سورية الجديدة: كيف يمكن أن تكون وطناً للجميع؟
في خضم التحديات الكبيرة التي واجهتها سوريا على مدى السنوات الماضية، أصبح التفكير في مستقبل مشترك لكل السوريين أمراً أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. “سوريا الجديدة” هي رؤية تهدف لجعل هذا البلد واحة آمنة يتشارك فيها الجميع، حيث تكون العدالة والمساواة حجر الأساس في الحياة اليومية لكل مواطن. بعد فترات طويلة من الصراع والانقسام، بات واضحاً أن السبيل الوحيد لبناء مجتمع مستقر ومستدام يتجاوز الاختلافات يكمن في دولة تحتضن جميع أبنائها دون تمييز، وتوفر بيئة آمنة للتعايش بين مختلف مكونات المجتمع، بعيداً عن النزاعات الطائفية أو العرقية.
إن بناء “سوريا الجديدة” يتطلب تأسيس دولة مدنية تحترم كرامة وحقوق الإنسان، بحيث يتمتع كل فرد بحقوقه الأساسية بغض النظر عن انتمائه الديني أو العرقي أو خلفيته السياسية. في هذا النموذج، تتجسد دولة تضمن سيادة القانون وتمنح كل مواطن مساحة للتعبير عن رأيه بحرية دون خوف أو اضطهاد، ما يتيح له المشاركة الفعالة في صناعة القرار والمساهمة في تطوير مجتمعه. هذه الرؤية ليست مجرد شعار، بل مشروع عميق لبناء مجتمع حر يتمتع فيه الجميع بحقوق متساوية ويشعرون فيه بالأمان والاستقرار.
التجارب السابقة في النزاعات والحروب، سواء في سوريا أو في بلدان أخرى، أظهرت بوضوح أن أي مجتمع يتجاهل حقوق مكوناته ويتبنى سياسات التفرقة يعرض نفسه لصراعات وانقسامات داخلية وتهديدات تهدد استقراره على المدى الطويل. من هنا، تأتي أهمية “سوريا الجديدة” كدولة تبني جسوراً بين مختلف أطياف المجتمع السوري، بحيث يشعر كل فرد بأنه جزء أساسي من الوطن ويجد دوراً فعالاً في بناء مستقبله.
الرؤية لسوريا الجديدة تقتضي الانتقال من نظام طائفي أو عرقي أو ديكتاتوري إلى دولة مدنية ديمقراطية تضمن العدالة والإنصاف للجميع. هذا التحول يتطلب بناء نظام سياسي يحترم المبادئ الديمقراطية ويفسح المجال أمام انتخابات حرة وشفافة تعكس إرادة الشعب وتسمح بمشاركة حقيقية لكل الفئات، من الأقليات إلى الأكثرية، في الحياة السياسية بدون تمييز. من خلال تعزيز ثقافة حقوق الإنسان وتكريس مفهوم المواطنة كقيمة مشتركة تربط بين كل السوريين، تتعزز الهوية الوطنية وتترسخ العدالة الاجتماعية كمبدأ أساسي للدولة.
ومع أن هذه الرؤية طموحة، إلا أن تحقيقها ليس بالأمر السهل، خاصة في مجتمع متنوع مثل سوريا حيث تتداخل الأعراق والطوائف والخلفيات الثقافية. هنا تأتي أهمية التمسك بقيم التعايش والتسامح بين مختلف الأطياف، إضافة إلى أهمية الحوار للوصول إلى تفاهمات مشتركة حول مستقبل الدولة وهويتها. بدون حوار حقيقي وتسامح جماعي، لن يكون من السهل تجاوز التحديات التي قد تقف عائقاً أمام تحقيق هذه الرؤية.
لا يمكن بناء “سوريا الجديدة” بدون التزام فعلي من جميع القوى السياسية والمدنية بتوحيد الصفوف والتعاون لبناء دولة مدنية عصرية تعكس تطلعات جميع أفراد الشعب السوري. تعزيز ثقافة الحقوق والواجبات المدنية بين الأفراد يعتبر خطوة ضرورية في بناء مجتمع يضع العدالة والمساواة والحرية في مقدمة أولوياته ويعتمد على الانفتاح والتفاهم بين كل مكوناته.
اليوم، الشباب السوري هم الركيزة الأساسية والمهمة لتحقيق هذه الرؤية الطموحة، فهم الفئة الأكثر تأثراً بالصراع والأكثر قدرة على قيادة مسيرة التغيير. من خلال تمكين الشباب وإتاحة فرص حقيقية لهم للمشاركة في المجتمع، يمكن لهم أن يلعبوا دوراً محورياً في بناء “سوريا الجديدة”. يتطلب ذلك توفير برامج تمكين للشباب وتطوير مشاريع تنموية تساهم في إعادة بناء الثقة بالنفس وتحقيق فرص للنمو والتقدم.
وفي النهاية، تبقى سوريا الجديدة حلماً وطنياً يحتضن الجميع ويمنح كل مواطن الفرصة للمساهمة في بناء وطنه، وطن يسوده السلام والازدهار ويقوم على أسس العدالة والمساواة والحرية.