بعد أن أنهت روسيا مهمتها العسكرية في سوريا، التي وصفتها بالحملة المقدسة الهادفة لمكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم داعش كواجهة للهدف الحقيقي وهو إنعاش النظام الذي أوشك على الهلاك.
وبعد أن انتهت من تجربة 316 نوعاً جديد من الأسلحة، استهدفت بها الشعب السوري في الأحياء الآهلة والمدارس والمشافي ومراكز الدفاع المدني، التي أسفرت عن مقتل الآلاف وتهجير مليوني سوري من دمشق ودرعا وحلب وحمص وإدلب، وبعد أن سيطرت على الموارد الطبيعية والموانئ الهامة والمطارات من خلال إبرام عقود إيجار طويلة الأمد، محولةً سوريا إلى روسيا الدافئة، ولإتمام هذا التحول تبدأ بمرحلة الغزو الثقافي الذي يطول بنية المجتمع السوري البعيدة كل البعد عن الثقافة الروسية.
فبعد السيطرة على مفاصل صنع القرار السوري تبدأ روسيا بتنفيذ خطة ممنهجة مستخدمةً النظام السوري كأداة لتحقيقها، خطة تقضي بإدخال الثقافة الروسية إلى البيت السوري، بدايةً، من خلال اللغة.
فقد تم افتتاح روضة لتعليم اللغة الروسية للأطفال في حلب ابتداءً من عمر الخامسة بحجة زيادة الطلب والإقبال على تعلم اللغة الروسية، خطوة ليست الأولى لتنفيذ الخطة الروسية حيث بدأت بافتتاح قسم اللغة الروسية في كلية الآداب بجامعة دمشق وكذلك افتتاح مركز روسي لتنسيق التعاون لتعليم اللغة الروسية، فضلاً عن إدراج اللغة الروسية في المناهج الدراسية الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس أسد، بالإضافة للاتفاق بين نظام أسد وروسيا يقضي بتعليم بعض الطلبة في وزارة للدفاع الروسية، ليتم إيفاد أبناء قتلى ميلشيات أسد بغية تأهيلهم للعمل ضمن مؤسسات النظام. وبذلك يعوض رأس النظام خسارته لخيرة شباب الوطن الذين كلفوه الكثير من المال والعمل والذين يندب عليهم بخطاباته الجوفاء ويعوضهم بالشباب السوري الجديد الممنهج روسياً ليبني بهم سوريا الأمل بالعمل.
وللوصول السريع للهدف المرجو من الحملة الثقافية التي تشنها روسيا على ما تبقى من سوريا، تقوم باستعراض قوتها الناعمة على الشعب الذي فقد أدنى مقومات العيش الإنساني لتغري الطلاب والنشء الجديد بالمنح الدراسية والحفلات والرحلات والمعسكرات الترفيهية تحت ظلال العلم الروسي الذي بدأ يحل محل العلم السوري، لقد نجحت خطة بوتين وبدأت تعطي ثمارها والدليل مجمع الشهيد الكسندر الكسندروفيتش بروخرينكو التربوي والإداري في تدمر، التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي وتناولها الرواد، بمن فيهم موالو النظام بالتهكم والسخرية والنكتة المرة التي تعكس ما آلت إليه سوريا الأسد.
أما قاعدة حميميم التي كانت مركزاً للضربات الجوية على المدن السورية، باتت مركزاً للاحتفال بالمناسبات الوطنية الروسية بمشاركة أطفال سوريا البارعين بالرقص والغناء باللغة الروسية وتمجيد أبطال روسيا والتغني بشهدائهم الذين افتدوا الشعب السوري، ورفرف العلم الروسي في سماء حميميم أثناء احتفالهم بالذكرى السابعة والسبعين لعيد النصر على النازية الذي نقلته قناة سما، وخلال الحفل أشاد اللواء علي أيوب وزير الدفاع في حكومة النظام ممثل رأس النظام ببطولة الشعب الروسي الأبي وشجاعته وقدرته الفائقة على التضحية، تلك الشجاعة المحاكية لملاحم الرجولة التي يسطرها الجيش السوري في مكافحته للإرهاب.
ليكمل مراسل القناة مديح شجاعة الجندي الروسي الذي وصلت خبطة قدمه حتى الساحة الحمراء في روسيا.
كان هذا الاحتفال في قاعدة حميميم التي يحوي محيطها على لوحة كُتب عليها “حدود روسيا لا تنتهي في أي مكان” هي القاعدة ذاتها التي يُستدعى إليها بشار أسد لمقابلة بوتين، وفيها أُهين ومُنع من تجاوز الخط وهو يلحق بمشغله بوتين، وهي القاعدة ذاتها التي لم يجد فيها وزير الدفاع في حكومة النظام كرسياً ليجلس عليه.
هي قاعدة الذل والعار التي وجد بوتين فيها منفذاً ليتغلغل في سوريا ويمكّن قبضته ويتابع مسيرة الاحتلال ويتوجها بالسيطرة على المجتمع المدني دون الاكتفاء بما حصلّه من مكاسب.