fbpx

دراسة في أسباب مأزق الحركة السياسية الكردية القومية، وطبيعة المخرج الوطني السوري (4-4)

0 66

يأتي التناقض البنيوي في أجندات تيارات واحزاب وتجمّعات “الحركة السياسية القومية الكردية – الكردستانية” على مستويين:

الثاني يرتبط بكردستانيّتها، بما هو في الوعي السياسي والثقافي والممارسة النخبوية للحركة “الكردية السياسية” في سوريا، المنفصلة عن القاعدة الشعبية ومصالحها، السعي لربط اهداف مشروعها “السياسي الكردي” وسياساتها بأحزاب ومشاريع إقليمية كردستانية، عراقية أو تركية (أو كليهما)، من أجل الحصول على الشرعية الكردية، والدعم المالي واللوجستي، وهو ما حوّلها، بسبب ضعفها وتمزّقها، إلى مجرّد أدوات بيد القوى الإقليمية، وعرّابها الخارجي، وجعلها من ملحقات أجندات وأدوات مشاريعها، ففقدت بذلك مشروعية ومصداقية كرديتها السورية، واهليتها للعب أدوار إقليمية، تمكّنها من خدمة “قضيتها” السورية، وساهمت في تمزيق “الصف الوطني الكردي” بفعل ما يحصل من تناقض في أجندات وولاءات العرّاب الكردي الإقليمي – خاصة العراقي!![1]

تتكشف أبعاد مأزق تبعية التيارات والأحزاب الكردية السوريّة إلى مرجعية “كردستان العراق” إذا ادركنا أنّ المرجعية الكردية العراقية ذاتها كانت تدور في فلك مرجعيات سياسية إقليمية متصارعة، قسّمها إلى مرجعيات وتيارات متنافسة، تتصارع على تمثيل الأكراد العراقيين، وعلى أوراق الضغط السورية؛ وقد دخلت في حروب دموية على تقاسم جغرافيا المناطق الكردية الرئيسية الثلاث في دهوك وإربيل والسليمانية بعد حرب الخليج الثانية، وما تزال منقسمة سياسياً في الصراع على سلطة الإقليم الذي تأسس بعد غزو العراق ووفي سياق خطط واشنطن لتفشيل مقوّمات الدولة الوطنية الديمقراطية العراقية.

أعتقد أنّ نخب “الحركة القومية السياسية” الكردية/الكردستانية في العراق بشكل عام، وعائلة الراحل مصطفى بارزاني، بشكل خاص، قد استوعبوا قواعد اللعبة الدولية الإقليمية التي ارادت أن تجعل منهم ورقة يستخدمها مَن له مصلحة وقت الحاجة، وقد سعوا بدورهم إلى تحويل تلك الحاجة الخارجية إلى ورقة قوّة ذاتية لتحقيق أهداف “مشروع سياسي قومي”، سواء في مواجهة الحكومات المركزية، أو المنافسين “المحليين”، وذلك لانتزاع مكاسب خاصّة” للعائلة” بالدرجة الأولى، تجيّرها للصعود من موقع الزعامة التاريخية المتآكلة، العشائرية الاقطاعية، على الأكراد، إلى موقع الزعامة السياسية، عبر تأسيس حكم ذاتي وكانتون – دولة!

ضمن هذا السياق، ندرك أبعاد مشاركة الراحل الملا مصطفى وجنوده من البيشمركة العراقية في دعم مشروع ” كانتون ماهباد” في إيران منتصف أربعينات القرن الماضي، بقيادة القاضي يحيى، التي أتت بدورها في إطار محاولات السوفيات صناعة قاعدة ارتكاز في ايران في صراعات التنافس على الحصص ومناطق النفوذ التي اعقبت المعارك الأخيرة في نهاية الحرب العالمية الثانية، على حساب النفوذ التاريخي البريطاني والفرنسي وفي مواجهة تحدّيات الصعود الأمريكي؛ ونفهم حيثيات لجوء قيادة البيشمركة إلى الاتحاد السوفييتي بعد هزيمة المشروع “الإيراني” واعدام مؤسسه، وقد بقي الملا مصطفى في ملجئه السوفياتي حتى قيام ثورة 1958 حين سمحت لهم الحكومة العراقية بالعودة إلى منطقة بارزان في ظل تغيّرات سياسية مركزية في الرؤية لواقع الأكراد، وقد أكّد نص الدستور المؤقت للجمهورية العراقية الحديثة ولأول مرة بأنّ العرب والأكراد “شركاء في الوطن”.

حينئذ، كان الزعيم الحالي مسعود يبلغ من العمر 12 عاماً، وكان قد أبصر النور في مدينة مهاباد في “كردستان إيران” في 16 اغسطس/آب عام 1946 حيث كان والده الراحل الملا مصطفى بارزاني مسؤولاً عسكرياً في جمهورية مهاباد الكردية التي تأسست قبل عام.

خلال تلك الحقبة المضطربة وفي تلك الظروف، أسس الأب مصطفى، في نفس يوم ولادة مسعود، حزباً سياسياً باسم (الحزب الديمقراطي الكردي)، وقد أخذ في المؤتمر الثالث بتاريخ 26/1/1953 المنعقد في مدينة كركوك، طابعاً إقليمياً في تحوّله إلى (الحزب الديمقراطي الكوردستاني)!.

في أبرز المحطّات اللاحقة في حياة مسعود والحزب والعمل العسكري “الثوري”، ترك مسعود عام 1961 الدراسة وهو في الـ 17 من العمر، والتحق بصفوف قوات البيشمركة عندما بدأ والده حملة مسلحة ضد الحكومة العراقية لما وصفه بعدم وفائها بتعهداتها بمنح الأكراد حقوقهم.

 كما شارك مسعود مع شقيقه الراحل إدريس في الوفد الكردي خلال المفاوضات التي جرت مع الحكومة العراقية في بغداد في مارس/آذار 1970، والتي أدت إلى صدور اتفاق الحكم الذاتي لمناطق في شمال العراق.

لكن، وعلى صدى العلاقات الإقليمية التي شهدت تصاعداً في الصراع الحدودي بين العراق وإيران، وصراعات لانهاية لها بين أجنحة “البعث القومي” سرعان ما اختلف الطرفان مرة أخرى حول الحصص (خاصة كركوك)، وعادت القيادة الكردية إلى إعلان العمل المسلح حتى عام 1975 عندما أُبرمت الحكومة المركزية “اتفاقية الجزائر” مع شاه إيران، وما نتج عنها من “تقلّص” الدعم، وعدم إمكانية استمرار “الثورة – التمرّد”!

على خلفية توقيع اتفاق الجزائر أيضاً، تعرّض الحزب لانشقاق كبير، شكّلا تحدّياً سياسياً للقيادة البارزانية، ورفضاً لوحدانيّة تمثيلها لأكراد العراق، وأظهر واقع أولوية التنافس النخبوي على الحصص والامتيازات الخاصة، ودور العامل الخارجي، الهدّام!.

 بعد حرب الخليج الثانية اغتنمت قيادات الحزب البارزانية والطالبانية، التي ارتبطت طوال الثمانينيات بعلاقات إقليمية براغماتية مع جميع الأنظمة الإقليمية المتصارعة مع النظام العراقي، فرصة إعلان التحالف الغربي عن منطقة حظر الطيران والتي أصبحت ملاذاً للأكراد فقام الحزب بالمشاركة في الانتخابات التي أُجريت في شمال العراق حيث حاز الحزب على 51% من اصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية وتشكلت في عام 1992 حكومة مشتركة للحزب الديمقراطي الكوردستاني مع الاتحاد الوطني الكردستاني لإدارة إقليم كردستان في شمال العراق.

 رغم ما حصلت عليها القيادات الحزبية النخبوية من امتيازات سلطة ونفوذ، كانت حلما بعيدا قبل غزو الكويت، وحرب الخليج الثانية 1991، بدأ التوتر يظهر على علاقة الحزبين والزعيمين المتنافسين على الزعامة الكردية، وبسبب تدخلات دول الجوار والنظام في بغداد آنذاك لتقويض أسس الكيان السياسي “الكردي”، وقد تصاعد النزاع إلى “حرب أهلية” مدمّرة خلال 1994، شكّل فقراء الكرد وقودها، وتبادلت الزعامات السياسية أدوار الارتهان للأنظمة الإقليمية المتصارعة، إلى ان عقد الحزبان “اتفاقية سلام” في واشنطن في عام 1998، وبما يجعل منها ورقة أمريكية لصالح مخططات واشنطن اللاحقة ضد العراق. بالطبع كان للحزبين دور فاعل في غزو العراق، الذي ايقظت نتائجه العظيمة الغير متوقعه، أمال قيادة اربيل في ” الاستقلال “، لتدفن معها كلّ الادعاءات السابقة حول الحرص على وحدة العراق! كانت قيادات الحزب البارزانية منذ نشوئه عام 1946 إلى التسعينيات تدعو إلى “الحكم الذاتي لأكراد العراق” و”الديمقراطية للعراق” ولكنّها، ومنذ أواسط التسعينيات بدأت تنحو منحى اخر تحت تأثير العوامل الخارجية، حين بدأت بالمطالبة بـ “دولة مستقلة” “لأكراد” العراق، وأصرّت على ضم “كركوك”، وقد قبلت بالفيديرالية تكتيكيّا، وكحلّ مؤقت بناء على اقتراح أمريكي لحين تهيئة الأرضية المناسبة لإقامة الدولة الكردية المستقلة المنشودة، التي خابت الآمال في الحصول عليها في استفتاء 2017، بسبب “العامل الرئيسي الخارجي”!.

في الختام: إذا أضفنا إلى هذا العامل النخبوي الذاتي “الكرياديتي”، تعقيدات الشروط الموضوعية للأكراد السوريين التي أتت في الجزء الثالث، تتكّشف طبيعة التحدّيات المدمّرة التي تواجه مشروع قيام إقليم كردي خاص، دائما تتصاعد آمال تحقيقه عند النخب مع توفّر عوامل تفشيل الدولة الوطنية “الخارجية “، وبروز حاجات السيطرة الإقليمية، خاصة الأمريكية، وتتحوّل غالبا الى خيبات أمل وحروب، في ضوء مقتضيات مصالح السيطرة الغير معنيّة بحقوق الأكراد وتطلعاتهم المشروعة.


[1]– في عوامل السياق التاريخي الراهن، المتواصلة منذ مطلع ٢٠١١،وفي ظل تجاذبات القوى السورية والاقليمية المتصارعة على السلطة السياسية، انقسمت التيارات والاحزاب الكردية إلى فريقين رئيسيين:

الفريق الأول مثّلته قيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي”، وقد شكّل إحدى أدوات تنفيذ خطط وسياسات النظام “السوري – الإيراني – الروسي” في مواجهة عواقب حراك السوريين، خاصة في مناطق تواجد ونفوذ الأكراد، وعمل بدعم كامل على إحكام قبضته السياسية والميليشاوية على مناطق واسعة في الحسكة وعلى الشريط الحدودي مع تركيا، وبما لا يتناقض مع عوامل السياق الأمريكي.

الفريق الثاني تمثّل بأحزاب “المجلس الوطني الكردي ” المتحالفة أو التي تجد في ” قيادة إربيل البارزانية” مرجعيتها السياسية، وعلى علاقات جيدة مع تركيا، وقد انحازت لأجندات “الجبهة” التركية – السعودية/القطرية، وانخرطت في أطر ” ائتلاف قوى الثورة والمعارضة” وما انبثق عنها من لجان وهيئات في سياق مفاوضات مسار جنيف / آساتنة.

فريق ثالث، أقل فاعلية، بقيَ على الهامش، يبحث عن فرص خاصة، في إطار “هيئة التنسيق الوطنية السورية” أو على فضلات الموائد الأخرى!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني