fbpx

سورية واقع وآمال

0 519

كثيرة هي الأقلام التي عبرت عن آراء أصحابها ومعظمها تناول واقع المعارضة السورية تحليلاً وتنظيراً وشرحاً مبينة الأسباب التي أدت إلى هذا الواقع ولماذا لم تحقق هذه المعارضة الانتصار بعد مرور عقد من الزمن.

ملاحظة: (أستخدم كلمة المعارضة هنا بمدلولها العفوي الدارج وليس بمفهومها كمصطلح سياسي أو اجتماعي لأنني أعتقد أن الوطن لا يقبل مفهوم أو مصطلح موال ومعارض وهذا المصطلح يوجد تعبيره في الدولة. الدولة كمفهوم سياسي: هي تجمع سياسي يؤسس كياناً ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة).

أما التعريف الفلسفي: (الدولة هي مجموعة من المؤسسات القانونية والإدارية والعسكرية التي تم إنشاؤها من لدن جماعة من الناس بموجب عقد مشترك لغرض تنظيم حياتهم في المجالات كافة داخل مجال ترابي معين).

وقد ركزت الكتابات السياسية، التحليلية، كل التركيز على الجوانب السلبية في الثورة ومعظمها من لوعتها على الواقع ومن حرصها على روح الثورة وتحقيق الانتصار وهي تدرك أيضاً بان ثورة الشعب السوري يتيمة، وحيدة في هذا العالم الزاخر بالنفاق، المليء بالتناقضات وصراع المصالح الاقتصادية والسياسية وتهتك قيمه الأخلاقية والإنسانية، القائم على علاقات إنسانية بعيدة عن الشرعة الدولية ومبادئ حقوق الإنسان والشعوب، وحق تقرير مصيرها، وحق المجتمعات في الوجود، ورسم سياستها ودولتها بحرية، والدول العظمى تتحكم بمقدرات شعوب العالم بالفيتو، وتعطيل القرارات التي تضمن سلامة المجتمعات والشعوب، التي تتصارع مع حكامها من أجل حياة أفضل، وبناء الدولة الحقيقية دولة المواطنة دولة العدالة وسيادة الدستور.

والكثيرون من السوريين على اختلاف مواقعهم وانتماءاتهم يندبون حظهم العاثر ويذرفون الدموع حارقة العيون والخدود وصدى أصواتهم يتردد في سهول الأرض وجبالها ووديانها وبحارها فكأن صراخهم في كهف مظلم متباعد الجدران فلم يستطع ندائهم أن يستنهض هذا العالم النائم ولم تصل مناشدتهم الاخلاق الإنسانية الراقية لقلوب وضمائر وعقول حكامه وشعوبه فيعود الصدى وحيداً دون مجيب ومع شدة قهرنا، ومرارة وضعنا ولوعة حسرتنا على مصابنا وأحزاننا وبؤسنا وجوعنا وتشردنا التي فاقت كل ما يتخيله الإنسان أخذنا نفتك ببعضنا بعضاً ونحمل المسؤولية مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع في هذا الواقع المرير ثورة وشعباً، اقتصاداً وسياسة، ونكيل الاتهامات لبعضنا شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، يميناً ويساراً، بالخيانة حيناً والعمالة أحياناً أخرى، وتم تسليط الأضواء على ضعف الثوار وتشتتهم وتمزقهم، وعلى الأخطاء التي يقعون فيها، وعلى تناقض المعارضة السياسية، وتعارض أفكارها وتصادمها مع بعضها بعضاً، وعلى تهلهل مواقفها وسطحية تفكيرها، وهزالة خطواتها وكثرة ترددها وحيرتها في أمرها، وضعف إنتاجها.

وكثيرة هي الانتقادات اللاذعة والتهجمات الكاسحة التي وُجِهت إلى من يعمل في حقل الثورة سواء في النشاط الإعلامي أو الحراك الشعبي.. أو في الميدان العسكري أو في العمل الإغاثي.. أو في المجال السياسي ضمن المجلس الوطني أو الائتلاف الوطني أو غيره.

جميعنا يدرك ويعلم تماماً وكل سوري على كل شبر من الارض السورية ومن أي جماعه أو عائله أو مكون أو حزب سياسي أن الشعب السوري تواق للحرية ومفعم بالوطنية ومقاوم للاستبداد ولكل أشكال الاحتلال. هذه حقيقه يعرفها القاصي والداني من فرنسا حتى بريطانيا وتركيا وأمريكا حق المعرفة حتى مصر والسعودية والجارة الأردن تعرف ذلك تماماً، لذلك إذا كان الاستبداد والاحتلال اليوم حاله واقعيه، وبدون أدنى شك هي حاله مقلقه ومعقده ومتشابكه وتتعدد الدول الفاعلة والقوى السياسية والعسكرية المختلفة لذلك نقول بواقعية وعلى ضوء الواقع: إن السوريين يعملون ويناضلون دائماً من أجل تغيير هذا الواقع ويجتهدون بخطى حثيثة وسعي جاد ومسؤول من أجل نيل الحرية وتحقيق العدالة والمساواة.

العدالة الاجتماعية والسياسية وتحقيق الحرية بكل تفاصيلها الشخصية والسياسية والاجتماعية المنسجمة مع مبادئ حقوق الإنسان وحق المواطن في دوله المواطنة، دوله يسودها الدستور، وقوانينها لا تميز بين مواطنيها لأي اعتبار كان على مبدأ تكافؤ الفرص دولة حياديه بالنسبة للأديان والقوميات والطوائف وعلى نفس المسافة من جميع مواطنيها الذين يدركون حقوقهم ويعرفون واجباتهم ويتحملون مسؤوليه أعمالهم. والعامل الأساسي لنجاح السوريين أن تتوفر لديهم وفيما بينهم مناخات إيجابية من الثقة والصدق، حتى يصلوا إلى اتفاق أو عقد اجتماعي جديد يليق بهم وبمستقبلهم وبدماء الشهداء الذين قضوا مطالبين بالحرية والكرامة الإنسانية.

عندها فقط يستطيعون الإجابة على السؤال: لماذا لم يصل السوريون إلى هذا العقد الاجتماعي حتى الآن وبعد عشر سنوات من الحرب؟ وهنا لابد من الاعتماد على مبدأ الحوار ومن خلاله يتم الانتقال من مرحله الحوار الفئوي أو المحدود، إلى حوار عام وشامل،  حوار سوري – سوري يعلو كل الحوارات الجانبية أو الجزئية أو الفئوية أو القومية أو الطائفية أو الأيديولوجية، أياً كانت، مع الاحترام الشديد لكل فئه وقوميه وطائفة، من أجل عقد اجتماعي لا يلغي الطائفة أو القومية أو العائلة، بل يُلغي التفكير الطائفي والتفكير القومي المتعصب والتفكير العائلي الضيق، وعند ذلك يمكن أن نؤسس لبناء دولة المواطنة الدولة الحديثة، دولة القانون وسيادة الدستور، دولة العدالة والمساواة الدولة العلمانية الديمقراطية مُعتمدين مبدأ هاماً جداً في الحوار، ألا وهو نتعاون فيما اتفقنا ونعذر بعضنا بعضاً فيما لم نتفق عليه، متجاوزين المبدأ الذي يقوم على نتعاون فيما اتفقنا عليه ويلعن بعضنا الآخر فيما نختلف عليه. أي نتعاون فيما اتفقنا عليه ويستمر الحوار والنقاش فيما اختلفنا عليه باحترام وموضوعيه وثقه متبادلة، وكل منا يدرك ويعلم أن لا أحد منا يمتلك الحقيقة كاملة، وبذلك فقط نستطيع أن نتجاوز هذا الواقع المؤلم، وأن ننتقل إلى دائرة الفعل السياسي الحقيقي، متجاوزين الفعل السياسي المهتم بالشكل بعيداً عن الواقع، ويلخص هدف أو أهداف فئه قليله أو منطقه محدودة من سوريا.

أعتقد بان الشعب السوري الآن لابد له من ان يحارب على ثلاث جبهات، الجبهة الأولى، محاربه الفساد والاستبداد، والجبهة الثانية، محاربه الإرهاب والتطرف والميليشيات المسلحة، والجبهة الثالثة، محاربه الاحتلالات المختلفة الموجودة على الساحة السورية، ولا شك أن حاله الفقر الشديد، والوضع الاقتصادي البائس، بحاجة إلى جهد مضاعف، مما جعل مفهوم موال ومعارض تركة أكلتها الأيام ويمكن القول: إن الشعب السوري ينقسم إلى قسمين رئيسيين، القسم الأول، المتضرر من حالة الحرب والبؤس الاقتصادي وينكوي بنارهما، وهو صاحب المصلحة الحقيقية بالتغيير والانتقال السياسي لبناء دوله المواطنة، بينما القسم الثاني، هو المستفيد من الحرب ومن الفلتان الأمني، اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً أو اخلاقياً وهذا التيار ضد المصلحة العامة، ويعطل أي محاولة للتغيير السياسي الديمقراطي. لذلك يحتاج الشعب السوري إلى توحيد الكلمة وتوحيد الإرادة والانتقال من الشعار إلى الفعل.

وبين عدة جبهات ودعوات وتجمعات ودعوات إلى مؤتمرات، الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) تناشد جميع السوريين وتهيب بهم للعمل المشترك من أجل الخروج من حاله التشرذم والانقسام والاقتتال مبتعدة عن سياسه الاتهامات والتخوين، وتسعى لتوحيد جهود المعارضة، وخصّوا التيار الديمقراطي صاحب المصلحة بهذا التغيير الوطني الديمقراطي، والعمل بمسؤولية لعقد مؤتمر ديمقراطي يُجمع عليه كل السوريين أصحاب المصلحة بالانتقال السياسي، والخلاص مما يعاني منه الشعب السوري، والتمسك بالثوابت الوطنية والانسجام مع مبادئ حقوق الإنسان، والالتزام بقرارات هيئه الأمم المتحدة ذات الصلة، وهي الحد الأدنى لتأسيس هذا التغيير، لذلك ترى جود أن أمامها مهمه رئيسة، مهمه كبيرة وعظيمة، ألا وهي التواصل والحوار مع الجميع والعمل على إيجاد الظروف المناسبة لتمكين المرأة والشباب والانتقال من الرغبة والأحلام إلى الواقع والعمل.

ولا شك أن هذا الجهد السوري – السوري، لا يتم في فراغ، لذلك أخذت جود بعين الاعتبار كيفية التعامل مع التفاهمات الدولية والدول الفاعلة، لكن على مبدأ مصلحة السوريين أولاً.

خاتمة القول: لا يمكن لمجتمع أن يتواصل طالما كان منقسماً إلى فصائل متحاربة، وقول الصادق النيهوم: “إن الشعوب التي تفشل في تشخيص أمراضها بشجاعة، تموت نتيجة تناول الدواء الخطأ.”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني