fbpx

شرق أوسط جديد.. ومربع مواجهة المتغيرات

0 510

لا يمكن النظر إلى الحركة الديبلوماسية المكوكية التركية، باتجاه دول في الشرق الأوسط، على أنها نشاط ديبلوماسي اعتيادي، فعودة تركياّ إلى سياسة صفر مشاكل، أو ما يقاربها، هي عودة ترتبط بتغيرات مرتقبة، تتعلق بجوهر السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، في عهد جو بايدن الديمقراطي.
قبل الحديث عن أهمية الحراك الديبلوماسي التركي، ينبغي معرفة موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من مصر والسعودية بالدرجة الأولى، فالموقف الأمريكي الجديد، يمكن وصفه بأقل تقدير، على أنه موقف غير ودي، حيال نظامي مصر والسعودية، وهذا ظهر مع حملة بايدن الانتخابية.
الحراك الديبلوماسي التركي أخذ اتجاهات عدة، الاتجاه الليبي، حيث زار وفد تركي هذا البلد، والتقى برئيس مجلس الرئاسة ورئيس الحكومة، في وقتٍ، لم تخف وزيرة الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة نجلاء المنقوش رغبتها بخروج القوات الأجنبية من الأراضي الليبية، هذا الموقف يأتي قبل تنفيذ الاتفاق الدولي، الذي يقضي بإجراء انتخابات عامة في البلاد بإشرافٍ دولي قبل نهاية العام 2021 الجاري.
موقف وزيرة الخارجية الليبية لا يصبّ في منحى الاتفاق الدولي، بل يربك تنفيذ الاتفاق وبنوده، وهو بذلك يخدم أجندات لن تكون لمصلحة الحل السياسي الدولي في ليبيا.
الانفتاح التركي المفاجئ على مصر، لم يخلو هو الآخر من حسابات تصفير المشاكل بين تركيا ودول المنطقة بالدرجة الأولى، ولهذا، اعتمد على أمرين رئيسين هما، الأول احترام مصر لحدود الجرف التركي المتوسطي، والثاني السخط المصري من السياسة الأمريكية الجديدة في عهد بايدن نحو النظام المصري، وهذا يفتح الباب نحو تغيير أوليّات سياسية، كانت صحيحة في عهد ترامب، وباتت تحتاج إلى تغيير في عهد بايدن.
إذاً يمكن القول، إن التنسيق والاتفاق والتحالف التركي/المصري، صار ضرورة لكليهما، وهو يرتب على الجانبين سياسات لجم الخلافات السابقة، وتعميق مربعات التفاهم لمواجهة التغيرات، وهذا يخدم مصلحة الطرفين، ومثل هكذا اتفاق، يحتاج إلى تجنب إحراج الحليف الجديد لكلا الجانبين، فالخطر الأمريكي على النظامين التركي والمصري، هو أهم من الخلافات التي مرّت مياهها تحت جسر علاقتهما، منذ انقلاب السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013.
من خلال الأمر ذاته، بتفصيلات أخرى مختلفة، يمكن مناقشة سيرورة العلاقات التركية السعودية، فهذه العلاقات، تدهورت منذ أزمة الخلافات بين قطر من جهة، وكل من السعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، بسبب موقف تركيا المؤيد لقطر والمدافع عنها، أضيف إليه ما يتعلق بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في استنبول، وما سبب ذلك من أزمة كبيرة في العلاقات التركية/السعودية.
هذه العلاقات تحتاج إلى مدّ جسور جديدة، تتجاوز خلافات الأمس، سيما وأن حلاً سياسياً تم التوقيع عليه بين قطر والسعودية والإمارات، وهو انعكس ايجابياً على تخفيف حدة التوترات السياسية بين تركيا ومجموعة دول أزمة الخليج.
السعوديون يعرفون تماماً، أن أي تقارب أمريكي/إيراني، قد يفتح الباب مجدداً، لصراعات إيرانية ضد دول المنطقة، بمعنىً آخر، إن العودة إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة خمسة+واحد، قد يسهّل السماح لإيران، بإطلاق يدها في محيطها الإقليمي العربي، وهذا مؤداه تهديد أنظمة هذا المحيط، وفي مقدمتها دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
السعوديون سمعوا تهديدات الإدارة الأمريكية الجديدة، بما يخصّ مقتل جمال خاشقجي، وهم بحاجة لمواجهة هذه التهديدات، التي ظهر قسم منها، على صورة إملاءات أمريكية في صراع اليمن.
السعوديون بحاجة إلى حليف جديد، وهذا الحليف له مصلحة بالتحالف معهم، وهو تركيا، فهذا الثلاثي (التركي، السعودي، المصري)، إذا تيسر له إقامة تحالف في المنطقة، انطلاقاً من مربع التهديدات الأمريكية، التي تتوجه نحوهم، ومن الطبيعي أن تجمعهم في مواجهتها، فإن تحالفهم يحميهم من الاستفراد، ويمنع اللاعبين الإيراني والأمريكي من التأثير على استقرارهم السياسي والاقتصادي.
ولكن من الضروري أن يرى الأتراك، أن هناك مركزين للقرار العربي في هذه المرحلة، هما (مصر والسعودية)، مصر بثقلها السكاني ودورها التاريخي المعاصر بقيادة العرب، والسعودية بثقلها في منطقة الخليج وقوتها الاقتصادية الكبيرة، حيث أنها من ضمن مجموعة العشرين الاقتصادية العالمية.
الأتراك بحاجة إلى العمق الاستراتيجي العربي، هذا العمق يرتبط لديهم بتنفيذ برنامج تنميتهم الشاملة، التي حمل لواءها حزب العدالة والتنمية الحاكم، فالعمق الاستراتيجي العربي، يضمن مسألتين هامتين لتركيا، المسألة الأولى هي إقامة أوسع علاقات اقتصادية تنموية في المنطقة، ركائزها موجودة، ونقصد بذلك توفر القوة البشرية، والاقتصاد الكبير.
المصريون بحاجة لتطوير علاقاتهم مع دولة قوية كتركيا، منتجة للأسلحة والذخائر الحربية، دولة قوية باقتصادها وجيشها ونفوذها، كذلك السعوديون، فهم بحاجة لحليف قوي يمنع عنهم أي عدوان محتمل، ويخفف عنهم أي سياسة عقوبات أو مضايقات من قبل الأمريكيين.
الدول الثلاث (تركيا، مصر، السعودية)، يمكنها تشكيل غرفة عمليات سياسية، تدير شؤونهم المشتركة، حيال أي تهديدات أمريكية أم إيرانية، وتكون بمثابة قاعدة عملٍ، لتطوير التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري وغيره من أبواب التعاون المشترك فيما بينهم.
الأتراك بحاجة لأموال الخليج في الاستثمار، ومنع تقلبات الوضع الاقتصادي لديهم، والسعوديون بحاجة لاستثمارات نوعية، وتطوير اقتصادي داخلي، تستطيع تركيا تقديمه والمساعدة فيه، وتحديداً، في الانتقال من طبيعة الاقتصاد الريعي، إلى طبيعة الاقتصاد الصناعي والزراعي والخدمي المنتج.
المصريون، هم كذلك بحاجة إلى هذا التعاون الثلاثي، فهو يغلق الباب على مشكلات ثانوية وتنافسية، لا لزوم لها مع الطرفين الآخرين، وبالتالي هم ضلع رئيسي من أضلاع مثلث القوة الإقليمية الجديدة، هذه القوة، ستعيد دول الإقليم والدول الكبرى حساباتها نحوها.
فهل تدوس هذه الدول على حساباتها الصغرى السابقة، وتلتفت لحسابات التشارك والتحالف فيما بينها، أم أن هناك من الخلافات، لا يسمح بتجاوز الحالة، وفي مثل هكذا أمر سيلحق الضرر الجميع.
أملنا كشعوب كبير في تجاوز عقبات الخلافات، وأملنا أكبر في تشكيل مربع مواجهة المتغيرات، فهو مربع سيسمح بخلق محور عربي/إسلامي معتدل يستطيع فرض رؤاه ومصالح شعوبه على راسمي السياسات الدولية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني