حول تعرّض “بلينكن” للإذلال في إسرائيل وتصريحات “إلهان عمر”
مما قالته النائبة الديموقراطية في مجلس النواب الأميركي “إلهان عمر” أنّ وزير الخارجية أنتوني بلينكن” تعرّض لإذلال خلال زيارته إلى إسرائيل لبحث صفقة تشمل تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة”. وأضافت عمر في مؤتمر صحفي مشترك مع النائبة كوري بوش في شيكاغو التي يعقد فيها المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي: “الآن اسألوا أنفسكم. كيف يمكن لوزير خارجيتنا أن يسافر 11 مرة ويتوسل من أجل إنهاء حرب، نواصل نحن تقديم القنابل والأسلحة التي تساعد على استمرارها؟”.
من الطبيعي أنّ لا نتوقّع جواباً موضوعياً على تساؤل النائبة المشروع، وقد عجز بايدن عن فرض مصالح ورؤية إدارته الديمقراطية على حكومة نتنياهو، رغم كلّ ما استخدمه من وسائل ضغط، وصلت إلى درجة العمل على إسقاطها من الداخل!
أحاول توضيح السبب الرئيسي فيما وصلت إليه علاقات “الحليفين الاستراتيجيين” إلى هذه الدرجة غير المسبوقة من التدهور.
في تساؤلات المشهد الحالي من الصراع على فلسطين والإقليم:
بماذا تختلف هذه المعارك الأكثر دموية وإجراما بحق المدنيين الفلسطينيين في الحرب المستمرّة منذ نهاية 2007 بين حماس وحكومات العدو؟ ولماذا أخذت شكل الحرب “المّمتدّة” وطابع المفاوضات على صفيح ساخن؟ وهل يرتبط تكتيك عدم حسمها لصالح دولة الاحتلال بالعلاقات بين حماس وحكومة الحرب، أم يرتبط مباشرة بطبيعة العلاقات بين القوى الأخرى المتورطة في الحرب، الولايات المتّحدة والنظام الإيراني وحكومة الحرب اليمينية؟
فقط ضحايا أوهام الإيديولوجيات وأكاذيب أقلام وأبواق “وسائل الإعلام” من النخب المثقّفة، المزيّفة والمرتزقة، هم الذي يصدّقون أن العامل الرئيسي في استمرار هذه الحرب العدوانية الإسرائيلية طوال كلّ هذه الأشهر المميتة هو “صمود حماس”، (رغم أنّ الفارق النوعي في ميزان قوى الحرب، الذي يتجسّد ميدانيا بالفارق النوعي بين القوّة التدمير لسلاح جيش الاحتلال المهاجم والقوّة التدميرية لوسائل الدفاع والحماية الحمساوية، وما علينا سوى المقارنة بين عدد ضحايا هجوم صاروخي حمساوي وضحايا هجوم صاروخ إسرائيلي، لندرك طبيعة الفارق النوعي في ميزان القوى الذي كان يسمح لجيش الغزو بحسمها لصالحه في أقل من شهرين. لقارن مجريات هذه الحرب وما تمثّله حماس من قوّة مواجهة بالمقارنة مع القوى التي كانت تواجه الغزو الإسرائيلي لبيروت 1982!)
بمعنى، ليست مقاومة حماس وسلاحها، وليس انحياز واشنطن لإسرائيل هو العامل الذي أعطى هذه الحرب القذرة كلّ هذا الوقت، وهذا النهج. العامل الأساسي هو إدراك حكومة الحرب لدوافع حرص واشنطن على عدم تدمير حماس، وتفكيك مؤسسات السلطة، المرتبطة بعلاقات السيطرة الإقليميّة الأمريكية التشاركية مع النظام الإيراني وبخطوات وإجراءات مشروع التطبيع الإقليمي، التي تُعطي استمرار وجود أذرع النظام الإيراني السورية واللبنانية والفلسطينية الأولوية، حتى عندما تتناقض مع مصالح إسرائيل القومية!!
القراءة الموضوعية تتطلّب إدراك طبيعة عوامل السياق التاريخية، وهذا يُعيدنا الى المرحلة الأخيرة من “الخَيار العسكري الميليشياوي” الذي شكّل العامل الرئيسي في نجاح جهود إطلاقه خلال 2011 وصيرورته خلال 2019 تقاطع مصالح أمريكية إيرانية خلال في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية أوّلا ومن أجل تفشيل سوريا وتقاسمها، ثانياً!
في نهاية 2019، كانت قد أنجزت الحروب السابقة أهداف الولايات المتّحدة والنظام الايراني وروسيا،(التي باتت بعد 2015 شريكا عسكريا وسياسيا، دون تركيا، التي كانت خلال مراحل الحرب في مواجهة هذا التحالف الثلاثي!)، بتقاسم حوالي 90% من الجغرافيا السورية بين أطراف التحالف الأمريكي – شركاء الولايات المتّحدة في إطلاق وتحقيق أهداف الخيار العسكري الطائفي – وقد باتوا يتطلّعون إلى تسوية سياسية، تثبّت وتشرعن، سوريا وإقليميا ودوليا، ما حققه الأطراف من مكاسب. ضمن هذا السياق العام، نفهم طبيعة العقبات، وما نتج عنها، وما يزال، من حروب بينيّة.
1- إذا كانت الولايات المتّحدة هي المهيمن الرئيسي على حصّتها الخاصة التي باتت “إقليم شمال وشرق سوريا”، وكانت شروط التسوية السياسية التركية هي العقبة الرئيسية التي تواجهها، بالإضافة إلى ما ينتج عن طبيعة قيادة قسد من تناقضات داخلية بين قسد والنخب الكردية من جهة، وبين قيادة قسد والمكوّن “العشائري” داخل أجهزة سيطرتها)، فليس هناك قوّة مهيمنة داخل مناطق السيطرة التشاركية (سورية المفيدة)، ويدور صراعات مباشرة أو غير مُعلنة على تقاسم الحصص والنفوذ بين حكومة النظام وأنظمة روسيا وإيران، و” إسرائيل “! معرفتنا لطبيعة تلك الصراعات، تساعدنا على فهم ما يحصل في مسارات وعواقب
الهجوم الحمساوي والحرب الإسرائيلية الانتقامية!
تكشف عمق المصالح وما نتج عنها من علاقات بروز تحالفات غير مُعلنة بين الولايات المتّحدة والنظام الايراني من جهة، في مواجهة روسيا وإسرائيل، من جهة ثانية.
كيف؟ تأهيل سلطة قسد على الحصة الأمريكية هو الهدف المركزي لإدارة بايدن الديمقراطية في التسوية السياسية السورية، وما تملكه إيران من شبكة وخيوط علاقات مباشرة مع قسد والعشائر، أو غير مباشرة مع “داعش” جعل منها الشريك الأمريكي الرئيسي، ومن الطبيعي في هذه الحالة، أن تقف الولايات المتّحدة مع مطالب وشروط تعزيز هيمنة النظام الإيراني على سورية المفيدة، رغم انّ في ذلك تعارضا مع مصالح وسياسات روسيا و”إسرائيل”، وهي متعارضة بالطبع مع شروط التسوية السياسية التركية!
هذه ليست فانتازيا سياسية، ولست بارعاً في حياكة القصص أو تأليف الروايات!!
2- في 24-25 حزيران 2019 أثمرت جهود روسيّة إسرائيلية مشتركة، ومتقاطعة المصالح المرتبطة في الصراع على تقاسم الحصص في سورية المفيدة، في انعقاد قمّة ثلاثية، عُرفت لاحقاً و”مؤتمر القدس الأمني”، جمعت بين مستشاري الأمن القومي الأمريكي والروسي والإسرائيلي – السفير جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، ونيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن التابع للفدرالية الروسية ومع مائير بن شبات، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، وذلك بحضور سفيري روسيا والولايات المتحدة لدى إسرائيل وسفيري إسرائيل لدى روسيا والولايات المتحدة ووفود دبلوماسية وسياسية وأمنية رفيعة المستوى من الدول الثلاث.
ماذا كان الهدف الروسي – الإسرائيلي من القمّة؟
إنهاء أو تحجيم الوجود الإيراني الذي ترسّخ في مسارات الخَيار العسكري بين 2011-2019، لصالح تقاسم سيطرة روسية – إسرائيلية؟
وكان هذا يتوافق مع سياسات الإدارة الجمهورية الأمريكية الرافضة لأنّ تكون هيمنة آليات السيطرة الإقليميّة الإيرانية على حساب مصالح شركاء الولايات المتّحدة الأكبر وزناً على الصعيدين الإقليمي، روسيا والسعودية وتركيا و”إسرائيل”!!
مما أتى في تصريح نتنياهو في أعقاب القمّة، يُظهر ذهاب نتائجها بما تشتهي سفن نتنياهو وبوتين، ويتقاطع مع مصالح تركيا والسعودية[1].
ماذا كانت النتيجة الرئيسية للقمّة؟
“الضمان بأن أي قوات أجنبية وصلت إلى سوريا بعد 2011 لن تبقى فيها.”، بمعنى، توافق الدول الثلاث على العودة بالوجود الإيراني في سوريا إلى ما كان عليه قبل 2011.
ماذا كان يتطلّب تحقيق نتائج القمّة؟
“نتطلع إلى مناقشة سبل عملية لتحقيق هذا الهدف الذي يعتبر حيويا لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 بشكل ناجح.”
كان يتطلّب انعقاد مؤتمرات تالية لقادة الأجهزة الأمنية، ومتابعة دقيقة على مستويات حكومية أدنى من أجل توفير شروط إخراج جميع الجيوش التي دخلت سوريا بعد ربيع 2011، وكان يمكن أن يحصل ذلك في سياقات اللجنة الدستورية، وحكومة توافقية في دمشق، تمثّل جميع السوريين، وتملك شرعية المطالبة بخروج جميع جيوش الاحتلال، وفي مقدمتها الإيرانية!!
ماذا حصل بعد ذلك؟
مع وصول إدارة بايدن الديمقراطية إلى البيت الأبيض في مطلع 2020، أسقطت كليّاً هذا المسار، بعد دفع جون بولتون إلى الاستقالة، وذهبت سياسات واشنطن الديمقراطية على مسار التسوية السياسية الأمريكية الجزئية الذي يتضمّن الاعتراف بشرعية الوجود الإيراني في مناطق سيطرة الحكومة السورية، بما يضمن لواشنطن تأهيلاً سلساً سلطة قسد، واستقراراً استراتيجياً في العراق واليمن ولبنان، حيث تهيمن آليات سيطرة ونهب تشاركية، أمريكية إيرانية.
3- ملاحظات مهمّة:
أ- توريط بوتين في غزو أوكرانيا، وإضعاف دور روسيا السياسي في سوريا كان مصلحة مشتركة إيرانية – أمريكية، وهذا يفسّر غض واشنطن النظر عن الدعم الإيراني والصيني لبوتين، كي تطول الحرب إلى أطول فترة ممكنة، وقد تؤدّي إلى انتهاء الدور الروسي في سوريا.
ب- عجز الهجمات العدوانية الإسرائيلية المتصاعدة منذ مطلع 2020 حتى السابع من أكتوبر 2023، عن تغيير موقف الولايات المتّحدة السياسي من الوجود الإيراني في سوريا، وعن إجبار النظام الإيراني على إعادة تموضع أدواته بما يتوافق مع الحد الأدنى من شروط إسرائيل. بل على العكس من ذلك، عزز النظام الإيراني من أدوات وجوده على تخوم إسرائيل في محافظتي درعا والقنيطرة في إطار صفقات التسويات التي سمحت للقوات الحكومية بالعودة إلى المنطقة.
ت- كان من الطبيعي أن تستغلّ حكومة اليمين الصهيوني المتطرّف هجوم طوفان الأقصى إلى أقصى حد ممكن، لتقويض الوجود الإيراني، ليس في سوريا فحسب، بل وفي فلسطين ولبنان، وكان من الطبيعي أن تواجه معارضة واشنطن، وقد اعتبر بايدن من اللحظات الأولى لهجوم طوفان الأقصى أنّ “انتشار النزاع إقليميّاً” هو خط أحمر، بما يعني رفض تطلّعات حكومة الحرب الصهيونية لتوجيه ضربات نوعية في سوريا وغزة ولبنان، وسعي الدبلوماسية الأمريكية لفرض “هدنة إنسانية” تحافظ على وجود حماس العسكري، ودورها السياسي في خطط اليوم التالي، وقد سعت لقيام “حكومة وحدة وطنية فلسطينية” تشكّل عملياً الغطاء الفلسطيني لحماس!!
ث- توضّح هذه القراءة طبيعة الصراع بين اليمين الصهيوني والإدارة الديمقراطية الأمريكية، وتكشف طبيعة أهميّة نجاح أو فشل ترامب والجمهوريين على مآلات الحرب وأهدافها.
ج- على الرغم من تقاطع نتائجه وآليات تنفيذ هجوم طوفان الأقصى مع جهود اليمين الصهيوني لتقويض أدوات مشروع السيطرة الإقليميّة الإيرانية، فلم يكن في أهدافه السياسة سوى مصلحة حمساوية بامتياز. لقد تجاهلت جميع مفاوضات التسوية التي قادتها واشنطن على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، منذ مطلع 2020 في سياق خطوات وإجراءات مشروع التطبيع الإقليمي، أي دور سياسي لحماس، رغم ما أظهرته من استعدادها للعب هذا الدور، على صعيد قبولها بمشروع حل الدولتين، أو على صعيد تغيير نهج “مقاومة الاحتلال”، عندما وقفت على الحياد في الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي، وما نتج من تعزيز العلاقات الاقتصادية مع القطاع. كانت القيادة الحمساوية بحاجة ماسة لانتزاع شرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني ووجودها على طاولة المفاوضات، وكانت تعتقد أنّ ورقة الرهان العسكرية والأمنية، وما رافقها من استعراض لإمكانيات حماس الاستخباراتية والتنظيمية، ستمكّنها من فرض شروطها على حكومة الاحتلال، وقد غاب عن وعي قيادتها أنّ خصومها الصقور في “تل أبيب” ينتظرون هذه الفرصة، كما كان زعماء الإدارة الجمهورية في واشنطن ينتظرون فرص تمزيق العراق بعد حرب الخليج الثانية!.
[1]– “…إن هذه هي قمة تاريخية لأن هذا هو أول لقاء بين مستشاري الأمن القومي الخاصين بدولنا الثلاث وهي تعقد في عاصمتنا أورشليم.
كانت لي الفرصة للالتقاء بكما خلال الأيام الأخيرة، بما في ذلك قبل دقائق، لبحث قضايا ثنائية مهمة، وخاصة التحدي المتمثل بتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة المحيطة بنا. هذه القمة تشكل فرصة حقيقية للمساهمة في تحقيق ذاك الاستقرار في منطقتنا، وخاصة في سوريا.
كما تعلمان، إسرائيل تحركت مئات المرات من أجل حال دون إيران من التموضع عسكرياً في سوريا إذ تدعو إيران بشكل علني وعملي إلى تدميرنا وتعمل على تحقيق ذلك. تحركنا مئات المرات من أجل منع إيران من تزويد حزب الله بأسلحة متطورة أكثر وأكثر ومن أجل منعها من فتح جبهة أخرى ضدنا في الجولان. إسرائيل ستواصل العمل على منع إيران من استخدام أراضي الدول المجاورة كمنصات لشن الاعتداءات علينا وإسرائيل سترد بقوة على أي عدوان.
… دولنا الثلاث تريد أن ترى سوريا تنعم بالسلام وبالاستقرار وبالأمان. هذا هو الهدف المشترك. لدينا أيضاً هدف مشترك عبارة عن تحقيق الهدف الأكبر وهو الضمان بأن أي قوات أجنبية وصلت إلى سوريا بعد 2011 لن تبقى فيها. نعتقد بأنه توجد سبل لتحقيق هذا الهدف المشترك الذي يخلق شرق أوسط أكثر استقراراً أو على الأقل شرق أوسط أكثر استقراراً في هذا الجزء من المنطقة.
أؤمن بأن النتيجة التي قد وصفتها للتو، أي خروج جميع القوات الأجنبية من سوريا التي دخلتها بعد 2011 سيكون جيداً بالنسبة لروسيا وللولايات المتحدة ولإسرائيل، وإن سمح لي بأن أضيف – هذا سيكون جيداً أيضاً بالنسبة لسوريا.
نتطلع إلى مناقشة سبل عملية لتحقيق هذا الهدف الذي يعتبر حيوياً لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 بشكل ناجح. إسرائيل تأمل بأن هذه القمة ستساهم في جلبنا أقرب من تحقيق هدفنا المشترك وهو تحقيق السلام والازدهار والأمن – وهذه الأمور متشابكة ببعضها بعضاً – في هذه المنطقة.”