حسابات عرب التطبيع مع نظام أسد.. فقاعات وهم حول دور مفقود
حمى التطبيع العربي والإقليمي مع نظام بشار الأسد، تبدو وكأنها مراهنة على تغيير سلوك هذا النظام، أو على الأقل، اكتساب نقاطٍ منه، تعزّز مخاطر ناتجة عن غيابه السياسي، نتيجة رهن نفسه لحليفيه الإيراني والروسي.
هذا النظام المنغلق كبنية سياسية على نفسه ورؤيته، لا يمكنه إنجاز أي تغيير في هذه البنية، ولهذا، فكل سلوكه الإقليمي والدولي الخاص بالحل السياسي، هو سلوك المتشكك الخائف من أي انفتاح يحدّد شروطه الآخرون.
النظام الذي ظنّ متوهماً أنه انتصر عسكرياً على قوى الثورة السورية، غفل أو تغافل عن حقيقة ناصعة، وهي أنه لولا تدخّل إيران وأذرعها في الصراع لصالحه، ولولا تدخّل روسيا بقواتها العسكرية في الربع الأخير من عام 2015، لكان هذا النظام في خبر كان.
هذه الحقيقة، وتحديداً بما يخصّ تدخّل إيران، هي من دفع نظام أسد المحاصر غربياً إلى تصنيع وترويج بضاعة قاتلة اسمها مخدر الكبتاغون، المصنّف على لائحة المخدرات الخطرة عالمياً، والتي يمنع المتاجرة بها، أو تهريبها.
وفق هذه المقدمة المعروفة لدى كل المتابعين للشأن السوري، كيف يمكن فهم دوافع التطبيع العربي والإقليمي مع نظام مرتكبٍ لجرائم حربٍ، وجرائم ضد الإنسانية، بحقّ الشعب السوري، الذي يحكمه بالقوة.
المطبّعون العرب يعرفون هذه الحقيقة، وهم عجزوا من قبل عن وضع خطة حقيقية تساعد السوريين في إنهاء نظام الاستبداد والقهر والفساد الرهيب، أو هم كاحتمالٍ آخر، لم يرغبوا بإسقاط هذا النظام بأيد ثوار سورية، خوفاً من انتشار فكرة الحريات والديمقراطية إلى بلدانهم، وهم يحكمونها بغير إرادة شفّافة من شعوبهم.
وباعتبار أن الصراع العالمي على أشده بين الغرب الديمقراطي والشرق الروسي/الصيني/الإيراني الشمولي، فمن الطبيعي أن يلجأ الأخيرون على استمالة البلدان الخليجية والعربية عن طريق جعل النظام يغرق بلدانهم بالكبتاغون، أو اختيار التطبيع معه، من أجل عقد صفقة مع هذه البلدان، تنصّ على مساعدة النظام اقتصادياً، وقبوله ضمن الحظيرة العربية، مقابل وقفه لإنتاج وتهريب المخدرات إليهم.
هذه الحقيقة هي من يقف خلف حمّى التطبيع المجّاني مع نظام أسد، هذا التطبيع غير مدروس في أروقة بيوتهم السياسية، وبالتالي فهم غير قادرين على تغيير بنية هذا النظام المرتهن لإيران التي تريده واجهة سياسية تمارس من خلفها التغلغل في البلدان العربية وفق رؤية تشظّي هذه البلدان ليسهل ابتلاعها عبر خضوعها “للملا الأكبر” أو من يسمونه وكيل المهدي المنتظر حتى خروجه من سردابه المجهول.
إن حسابات التطبيع العربية هي غيرها حسابات التطبيع الإقليمية، ونقصد بالتطبيع الإقليمي سعي تركيا لإدارة الصراع في سورية من منطلق القوة العسكرية التركية الموجودة على الأرض السورية. فالعرب، الذين أنشأوا ما يسمى بجيش الإسلام، أنشأوه لحماية دمشق الخاضعة لنظام الاستبداد من السقوط على أيدي ثوار سورية، وهم من منع فعلياً كمشغلٍ لهذا الجيش من اقتحام العاصمة السورية وإنهاء احتلالها من ميليشيات أسد وحليفاته الميليشيات الطائفية التي جلبتها إيران إلى سورية للدفاع عن نظام ملحق بها.
الأتراك الموجودون عسكرياً في الشمال السوري يريدون من وجودهم منع القوى العابرة للوطنية السورية من تهيد حدودهم، ونقصد بالقوى العابرة للوطنية ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” وهي ذراع عسكرية يقبض على قرارها مقاتلو حزب العمال الكردستاني التركي الأصل، الهابطون من جبال قنديل العراقية حيث مخابئهم هناك.
الأتراك، وبوساطة روسية، أرادوا أن يأخذ النظام موقفاً من ميليشيا “قسد”، وأرادوا أن يوافق النظام على الامتناع عن أية عمليات عسكرية في الشمال المحرر، ليساهم ذلك كخطوة أولى بعودة ملايين اللاجئين إلى هذه المنطقة، مما يساعد في تحييد ورقة اللاجئين عن اللعبة السياسية، التي أرادت المعارضة التركية استخدامها كورقة حشد انتخابي لصالحها.
الأتراك لم يقدّموا أي تنازل سياسي أو ميداني يخدم نظام أسد ويقويه، بل أنهم ربطوا التطبيع معه بخطوات مشتقة من القرار 2254، بما يخص العودة الآمنة للاجئين السوريين لديهم إلى بلادهم. وهذا ما صرّح به الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان حين قال بالفمّ الملآن نحن لن ننسحب من سورية قبل أن يطبّق الحل السياسي وفق القرارات الدولية، وقبل سحق أي تهديد من الميليشيات الكردية الخاضعة لإرهابيي حزب ال PKK.
على العكس من ذلك عمل العرب، فقد هرولوا نحو تطبيعٍ مجانيٍ، دون أي التزام من نظام أسد بمبادرتهم العربية، ودون تعهد إيراني للسعوديين بقفل الملف السوري وفق الحل السياسي الدولي، وهو ما يجعل جهدهم السياسي في عودة النظام الأسدي مجرد جعجعة إعلامية لا أفق لها، فهم لا يملكون قوى مسلحة على الأرض السورية، والنظام يستطيع تمويل نفسه عبر تهريبه لمخدر الكبتاغون وكذلك تهريبه الأسلحة نحو هذه البلدان، لزعزعة أمنها واستقرارها.
العرب لم يفكّروا بعمق أن نظام الأسد المحاصر بقانوني الكبتاغون وقيصر الأمريكيين هو ميت سريرياً، فلولا وجود ميليشيات إيرانية وقوات روسية على الأرض السورية لقامت حاضنته الموهومة به على الخلاص منه ومن استبداده.
والعرب تناسوا عن قصدٍ أن من يبقي النظام الأسدي الميت حيّاّ بالقوّة هم الإيرانيون، وأن النظام لا يجرؤ على القيام بأي مسعى بدون موافقة صريحة من ملالي طهران، ولهذا، لا يمكن لهؤلاء العرب أن يدعوا أنهم أعادوا مقعد سورية لأهلها، فهذا المقعد ستشغله إيراني بقناع وجه الأسد، والذي قال ذات يوم أنه لا يهتمّ للهوية العربية.
إن التطبيع جريمة بحق الشعب السوري المكلوم والجريح، وهو مشاركة لعدو هذا الشعب بجرائمه، وأن الخلاص من قذارة نظام قاتل وصانع للمخدرات والحشيش لا يتمّ عبر إعادته إلى الجامعة العربية، بل يتم عن طريق دعم عربي فعّال للشعب السوري، لتمكينه بالخلاص من هذا النظام الفظيع، وبدون هذه الحقيقة، لا ينبغي الادعاء كذباً، أن إعادة نظام أسد للجامعة هو إعادة سورية لدورها العربي. فنظام أسد ليس سورياً، لأنه قتل السوريين ودمّر مدنهم وقراهم، وهو ليس عربياً، بتبعيته لإيران مذهبياً هو هويته.
السوريون ينتظرون صحوة عربية تقودهم لاحترام أنفسهم وشعوبهم ومناصرة الحق وليس ترويج الأباطيل. فهل ستأتي هذه الصحوة؟.