fbpx

حق الملكية في غياب القانون

0 306

ملك الإنسان الأرض منذ وجوده عليها واستحوذ على مكوناتها وسخرها لخدمته، فقامات الصرعات بين البشر للسيطرة على المقدرات، وتكوين الثروات، وامتلاكها، لتعزيز القدرة، والتحكم بمصير قطاعات بشرية.
بدأت الملكية قديما بملكة الأسرة والقبيلة، ثم تطور مفهوم الملكية الفردية بعد انتشار المفاهيم الحديثة للملكية الخاصة أضفيت عليها القدسية بموجب النظريات التي تدعو لحمايتها باعتبارها حق من حقوق الإنسان آخذة بعداً ودوراً اجتماعياً يتماشى مع مصلحة المجتمع.
ما هو حق الملكية؟…
عرف المشرع السوري حق الملكية بالمادة /768/ من القانون المدني “لمالك الشيء وحده في حدود القانون حق استعماله، واستغلاله، والتصرف فيه”
وفق هذا التعريف فإن حق الملكية حق جامع ينطوي على عدة حقوق، حق الاستعمال، وحق الاستغلال، وحق التصرف، وهو حق دائم لا يسقط بمرور الزمن.
لسنا بصدد التعريف بمعاني ومشتملات حق الملكية، فقط للدلالة وتسليط الضوء على الاعتداءات المقنونة والمخالفة للقانون على حق الملكية وخاصة الملكية العقارية.
مع ظهور الفكر الاشتراكي الذي نادى بالملكية العامة (ملكية الشعب) وتمكين الدولة من بسط نفوذها ووضع يدها على ثروات واقتصاد الشعب، فقيدت حق الملكية الخاصة وأطرته بقواعد جامدة غيرت من مفهومه وماهيته
تبني هذا الفكر الاشتراكي الذي يلغي الملكية الخاصة أو يحد منها ويطرح بديلاً عنا الملكية العامة من قبل الدولة السورية أدى الى نتائج سلبية انعكست على المجتمع والاقتصاد، لأن تجزئة الملكية الى ملكيات صغيرة تفقدها القيمة الاقتصادية لها، بخلاف الملكيات الكبيرة التي تزيد من الدخل القومي، والأسوأ في ظل غياب القانون، أداة تحكم بحقوق المواطنين، واستغلال لأصحاب السلطة لمصالحهم الخاصة تحت ذرائع المصلحة العامة، فكانت المصادرات للأملاك الخاصة بشكل عشوائي وغير مدروس بل رد فعل انتقامي في بعض الأحيان.
لا يخفى على أحد قانون الإصلاح الزراعي الذي انتزع الملكيات الخاصة ووزعها على الفلاحين تحت عنوان – الأرض لمن يعمل بها – ورغم وضعه لقيود على توزيع العقارات المصادرة تحت بند الحد الأدنى للملكية الزراعية إلا أنه لم يتقيد بها فجردت الملكيات ونقلت للغير الذين استولوا على الملكيات وأصبحوا أكثر غنى بينما أصحاب الملك المنتزع هجروا البلاد للعمل بالخارج.
والأسوأ من ذلك كانت قوانين الاستملاك الجائرة (قانون رقم /20/ وقانون رقم /60/) تضمن تلك القوانين حق الدولة في استملاك العقارات الخاصة للمنفعة العامة وانتزاع ملكيتها من قبل الإدارات المستملكة ووضعها اللوائح والقوائم الناظمة للاستملاك المتضمنة التعويض غير العادل، فالإدارة المُستملكة هي الخصم والحكم في النزاع بينها وبين المالكين لتلك العقارات، مخالفة دستور /1973/ مادة /17/ ودستور /2012/ مادة /15/ التي تنص:
أولاً: الملكية الخاصة من جماعية و فردية مصانة وفق الأسس التالية:
1- المصادرة العامة في الأموال ممنوعة
2- لا تنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون
3- لا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مبرم
4- تجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون ولقاء تعويض عادل.
ثانياً: يجب أن يكون التعويض معادلاً للقيمة الحقيقة للملكية
شتان ما بين النص والتطبيق بالرغم من النص الصريح والواضح بالفقرة الثانية من المادة السابق ذكرها على أن يكون التعويض وفق السعر الرائج، إلا أن المحاكم لم تطبق ذلك بحجة عدم وجود تعليمات تنفيذية بذلك، فتلك مادة دستورية وليست قانون تحتاج للوائح تنفيذية واستمرارها بالاستملاك وفق النهج القديم.
لم يقف الأمر عند الاستملاك والاعتداءات على حق الملكية المقدس بل تعدى الأمر إلى الحرمان من الملكية بموجب توصيات وتعاميم أمنية وإدارية قيدت حق الملكية للسوريين بموافقات أمنية، هذا اعتداء خطير على حق الملكية المقدس وعلى حق من حقوق الإنسان، فلا يستطيع السوري الشراء إلا ضمن الحدود الإدارية لمحافظته وأضف على ذلك منعه من الانتفاع والاستغلال لعقاره أيضاً باشتراط الموافقة الأمنية على عقود الإيجار والاستثمار.
وزاد الطين بلة تلك القوانين والمراسيم الصادرة بعد /2011/ الغاية منها الاستحواذ على عقارات السوريين ممن هجروا وتشردوا في أصقاع الأرض فكانت مجموعة قوانين تستهدف ممتلكاتهم مثل ( القانون رقم /10/ الذائع الصيت والقانون رقم /3/ الخاص بالأنقاض والقانون /15/ و /23/… مجموعة كلها تستهدف مناطق معينة للاستيلاء عليها من قبل المتنفذين أصحاب الأموال بحجة إعادة الاعمار.
تلك القوانين المرحلية والآنية المخالفة للدستور، ولقواعد المنطق والعدل، بالإضافة للفساد المستشري الذي مكن الكثير من المجرمين من الاستيلاء على عقارات المواطنين بالسلبطة والتزوير مستخدمين نفوذهم وقوتهم وتسلحهم.
ليس أمامنا سوى نشر الفكر القانوني وتمكين الأفراد من المعرفة القانونية كي يتمكنوا من الدفاع عن حقوقهم وممتلكاتهم وحض منظمات المجتمع المدني وأهمها نقابة المحامين لإلغاء القيود على حق لملكية وحمايته من تعسف السلطة واستغلالها لنفوذها في خرق القانون والاعتداء على الحقوق وإعادة الملكيات المصارة بموجب قرارات إدارية، وإلغاء القوانين والمراسيم الجائرة وغيرها من التصرفات المخالفة لمنطق العدالة، والعمل على استقلالية القضاء وتعزيز دوره بمحاسبة المعتدين.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني