fbpx

حول أهداف اللجنة الدستورية، وطبيعة الحلّ السياسي الأممي، للصراع على سوريا!!

0 165

الجزء 2

قبل الحديث في الجزء 3 عن المحطتين الرئيسيتين اللتين تم فيهما تفشيل جهود إيجاد مخرج سلمي للصراع السياسي الذي تفجر في اعقاب حراك السوريين في ربيع 2011، وتمهيد الطريق لإطلاق وسيطرة أدوات الخيار العسكري، أود الإشارة إلى نقطة هامة، تساعدنا على فهم بعض أشكال التضليل التي تُمارس على السوريين في إطار لعبة الحل السياسي.

في محاولة لتعميق آليات التضليل حول طبيعة الحل السياسي الأممي؛ الذي تقوده عملياً الولايات المتحدة وروسيا، في جميع مراحله، منذ 2012، وحتى اليوم، تحت يافطة مجلس الأمن والشرعية الدولية؛ تستمر أطراف مختلفة بالترويج لفكرة أن مرحلة اللجنة الدستورية خاصة، ومحطة آستانة الحاضنة لها، عموما، منذ 2016، ليسا جزءاً أصيلاً من مسار الحل السياسي الأممي، ومرجعيات جنيف، والقرار 2254؛ في محاول لتقسيم المسار إلى مرحلتين متعارضتين، لتحقيق عدة أهداف غير واقعية، يأتي في مقدمتها تبرئة مسار جنيف في مرحلته الأولى حتى عام 2015، مما وصل إليه مسار آستانة، الروسي، وسلة اللجنة الدستورية، من فشل، باعتبار أنها تشكل مرحلة انحراف عن المسار، ولا تمثله، ليتم تحميل روسيا فقط مسؤولية هذا الانحراف، وتحييد واشطن، بما يزور الوقائع، ويروج لدعاية استمرار صلاحية المسار الأصلي لإيجاد حل سياسي، وواقعية استمرار التعويل على الولايات المتحدة، كداعم دولي له، وللخيار الوطني السوري في تحقيق انتقال سياسي؛ وهي مجموعة أفكار تشكل منظومة خداع متكاملة تستهدف تشويه الوعي السياسي السوري، بما يعمق حالة التشظي، ويساهم في استمرار العجز السياسي الديمقراطي الوطني!

تحميل الروس وحدهم مسؤولية تفشيل الحل السياسي، سواء في مرحلته العربية، خلال 2011-2012، أو في مرحلة آستانة – اللجنة، 2016-2021، ومسؤوليتهم، مع النظام والإيرانيين فقط، في دفع الصراع على مسار الخيار العسكري الطائفي، هو بالأصل دعاية أمريكية، روجت لها منصات معارضة، ونخب سياسية وثقافية، دون أن تدرك، ربما، أهداف ومصلحة واشنطن في إخفاء نصف الحقيقية الآخر، وبالتالي أهم حقائق الصراع في سوريا، المرتبطة بالدور الأمريكي الرئيسي في تحديد خيارات السلم والحرب، وما وصلت إليه بلادنا!

السؤال المنطقي الذي يساعدنا عن تقييم الموقف الأمريكي تجاه مسار جنيف للسلام يتعلق بإدراك أهم عامل في تفشيل خطط السلام العربية، أولاً، وبعلاقة إجهاض تلك الخطط بمسار جنيف اللاحق!

1- الدعاية المدعومة من واشنطن تحمل الروس والصينيين مسؤولية تفشيل خطة السلام العربية/التركية، باستخدام الدولتين لحق النقض، وهو صحيح من حيث الشكل!

لنتساءل:

إذا كان تفشيل مسار الحل السياسي هو بالجوهر مصلحة لسلطة النظام، وشريكه الايراني، وإذا كان من طبيعة المصالح المشتركة بين النظام الروسي وسلطة النظام أن تدعم خياره بتفشيل تطبيق خطط السلام، السورية والعربية، طوال عام 2011، فهل كان الموقف الأمريكي؛ الذي لم يستخدم ما يملكه من أوراق قوة في الإقليم وعلى الصعيد العالمي، يتفوق على الروس والإيرانيين، لإنجاح المسار السياسي، وبالتالي قطع طريق الخيار العسكري؛ خارج إطار المصالح؟

بمعنى، هل كانت سياسات واشنطن الضعيفة، الغير فعالة لإنجاح جهود السلام، أو الانسحابية المتراجعة أمام تقدم إرادة ووسائل الخيار العسكري، تتعارض مع مصالح وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية؟

هل كانت واشنطن، زعيمة النظام الرأسمالي العالمي، وصاحبة اكبر مشروع استراتيجي إقليمي، واوسع انتشار عسكري في المنطقة، عاجزة عن فرض شروط حل سياسي، أم كان عجزها تكتيك سياسي ناجح، لإفساح المجال أمام قوى وادوات الخيار العسكري بالتقدم، خدمة لأهداف مشروعها الاستراتيجي، ولأهداف سياساتها التكتيكية، في مواجهة تحدي الربيع العربي عموما، والسوري، على وجه الخصوص؟

 من جهة ثانية، هل وقع الوعي السياسي النخبوي المعارض في فخ الدعاية الأمريكية/الروسية؟!

ما هي مصلحة معظم نخب المعارضة في الإصرار على تجاهل طبيعة الأهداف الإستراتيجية  للولايات المتحدة في كامل منطقة الشرق الأوسط، طيلة عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي تضعها في خندق قوى الاستبداد، المعادية لأهداف التغيير الديمقراطي، وطبيعة التكتيك السياسي الذي استخدمته في مواجهة تحدي الربيع الديمقراطي؛ والذي اعتمد في المرحلة الاولى من الخيار العسكري، بين 2011-2014، على انسحاب تكتيكي، (يُعيد ترتيب أولويات تموضع القوات، ويرتبط بتحقيق اهداف سياسية محددة، وليس في إطار استراتيجية انسحاب كامل)، كما حدث في العراق، نهاية 2011، وسمح بتقدم مشروع داعش وميليشيات الحشد الشعبي التي كان لها، رغم تناقض تخندقاتها شكلياً، الدور الإقليمي الحاسم في تحقيق أهداف الخيار العسكري؟ ألم يكن انسحاب الولايات المتحدة التكتيكي في العراق ضرورياً، بل وعاملاً حاسماً للسماح بتقدم أدوات وقوى الخيار العسكري، محليا وإقليميا ودوليا، وتبرأة الذات من عواقبه؛ من أجل تمكينها من تحقيق أهدافها الساعية لحرف الصراع عن مساره السياسي، واغراق جمهور وقوى التغيير بالدم، وصبغهم بالإرهاب، وبما يحقق استراتيجيا هدف مشترك، أمريكي، محلي وإقليمي:

 قطع مسار التغيير السياسي الديمقراطي، ومنع السوريين من تحقيق اهداف المشروع الديمقراطي، التي جعل منها حراك ملايين السوريين إمكانية واقعية، في بداية ربيع 2011.

لماذا عجز الوعي السياسي النخبوي المعارض عن فهم الفرق بين التكتيكي والاستراتيجي في سياسات واشنطن، وكيف تصب اهداف التكتيكي في خدمة الاستراتيجي؟

لماذا هذا الإخلاص في الترويج للدعاية الأمريكية حول انسحاب استراتيجي، في جهل، او تجاهل لمصالح واهداف واشنطن في الخلط، وتقديم ما هو تكتيكي، على انه استراتيجي؟

لماذا فشلوا في رؤية تقاطع ما يروجون له مع اهداف دعاية المحور الروسي، التي تؤكد على قدرة قوى المقاومة على هزيمة اهداف المشروع الأمريكي، ودفعه إلى القيام بانسحاب استراتيجي من المنطقة، لصالح قوى محور المقاومة التاريخية، والصاعدة؟

ألا تصب دعاية الانسحاب الأمريكي الاستراتيجي التي تعمل على اقناع السوريين بمصداقية دعاية الانسحاب الاستراتيجي الأمريكي، وواقعية استغلال الروس والصينيين لهذا الفراغ الاستراتيجي للقفز إلى منطقة السيطرة الإمبريالية للولايات المتحدة، والتي تروج لها نخب المعارضة، في خدمة اهداف دعاية المحور الروسي، التي تؤكد أن الانسحاب الأمريكي قد فرضه انتصارات محور المقاومة، والتي تسعى لتغيير طبيعة الصراع، من كونه، في الجوهر، بين قوى التغيير الديمقراطي، ومحور قوى الاستبداد، إلى صراع بين قوى محور المقاومة والولايات المتحدة الأمريكية؟

ألا تصب دعاية الانسحاب الاستراتيجي الأمريكي في خدمة مصالح واشنطن والمحور الروسي، معا، في اخفاء حقيقية تقاطع مصالح الجميع، الروس والأمريكان، في دفع الصراع السياسي على مسارات العنف الطائفي، كأفضل وسيلة لإجهاض اهداف المشروع الديمقراطي، وتفشيل دول المنطقة، وبما يبرىء واشنطن من مسؤولياتها عما ينتج عن الخيار العسكري، وأدواته، من تدمير، وبما يخفي واقع تشاركهما في تسويق مسار جنيف الخلبي؟

لماذا فشلت النخب في إدراك طبيعة تبادل الأدوار، وطبيعة المناورات واساليب الخداع، والكذب، التي استخدمها الجميع، وعلى رأسهم أوباما، ووزيرة خارجيته المصون، السيدة كلينتون، لتحقيق هدف استراتيجي مشترك، شكل الهدف رقم 1 على قائمة اجندات الولايات المتحدة الأمريكية منذ إسقاط حكومة مصدق الديمقراطية في إيران 1953.

2- ربما اعتقد بعضهم أن إطلاق واشنطن، لمسار جنيف، في أعقاب تفشيل خطة السلام العربية شكل ردة فعل على تفشيلها من قبل موسكو وبيجين، وستعمل واشنطن على فرض نجاح اهدافه، بما هو البديل الأممي، للخطة الإقليمية، وبما تمتلكه، وشركاؤها الأوربيون، من أوراق ضغط عالمية؛ وهذا لم يحدث، بالطبع، لأنه غير واقعي، ولأنها شريك أساسي في تفشيل الخطط الإقليمية/العربية لسلام حقيقي!

ألم تؤكد التطورات التالية لإطلاق مسار جنيف وفي جميع محطاته، وما نتج عنه، بدءاً من نقاط كوفي أنان 2012 وبيانات جنيف اللاحقة، وقرار مجلس الأمن 2254، على واقع عدم وجود مصلحة للولايات المتحدة أولاً، ولروسيا، ثانياً، في أن يكون مسار حل سياسي واقعي للصراع، يبدأ بوقف شامل لإطلاق النار، ويتضمن خارطة طريق انتقال، وتغيير سياسي، وذلك في حرص الإدارتين الأمريكية والروسية على عدم تضمين قراراته للحد الأدنى المطلوب من آليات تنفيذ فعالة!

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني