fbpx

حين كنت رسالة لجهة ما.. طريق خناصر 2013

2 416

خلال السنوات العشر التي مرت بنا، جربنا كسوريين الكثير من أنواع الشعور المؤلم والمحزن وتعرضنا لمواقف مختلفة جعلتنا ننفجر من البكاء أو نضحك بشكل هستيري غير مبرر.

لكن هل جرّب أي منكم شعور أن يكون رسالة؟

نعم رسالة، لقد جربت هذا الشعور في رحلة طريق خناصر حين أصبحت مجرد رسالة من الممكن أن تلقى جانباً دون أدنى شعور بالأسف لأحدهم.

كان لزاماً علينا أن نذهب من الريف الشمالي إلى حلب الغربية، حيث العديد من القضايا العالقة التي لابد من إنجازها.

كانت أختي لازالت بحكم القائم على رأس عملها، وعليها أن تستلم معاشها ليساعدها على دفع نفقات المعيشة الغالية آنذاك.

انطلقنا أنا وهي من القرية مع ساعات الفجر الأولى دون محرم/الشخص الذي تستطيع المرأة الخروج معه حسب ما فرضته علينا التنظيمات الجهادية/وهذه الجريمة التي كادت أن تودي بنا.

وصلنا مدينة الباب وانتقلنا (للميكرو) الذي سيقلنا لمدينة حلب الغربية.. حتى الآن لم أستطع معرفة كيف تقسمنا بهذه السرعة وكيف ظهرت هذه التسميات وكيف تبنيناها؟

رجل ملتح يخالط الشيب لحيته وشعره يتجه نحوي وينظر لي باستنكار ويقول بلهجته الحلبية (طبي ع وجك) طبعاً انا فهمتها كوني بنت حلب.

وقلت لأختي بشيء من الارتباك طبي ع وجك ماعم تسمعي.

الحكي إلك وإلها.. طبي ع وجك أنت وهي..

أختي طبت ع وجا وقالت لي (طبي بلا يشيلونا ويطبونا ع وجنا طب)، لم أرضخ للطلب بأن أغطي وجهي.

نادى الرجل الملتحي أحدهم قائلاً أرسل أحد الإخوة المهاجرين، لم أفهم قصده في حينها.

بعد دقائق قرعت النافذة التي أجلس بقربها. التفت لأرى أحدهم يشير لي أن أفتح النافذة،

ما أن فتحت النافذة حتى أشهر بوجهي ما يشبه السيف وبدأ يومئ به وهو يحدثني، لماذا لا تضعي النقاب كغيرك من الأخوات؟

أجبته بلهجة تشبه لهجته، أضع الحجاب وليس لدي نقاب.

المهاجر: نبيعك نقاباً.

أجبته: لا أضع النقاب.

المهاجر: يبدو أن هذه الحافلة لن تغادر اليوم هذا المكان.

قال ذلك وهو يشير بسيفه إلي متوعداً ويشير إلى السائق لينزل.

بدأ كل من في الحافلة ينظر إلي وكأنني ارتكبت جريمة نكراء.

إحداهن رفعت /كُلّة/ نقابها ورمقتني بنظرة شعرت كأني أجلس بدون ثياب بسببها.

أحدهم يخاطبني يا بنتي الله يرضى عليكِ غطي وجهك وخلينا نمشي.

أنا الآن المذنبة والفاجرة والكافرة بنظرهم وهذا المهاجر (الغريب) هو صاحب الدين والحق ولاحقاً صاحب البلد.

أسدلت الستارة على وجهي العابس البائس وانطلقت الحافلة.

أختي تهمس وهي تبتسم قلك طبي ع وجك بالحلبي حضرتك ما بتمشي إلا بالنحوي.

غادرنا مدينة الباب وقد أسمعنا المهاجرون السُباب، لأننا نتجه لأرض الكفار والعياذ بالله على حد تعبيرهم.

بعد أن سارت بنا الحافلة بدأ الجميع بقراءة ما تيسر له من القرآن ولازال الستار مسدلاً على وجهي وأختي تلتقط لي الصور تارة من فوق الستار وتارة ترفع الستار في عجالة وتصور وجهي المتجهم تحت ذاك الستار..

توقفنا عند أول حاجز للإخوة المهاجرين.

صعد صاحب اللحية المخضبة بالحناء وألقى علينا خطبة عصماء وحملنا رسالة إلى بلاد الكفر التي نتجه إليها مفادها أنهم قادمون وللرؤوس قاطعون ولن ينجو من سيوفهم لا صغير ولا كبير ونزل من الحافلة وهو يومئ لنا بسيفه البتار.

بعد أن سارت الحافلة مدة من الزمن بدأ السائق ينبهني وكل امرأة رفعت خمارها بأن تُسدل وأعطى زجاجة من العطر لكل الرجال الذين يدخنون السجائر ليضعوا منها على أيديهم حتى تخفي رائحة التبغ، وسألنا أنا وأختي أين المحرم الذي يرافقكما؟؟

أخبرته أننا خرجنا دون محرم (ويحرم علي إذا بقى عيدها وأمر من أرض الخلافة).

كان كلامي كصاعقة نزلت على رؤوس القوم.

بدأ السائق يتذمر ويتمتم (إن شاء بياخدوكن َيقصوا لسانك قبل ما يقطعوا راسك لأن إنتو النسوان سبب كل المصايب).

نظرت أختي للأستاذ الذي يجلس أمامنا وكان مديرها السابق وطلبت منه أن يكون خالنا كونه يحمل نفس اسم عائلة والدتي.

ووافق وسألنا عن اسم الوالدة ودعا الله ألا ينساه.

وقفنا على الحاجز وقد أسدلت النسوة الستائر وأصبح كل من في الحافلة يردد الآيات القرآنية والأدعية، فيما يتفحص عناصر الحاجز الهويات، والسؤال عن المحرم وإمساك أيدي الرجال وتفحصها علهم يعثرون على بقايا رائحة تبغ أو أي منكر حسب وصفهم.

لكنهم لم يعثروا على بغيتهم فقد كان السائق ذا خبرة بتفاصيل الطريق وما يريده هؤلاء.

نزل العناصر من الحافلة مع كم هائل من عبارات التقريع والتكفير لنا لأننا نتجه لبلاد الكفر.

بعد مدة من الطريق بدأت الرايات الحمر ترفرف معلنة انتهاء دولة الخلافة، وبداية دولة آل الأسد كما يردد مؤيدوه.

نظر إلي السائق عند أول حاجز وقال بإمكانك أن ترفعي الآن عن وجهك.

رفعت الستار ورأيت أعلام النظام وصور رئيس النظام بشار الأسد على الحاجز وكنت لم أرها منذ مدة طويلة.

أسدلت الستارة طواعية هذه المرة، ووضعت تحته النظارات الشمسية علها تقي قلبي وعيني وروحي هذه المناظر التي يقبع خلفها كم هائل من الموت والدمار.

بعد قليل صعد أحد ضباط جيش النظام إلى الحافلة وبدأ ينعتنا بالإرهابيين والمرتزقة والخونة ولولا حاجتنا (لبوط الدولة) والأختام والأوراق من (الدولة) ماكنا رجعنا لتحت بسطارهم.

وبدأ عناصره بتفتيش الأغراض، وكم من حقيبة تم إلقاؤها من النافذة لأن محتوياتها أعجبت العناصر والضباط وأصحابها ينظرون بعيون يملؤها الخذلان والحزن وبقلوب تبكي دماً على حالهم الذي وصلوا إليه.

توقفنا عند الحاجز ما يقارب الساعة ونصف الساعة، فتشوا حتى أصغر جزدان موجود لدينا.

صعدنا الحافلة وكل منّا ينظر للآخر وهو يتمنى ألا يكون قد شاهده وهو يتلقى كمية الشتائم القذرة التي كانت تنهال عليه من عناصر الحاجز.

وصلنا مدينة حلب، حلب التي لم تعد حلب.

حلب الشهداء ترحب بكم..

ولطريق العودة نكهة ذل ليس بعده ذل.

يتبع…

2 التعليقات
  1. جمانة says

    الله المستعان كان الله في عون شعبنا فيما رأى وعايش
    نسأل الله أن يعجل هلاك آل الأسد لأنهم سبب الاساسي في ما جرى ويجري في سوريا
    سرد جميل وشيّق أستاذة هناء بوركتِ وبانتظار باقي السلسلة ومايتبع من أحداث

  2. ابو ايمن says

    بين المهاجرين والانصار ضعنا وضيعنا البلد
    كله اوسخ من بعضه ان كان نظام الطاغية بشار
    وان كان المتسألمين الجدد . راحت البلد
    والله يفرج

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني