك الصّحفيّة الشّجاعة التي أخذت على عاتقها إيصال صوت الشعب الفلسطيني المقهور إلى العالم.

وبرصاصة غدرٍ من عدوٍّ غادر، تنتهي سنوات طويلة من العمل الشّاق المحفوف بالمخاطر والتّهديد والاستفزاز ليصحو جمهور المعترضين متسائلاً أو بالأحرى منكراً جواز الترحم عليها بعد معرفة ديانتها. وتحوّلوا إلى حرّاس للدين ومحقّين لكلمة الله على الأرض فمنعوا عنها رحمته.

مجسدين بذلك موقفاً لا أخلاقياً مجرّداً من الإنسانية، مبتعدين بالدين عن رسالته السّامية، رسالة الرحمة والتّسامح، ليزداد بذلك التنافر والتباغض بين أبناء الوطن الواحد وتزداد حالة التّشظي التي وصل إليها.

مع العلم أنّهم نفسهم من سيترحمون على قادة الديكتاتوريات العربية ومشايخ السّلطة (المتأسلمين) الذين بايعوا أنظمتهم على قتل شعوبهم بدعوى خروجهم على ولي الأمر مستخدمين الدّين بطريقة زائفة مشوّهة تخدم قاداتهم ومصالحهم.

لكن بالمقابل كانت دماء شيرين أبو عاقلة ورغم ألم فقدانها، صحوةً فلسطينيةً على مستوى عالٍ وواسع، من حيث تجمّع الفلسطينيين بطوائفهم كافة، وفصائلهم السّياسية التي التفت حول النّعش رغم الخلاف والاختلاف.

هو النّعش الذي استفذّ قوى الاحتلال وفضح جبنها وغطرستها، فاعتدى عليه، فكان الفلسطينيون حماته بمسلميهم ومسيحيهم.

وتسير جنازة شيرين، الأطول في تاريخ القضية الفلسطينية، والتي تجاوزت جنازة الزّعيم الرّاحل ياسر عرفات.

انطلقت الجنازة بمسير بدأ من جنين إلى القدس بمسافة تقارب الـ 140 كم وسط التفافٍ وطنيٍّ وشعبيٍّ وفصائلي، ليصل الجثمان إلى كنيسة الرّوم الكاثوليك. وشُّيع يوم الجمعة مع إقامة صلاة الغائب على روح الشّهيدة من قبل شبان مقدسيين من أمام المشفى الفرنسي، كونها ابنة فلسطين وابنة كل أسرة فلسطينية.

كانت معنا شيرين أبو عاقلة… وعلى مدى ربع قرن.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني