fbpx

دور الجاليات السورية في بلاد الاغتراب واللجوء وآليات تفعيله

0 288

تعد الهجرة ظاهرة تاريخية أسهمت في إعمار الأرض، فهـي تـؤدي دوراً مهما في تلاقي مجموعات بشرية متنوعة الثقافـات، وفي بنـاء حـضارة إنـسانية مشتركة، تعود بالفائدة على المهاجرين، وقد تعددت دوافع الهجـرات فمنها الاقتصادية ومنها سياسية ومنها عسكرية، وشهدت دول الربيع العربي التي تعاني شعوبها من قمع الحريات والاستبداد السياسي، والفقر وانعدم سبل التنمية المستدامة والفساد وهدر الثروات الوطنية، موجات من الهجرة دفعت ملايين العرب والمسلمين للهجرة واللجوء الى الدول الأوربية.

وقد تزايدت أعداد السوريين اللاجئين الذين حصلوا على الجنسيات أو الإقامات الدائمة في دول اللجوء الأمر الذي دفعنا لتسليط الضوء على دور الجاليات السورية في بلاد اللجوء والاغتراب وكيفية تنظيمها وتفعيلها في خدمة السوريين.

يتداخل مفهوم الهجرة مع مفهوم اللجوء رغم الفرق بينهما، فاللاجئين هم أشخاص لا يمكنهم العودة لبلدهم الأصلي، بسبب الخوف المبرر بالتعرض للاضطهاد، أو العنف، أو الصراع، أو ظروف أخرى أخلّت بالنظام العام كثيراً، وهم لذلك بحاجة للحماية الدولية، وهو ما نصت عليه المادّة الأولى من اتفاقية عام 1951، وبروتوكول عام 1967 الذي وُضِع لتحديد وضع اللاجئين في جميع الدول، حماية اللاجئين تقول على اربع مبادئ وهي: مبدأ عدم الرّد، أو عدم الإبعاد حيث لا يجوز طرد، أو إرجاع اللاجئ إلى دولته التي تكون حياته مهددة بالخطر فيها، وذلك بغض النظر عن حصوله على صفة اللجوء الرسمية أم لا. ومبدأ عدم جواز فرض عقوبات على اللاجئ الذي يدخل، أو يوجد بطريقة غير مشروعة في إقليم دولة. ومبدأ عدم التمييز: وهو يعني معاملة جميع اللاجئين في مختلف الدول على حدّ سواء، وعدم التمييز بينهم لأسباب دينية، أو عرقية. ومبدأ الطبيعة الإنسانية لحقّ اللجوء، وهو يعني أنّ اللجوء حقّ طبيعي وسلمي للإنسان، ولا يجب اعتباره عملاً غير ودّي.

وتختلف الهجرة عن اللجوء من الناحية القانونية حيث تُعد الهجرة عملاً قانونياً وحقاً يُمكن للجميع أن يُمارسه، شرط الالتزام بقوانين الدولة التي تُحددها لدخول أي شخص أجنبي إليها، أما في حال مُخالفة قوانين الدولة تُصبح الهجرة أمراً غير مشروعاً ويُعاقب عليها القانون، أما طالبي اللجوء فمن الناحية القانونية يعدّ الشخص طالباً للجوء عندما يدخل بلداً ما، ويُقدم طَلباً رسمياً فيها لطلب اللجوء، حتى تتم الموافقة على الطلب، ومن ثم يُعترف به كلاجئ، ويَحصل على الحماية والعمل والرعاية بكافة أشكالها داخل الدولة. واللجوء حالة مؤقتة تنتهي بانتهاء أسباب اللجوء المحددة بالاتفاقية الدولية لحماية اللاجئين، أما الاغتراب فهو حالة تتسم بالديمومة وغير مرتبطة بأسباب محددة، لأنها في الغالب تكون وفق القنوات القانونية والدبلوماسية بين الدول.

وتلعب الهجرة دوراً مهماً في تحسين الوضع الاقتصادي للدولة المُضيفة، وتوفّر أسواق عمل مرنة، حيث يساهم المهاجرون في ملء الوظائف الشاغرة، وخاصة الوظائف التي لا تحظى بشعبية كبيرة. وتوفير العمالة الماهرة وذوي الخبرات والاستفادة من العمال الشباب ممّا يُساهم في تحقيق الأرباح لميزانية الدولة، وحل مشكلة شيخوخة السكان في بعض الدول من خلال هجرة الشباب إليها، وزيادة التنوّع الثقافي.

يعتبر إدماج اللاجئين في المجتمعات ضرورة لتمكين اللاجئين من الوصول إلى التعليم وأسواق العمل، وبناء مهاراتهم والاعتماد على ذاتهم مساهمين بالتالي في الاقتصادات المحلية وفي تطوير المجتمعات التي تستضيفهم، وحتى يمكن للجاليات السورية من لعب دورها لابد أن تتمتّع بالقدرة عـلى الدفاع عن حقوقها في الدول التي تقيم فيها، وعلى مواجهـة التحـديات التي تدفع باتجاه تهميشها، ولاسيما السياسات التمييزية التي قـد تمـارس ضدها. ومع توالد أجيال شابة في بلد المهجر، يجب تنمية الوعي السياسي، وتدريب كوادر شابة لخوض العمل السياسي الهادف، كما أن الاستعانة بجاليات الدول الإسلامية أو دول المهاجرين غير العربية والتوحد معهم داخل كيانات سياسية يمثل قوة سياسية، وكتلة شعبية تؤثر في القرار الغربي، والسياسة الغربية.

لابد من معرفة بعض المعطيات الجوهرية حتى يمكننا وضع استراتيجية لتفعيل دور الجاليات السورية وهي:

  • كشفت دراسة أعدتها المكاتب المتخصصة في الاتحـاد الأوروبي، أن أوروبا بحاجة إلى جلب 90 مليون مهاجر من خارج الدول الأوروبيـة حتـى عام 2050 لتدارك الخلل الناجم عن عدم التكـافؤ بـين الفئـات الاجتماعيـة الفاعلة في سوق العمل، والفئـات ّ المـسنة المحالـة عـلى التقاعـد.
  • إن النظــامين القــانوني والــسيـاسي في الــدول الغربيــة لا يحترمــان إلا الأقوياء فإذا تنازل السوريين عن حقوقهم في الـدفاع عـن أنفـسهم بالوسـائل القانونية والسياسية فقد يشجعون مهاجميهم على توجيه الاتهام لهم أو إهانتهم وإهانة عقائدهم الدينية.
  • إن السوريين في بلاد المهجر تحوّلوا الى جـزء لا يتجـزأ مـن المجتمع الجديد الـذي اكتـسبوا مواطنتـه، وأن علـيهم أن يفكـروا في أنفـسهم بوصفهم مواطنين وهم بهذا يتحولون إلى جماعات من المواطنين لهـم هويـة مميـزة وليـسوا امتـداداً مؤقتاً للبلاد العربية أو المسلمة هناك.
  • كما ينبغي عليهم بناء الصورة الإيجابية عبر الإنجاز والأداء الرفيع ً أخلاقيا ً وسياسـيا واعتمادها كاستراتيجية للجاليات السورية في الغرب وإظهار ودعم العنـاصر العلمية والإبداعيـة والاختصاصية التي تقوم بأدوار جوهرية في المجتمعات الأوروبية والأمريكية. تُمكِّن من الاندماج وعقد التحالفات وتوفير آليات دفاعية أكثر ً تأثيرا وأقل ضـررا من ردود الفعل المتسرعـة والهوجاء.
  • استراتيجية تفعيل الجاليات السورية: بناءً على ما سبق يمكننا وضع الأسس الاستراتيجية لتنمية المغتربين والجاليات السورية في الغرب وهي باختصار ثلاث قواعد “التجذّر، والنمو، والنفوذ”.
  • أما التجذّر فيأتي مع “الاستقرار والتشاركية، والتمكين، والدعم”:
  • بناء العائلة الممتدة: إن بناء الجاليات يبدأ من الفرد ثم الأسرة ثم العائلة، الأمر الذي يقتضي أولا بناء العائلة الممتدة التي تنطلق منها عملية الاندماج مع الحفاظ على القيم وهذا يخلق نوع من الاندماج المبني على التمايز ويحول دون الذوبان والضياع. ويجب عدم ربط وجودهم في هذه البلاد بمفهوم الهوية “المستقلة” أو “المنفصلة”، وتبنّي صياغات ثقافية وسياسية ومؤسـساتية تتلاءم مع هذا التكييف.
  • المساهمة في التنمية: إن اشتراك أو انخراط الجاليات المغتربة في التنمية يعتمد بالضرورة على معرفة جيدة بالمغتربين واتحاداتهم، بالإضافة لاستعدادهم للمشاركة في مبادرات التنمية وسُبل التواصل معهم، واستغلال الموارد والبرامج التي تهدف إلى دعمهم وتسهيل الظروف التي تسمح للجاليات والأفراد بتعزيز روابطهم واستخدام الموارد التي تنتج عن التنقل البشري لدعم أنفسهم وتحديد أولوياتهم والمساهمة في رخائهم
  • التمكين: تتطلب مشاركة المغتربين توفير بيئة تمكينية، من خلال وجود سياسات إدماج وحماية إجتماعية ومواطنة وحق التصويت وكذلك حق العودة وإمكانية بناء شراكة بين بلدان المنشأ والمقصد.
  • أما النمو فيأتي من خلال:
  • توظيف الشخصيات العربية والإسلامية البارزة: علميًا أو تجاريًا في عملية تغيير صورة العرب والمسلمين باستخدام إعلام مُنتشر ومسموع بأدواته المختلفة مثل الصحف الورقية والإلكترونية والسوشيال ميديا، وذلك بعمل لجان إلكترونية مُتخصصة، كما يمكنها أن تتبنى الجالية السورية عمل قناة فضائية تطرح مطالبهم وتعرض قضاياهم في الغرب، وقضايا أوطانهم الضائعة كما يمكن تفعيل دورهم من خلال ما يلي:
  • مأسسة الجاليات: من خلال تأسيس لجان وروابط وهيئات منبثقة من الجاليات لتقوم ببناء شراكات مع المنظمات الحكومات والمنظمات غير الحكومية والوكالات التابعة للأمم المتحدة، والقطاع الخاص والمؤسسات المالية الدولية والمجتمع المدني، بما في ذلك مراكز الأبحاث والمؤسسات الأكاديمية ورجال الدين بُغية الوصول المكانة والنفوذ السياسي في البلاد الذي يليق بمكانتها.
  • أما تحقيق النفوذ السياسي من خلال ما يلي:
  • التنظيم: ويقتضي وجود قيادة قويـة للجاليات، واعتماد معايير ومقـاييس الأداء الحـديث، ويمكن عن طريق دراسات استراتيجية التنظـيم الحـصول عـلى مكاسـب مـن خـلال التفـاوض مـع السلطات الوطنية والتوصـل إلى حقـوق مدنيـة ودينيـة أساسـية، ممـا يشجع السكان على الالتفاف حول التنظيم ومـن ثـم تـشكيل جاليـة.
  • الاستقلالية: عن طريق تخفيف الضغط على البلدان التي تستقبل اللاجئين وتستضيفهم، والتخفيف من الشعور بالعبء الذي يخلق النزعات العنصرية وكلما زاد الشعور بإنتاجية الجاليات واندماجها كلما زاد معدّل الاستقرار الكفيل بتحقيق التنمية العامة التي يعمّ خيرها على الجميع.
  • تعزيز القدرات الذاتية: لأن تعزيز اعتماد اللاجئين على ذاتهم ينزع مخاوف أبناء الدول المستضيفة من الحلول محلهم في سوق العمل أو ضياع فرص العمل، فعندما يكون اللاجئ منتجاً يخلق فرص عمل لأبناء البلد المستضيف أو للمهاجرين مما يعزز الشراكة وتوزّع المنافع.
  • بناء قدرات دفاعية عن الوجود: من خلال إنـشاء مـنظمات المجتمـع المـدني الخاصـة بهـا، وتبادل الخبرات بين منظمات المجتمع المدني العربية في المهجر، وإنشاء هيئات حقوقية قانونية للدفاع عن المغتربين العـرب والقـضايا العربيـة في بلـدان المهجـر.
  • التخطيط الاستراتيجي: يجب أن يكون الهدف الاستراتيجي لهذه الجاليات هو تحسين الظروف التي تتيح للاجئين العودة طوعاً إلى بلدانهم الأصلية. وتمكين أهاليهم الذين يعيشون في المخيمات الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية فيها فقط من إعالة أنفسهم وعائلاتهم والمساهمة بشكل إيجابي.
  • الحشد والدعم والمناصرة: التشجيع على التعليم بين أبناء الجاليات ورعاية الطلاب للوصول الى اعلى درجات التحصيل العلمي، ومن توظيف هذه الطاقات في خدمة الجاليات، والمجتمع المستضيف، والمجتمع في بلد المنشأ.
  • الانخراط في الحياة العامة: من خلال تشجيع الانخراط في الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني في بلاد الاغتراب، مما بعزّز قدراتهم في طرح قضايا أوطانهم الأصلية من داخل هذه الدول وعبر مؤسساتها وأحزابها ومنظمات مجتمعها المدني والتي لها حضورها وقيمتها في تشكيل الرأي العام وتوجيهيه.

وعليه يمكن استغلال المساحات المتاحة اقتصادياً وثقافياً، علمياً واجتماعياً وسياسياً وفي بناء أبناء الجاليات بما يمكنهم من تحويل الهجرة أو اللجوء من قرار “بالفرار” إلى قرار “بالإعمار”. من خلال العمل على القضاء على أسباب الهجرة واللجوء في الوطن وتحسين ظروف من بقي فيها، وهذا واجب تفرضه قيم المواطنة والوطنية، والولاء والانتماء.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني