دورا أوربوس.. مدنيةٌ سادت واندثرت
دورا أوربوس Dura-Europos مدينة أثرية تقع في جنوب شرقي مدينة دير الزور الواقعة شرقي سوريا. وتبعد عن مركز المحافظ مسافةً تقدر بـ 90 كم، وتبلغ مساحتها قرابة 700 دونماً، أو 70 هكتاراً.
يحيط بمدينة دورا أوربوس الأثرية أسوار منيعة، تدعمها حواجز طبيعية، تشكل نقطة مراقبة هامة، حيث تمر قربها القوافل البرية والنهرية.
ويوجد خارج أسوار المدينة عددٌ من المدافن الأرضية والبرجية، وكذلك أقواس نصر وبقايا معسكر الحصار الساساني الذي لعب دوراً في الحرب عليها.
أما تأسيس مدينة دورا أوربوس فيعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، فقد أسسها ضابط يتبع الملك سلوقس الأول، ولهذا يمكن اعتبار المدينة حامية عسكرية بسيطة.
موقع دورا أوربوس لعب دوراً هاماً عبر وجود قلعتها، التي كانت تساعد في بسط النفوذ على قطاع الفرات الواصل بين عاصمتي الإمبراطورية السلوقية أنطاكية وسلوقية على نهر دجلة.
أما معنى اسم دورا أوربوس فهو من مقطعين دورا وتعني الحصن وأوربوس هي مسقط رأس سلوقس الأول.
تعتبر دورا أوربوس شاهداً أثرياً على حضارة نهضت على خاصرة نهر الفرات اليمنى في بلاد الشام، وهي تُصّنف ضمن حضارات العالم المتمدن، التي امتدت مساحتها من مصر إلى سوريا والمدن الإيوانية في آسيا الصغرى، وصولاً إلى بلاد البنجاب في الهند. فكل سكان هذه المناطق الجغرافية الواسعة، كان لسانهم آرامياً.
وحدث أن وقعت معركة سُميت “أسوس” قبل ميلاد السيد المسيح، وبالتحديد عام 333 ق.م بين الفرس والمقدونيين، انهزم فيها الفرس، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة، وتصبح هذه المنطقة الواقعة بين مدينتي الميادين والبوكمال بمحافظة دير الزور منطقة آثار الصالحية وفق مسماها الجديد، وآثار دورا أوربوس وفق مسماها الأساسي.
تُطل آثار دورا أوربوس “الصالحية” على نهر الفرات من ضفته اليمنى، وقد أطلق عليها اسم الصالحية نسبة إلى اسم القائد الاسلامي الشهير صلاح الدين الأيوبي، ولكن هذه الحاضرة المندثرة، كانت كنزاً في حياتها تعكس ثقافة راسخة في منطقة حوض الفرات، إذ كانت ملتقى الحضارات الكنعانية والعمورية والآرامية والرافدية، وهذا يجعلنا نقول إنها كانت حضارة منفتحة على كل باقي الحضارات.
حضارة دورا أوربوس هي عبارة عن متحف ثقافي، تتعدد فيها الأديان والمعابد وفيها أكبر نسبة معابد متنوعة في العالم، ومن أشهر هذه الآثار “الكنيسة المنزلية”، وهي من أقدم الكنائس في العالم، وهناك كنيس يهودي، وصور لآلهة نصر مجنحة، ورسومات جدارية تضمّ آثاراً غنية تعود لعصور الحضارة الإغريقية وكذلك الرومانية والفارسية والتدمرية.
أظهرت التنقيبات الأثرية أسوار المدينة وأبراجها الستة والعشرين، وبواباتها الثلاث إضافة إلى القلعة وعدداً من القصور، كذلك أظهرت التنقيبات خارج الأسوار بيوتاً سكنية بُنيت على الطراز الروماني، إضافة إلى حمامات ومداخن برجية.
واكتشف فيها قصر الحاكم وقصر القلعة وقصر حاكم النهر، واكتشفت معابد أهمها معبد بل ومعبد أرتميس، وظهرت على جدرانها رسومٌ جدارية تُظهر نزعتها الطبيعية.
عملت في موقع آثار دورا أوربوس بعثة أثرية فرنسية، حيث تمّ اكتشاف دار كبيرة مقسمة إلى خمس غرف، غرفتان منها تبدو أنها للاستراحة، وغرفة مطعم، وكذلك قصر الحاكم، واكتشف مكان لعرض القطع الأثرية.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”