fbpx

سلطة الكتابة

0 200

لا يزال بعضهم ينظر – وإلى الآن – إلى الكتابة بأنواعها على أنها مجرد ترف فحسب، لا طائل منه، بعيداً عن استبطان كنه الكتابة، وجوهرها، والوقوف على الرسالة الجليلة التي يعول عليها في أدائها في خدمة الإنسان.

وإذا كانت الكتابة إحدى تجليات الثقافة، في مرحلة عليا منها، وعصارتها، وينضوي تحت اسمها الإبداع البشري المدون، سواء أكان نثراً أو شعراً، فإن ذلك ليعني شساعة دائرتها، ومدى تأثيرها في تأسيس الوعي المعرفي والجمالي، بل وقدرتها على الإجابة عن أهم الأسئلة التي تعني من يتم توجيه الخطاب إليهم أفراداً وجماعات، وإن الكتابة الأصيلة لهي تلك التي تتضمن عناصر ديمومتها، حتى ولو كان ذلك من خلال تناول مرحلة معينة، دون أن تكون عبارة عن مجرد فقاعة ووصفة لملامسة حالة آنية، تتلاشى أهميتها بانتهائها.

أجل، إن الكتابة الحقيقية التي تحتفظ بعناصر قوتها، وسطوتها، وتأثيرها هي الكتابة التي ترتقي إلى درجة تناول بعض أسئلة الحياة، أو مقاربة بعض الأسئلة الكبرى، وطرحها، في إهاب فني جذاب، مدهش، ممتع، وهذا ما يسمى باستراتيجية الكتابة، لئلا يكون لها دور آني عابر، من خلال الغرق في الأسئلة الصغرى – العابرة – على أهميتها، والتي لها مجالات تناولها الأخرى التي عرفت هي الأخرى التطور، في قنواتها، إلا أنها لا ترتقي في نهاية المطاف إلى مقام هاتيك الأسئلة الأكثر حضوراً وملامسة للحظة الكائن البشري، وأحواله، وتطلعاته، وأحلامه.

إن من يعد إلى تاريخ أية حضارة، ليجد أن تأصيل الكتابة في حياة الإنسان، كانت ذات علاقة مباشرة بالجوانب المضيئة فيها، ناهيك عن أن الكتابة في مفهومها المباشر، ظلت أداة لتوثيق الجوانب الإيجابية المضيئة في الخط البياني لحياة أي مجتمع بشري.

وبالرغم من مثل هذا الدور الأولي للكتابة، إلا أنها قد تجاوزت هذا المفهوم عبر المسيرة الإنسانية، ما جعلنا نميز بين عدة مستويات لها، تتراوح بين الكتابة كأداة تدوينية، والكتابة كحامل دلالي جمالي، يتجاوز بدائيته إلى حالة إبداعية، باتت تجعله العلامة الفارقة التي يمكن الاحتكام إليها، لمعرفة درجة تطور بعض أهم مفردات ودعائم الوعي في أي مجتمع.

 وإذا كانت الكتابة – كما تمت الإشارة – أحد المقاييس الأكثر أهمية في معرفة تطور الوعي والإبداع – عادة – وأن الكتابة قد استطاعت أن تؤدي مهمتها في حياة الكثير من المجتمعات، ضمن الحدود المتوخاة، بل وإن الكثير من قادة الثورات عولوا على الكتابة كإحدى الأدوات المهمة في عملية التغيير نحو الأفضل، وإن كانت الكتابة قد تستخدم على خلاف المهمة المنوطة بها، في خدمة الدائرة الأوسع، إلا أننا نجد أن الكتابة بدأت تغدو مدار اهتمام الكثير من الخبراء والباحثين في مجال – التنمية الثقافية – كي تلعب دوراً عضوياً ذا مديات أبعد وأعمق في حياة المجتمع، لتكون هذه الأداة وسيلة جد مهمة، ضمن خطط واضحة محكمة – كما يقول الباحث حواس محمود – غير اعتباطية، وهو ما يجعل الحاجة إليها أكثر، مادام أن الحياة باتت تتطور، وتطرح أسئلتها اليومية، التي باتت الإجابة عنها تتطلب المزيد من الدقة والتحليل.

من هنا، تماماً، فإن الكتابة التي كانت وسيلة مهمة من وسائل التغيير في المجتمع، فإنها الآن أمام امتحان أكبر، ومهمات أوسع، لزج الطاقات كافة واستنفارها في خدمة الإنسان وقضاياه الأكثر إلحاحاً.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني