سلطات احتلال في المنطقة الشرقية في سوريا.. من يدحرها
تقع المنطقة الشرقية من سوريا بمحافظاتها الثلاث (دير الزور، الحسكة والرقة) تحت هيمنة قوى أجنبية واحتلالها، مثل القوات الإيرانية والروسية والأمريكية، إضافة إلى قوات النظام الاستبدادي، ومجموعة من الميليشيات الكردية العابرة من خارج الحدود، وكذلك الميليشيات الشيعية الغريبة عن البلاد.
ويقع جزء كبير من أراضي محافظتي دير الزور والرقة، ومعظم أراضي محافظة الحسكة، تحت سيطرة ميليشيا قسد المدعومة أمريكياً، التي تحاول فرض رؤيتها الأيديولوجية والإثنية والسياسية على سكان المنطقة العرب.
المحافظات الشرقية الثلاث، غنية بالثروات الطبيعية مثل النفط والغاز والمياه والملح والثروة الحيوانية، إضافة إلى أنها سلة غذاء سوريا الأولى، بسبب توفر مياه الأنهار، الفرات ودجلة والخابور، إضافة إلى المسطحات المائية الأخرى، وهي موضع نزاع وصراعات دامية بين قوى إقليمية ودولية وفي مقدمتهما الاحتلالين الأمريكي والإيراني.
السياسة الأمريكية في سوريا تتلخص بمحاربة داعش والضغط على النظام السوري من أجل إجباره على قبول الحل السياسي وفق القرار 2254، والحفاظ على تنظيم (قوات سوريا الديمقراطية)، هذه القوات يهيمن عليها فعلياً حزب PKK (حزب العمال الكردستاني) ذو الجذور الكردية التركية، المصنف تنظيماً إرهابياً، لدى تركيا والولايات المتحدة بأنه.
سياسة الولايات المتحدة، مضرّة بالسوريين عموماً بصورتها الحالية، لكنها يمكن أن تتغير مع تغيّر الوضع الأمني والعسكري في المنطقة، حيث يتطلب الأمر مراجعة سياسية أمريكية جادة، لطبيعة علاقاتها بقوى المنطقة، التي تفرض حالياً سلطة قوة غريبة عن السكان العرب، هي سلطة قسد المحكومة من حزب PYD، الذي يعتبر ذراع حزب العمال الكردستاني، المصنّف بالإرهابي لديها.
إن سكان المحافظات الشرقية الثلاث (دير الزور – الحسكة – الرقة)، يرفضون تسلط قسد عليهم، فهم يعتبرونها قوة احتلال لأراضيهم ونهب لثرواتهم، إضافة إلى أنها قوة غريبة عنهم، قادمة من الخارج، ذات مشروع سياسي عابر للمنطقة، معادٍ للسوريين، ولدول الجوار تركيا والعراق.
ويعرف الأمريكيون أن قوات قسد تقوم بتجنيد الأطفال، واعتقال كل محتج على سياسة التمييز والتغيير الديموغرافي التي تقوم بها، إضافة إلى فرضها مناهج مدرسية، منافية لحقائق تاريخ المنطقة في المحافظات الثلاث، تتسم بالتزوير والادعاءات التاريخية الكاذبة غير الحقيقية، عدا عمليات الاغتيال، التي جرت بحق وجهاء وشخصيات وطنية في المنطقة، ونهب ثرواتها واستخدامها في مجال الإرهاب.
كذلك الأمر في الضفة اليمنى لنهر الفرات، حيث تتمركز قوات تابعة للحرس الثوري الإيراني، ومعها ميليشيات شيعية عراقية وأفغانية ولبنانية وغيرها، تقوم هذه القوات الأجنبية وبتسهيلات من قوات النظام السوري بعملية تشييع للسكان مستغلة فقرهم، ومستخدمة وسائل ترغيب وترهيب علنية، إضافة إلى فرض وضع أمني مخيف عليهم، يتمثل بالاعتقالات الكيفية، وعمليات الاغتيال والتهريب، وإشاعة المخدرات بين جيل الشباب في هذه المناطق.
إن التصدي لوضع حالة تقسيم المنطقة الشرقية، وتحديداً في محافظة دير الزور والمحافظتين الأخريين، الحسكة والرقة، يحتاج إلى تشكيل نوى مقاومة وطنية سرية، تعتمد رؤية وطنية، ولكنها تحتاج بالضرورة إلى عوامل مادية، تتوفر في الواقع، وأول هذه العوامل، الإيمان بأن المحافظات الثلاث في المنطقة الشرقية، هي جزء لا يتجزأ من سوريا الواحدة، وأن إدارة هذه المناطق، يجب أن تكون من قبل أبنائها، عبر حالة انتخاب حقيقية لممثلين حقيقيين للسكان.
وكي تكون المقاومة واحدة في جميع مناطق الجزيرة والفرات (دير الزور والحسكة والرقة)، هذا يحتاج إلى تنظيم ووجود إطار عمل موحد لخلايا المقاومة، ولرؤيتها السياسية الوطنية، خارج مفهوم العشائرية والإثنية والدينية، ويحتاج عملها إلى وجود قيادات وطنية، تتابع شؤونها في العلاقات الإقليمية والدولية، وتؤمّن لها الدعم السياسي والديبلوماسي والدعاية الوطنية، وتحالفات مع قوى تدعم تحرير هذه المناطق من خطر الشيعية الإيرانية، ومن خطر المشروع العابر للوطنية، الذي يعمل عليه حزب PKK وذراعه السوري PYD، الذي لا يزال يشكّل قاعدة ارتكاز لمشروع PKK المعادي للسوريين، في وقت يجب عليه أن يكون حزباً وطنياً سورياً صرفاً، يتفق مع قوى الثورة السورية، على إنجاز دحر الاستبداد، وكل خطرٍ على البلاد.
إن تحرير المنطقة الشرقية، وأولها محافظة دير الزور، يعني إيجاد قاعدة ارتكاز لقوى الثورة والمعارضة السورية، خارج مفهوم الفصائلية والتسيّد الأيديولوجي، وخارج بؤر داعش الإرهابية، وهذا يتطلب خطوات ملموسة، تتمّ بين الذراع السياسي خارج سوريا، الذي تشكل من أبناء المحافظات الثلاث (التحالف العربي الديمقراطي وكل الحركات المشابهة مثل مجلس دير الزور السياسي ومثيليه في الرقة والحسكة).
كما يتطلب الأمر إيجاد حليف قوي للسوريين، ليس له مطامع تتعارض مع طموحات السوريين بالاستقلال والتحرر والانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تحترم حقوق السوريين ومصالحهم الوطنية العليا. هذا الحليف يمكن التوافق معه على مرتكزات دعم ملموس لتحرير هذه المناطق الهامة في سوريا.
إن تحرير المنطقة الشرقية وأولها دير الزور، ومن ثم تحرير المحافظتين الأخريين، الحسكة والرقة، وخلق سلطة وطنية مؤقتة في هذه المناطق، إلى حين تحرير البلاد من الاستبداد والقوى المعادية للسوريين وفي مقدمتها إيران والروس وطردهما خارج التراب السوري، سيساعد في تنمية قوى الثورة والمعارضة، لأن هذه المنطقة ستلعب دوراً محورياً في تحرير باقي الأراضي السورية بسبب غناها بالثروات والسكان.
الدور المحوري تتوفر له القدرات المادية والبشرية، وبالتالي سيشكل عامل جذب للسوريين، ونموذجاً للحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في ظل وضع جديد مستقر.
فهل سيبدأ التنسيق والدعوة للعمل بين قوى المناطق الشرقية وتعبيراتها السياسية، والعمل على توفير سندٍ داعمٍ لتحرير هذه المنطقة من قوى الاحتلالات؟ أم إن الأمور تسير لتجزئة الجغرافية السورية تسهيلاً لتمرير مشروع الاستبداد عليها؟ ينتظر سكان المحافظات الثلاث خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، وليس مجرد خطوات إعلامية لا تغني ولا تسمن.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”