حسابات الحقل الروسي والبيدر الأمريكي سورياً
يعتقد كثير من متابعي الموقف السياسي للإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة تضع ملف الصراع في سوريا في خانة الاهتمامات الأمريكية الأقل أهمية، وهذا موقف غير صحيح، والدليل على ذلك ماذا يفعل جنود أمريكيون في منطقة الجزيرة والفرات؟ من الذي أتى بهم؟ من استدعاهم للتدخل؟.
إن حجة محاربة داعش دفعت الأمريكيين لحشر أنفهم في فبركة أجادوا استخدامها، فهم لعبوا إلى جانب قوى دولية أخرى باختراع داعش التي يمكن توظيفها لشغل موقع في الصراع السوري، وهذا موقف واهتمام، ولعل دعمهم لحزب PYD التابع لحزب العمال الكردستاني التركي لا يتمثل جديا” بهذا الأمر بقدر تشغيل هذه الحالة لمحاولة إرباك تركيا الناهضة بقوة اقتصادية وعسكرية عن التقدم بتنميتها الواضحة.
الأمريكيون يريدون التحكم بمفاصل تطور الاقتصادات العالمية وهذا ما يسعون إليه في محاولتهم لخلق حصار مسبق حول الصين والكتلة الآسيوية، لهذا هم يقدمون جوائز ترضية للروس والإيرانيين لمنعهما من الانضمام لتحالف مع العملاق الصيني.
ولكن هذه السياسة الأمريكية مع حلفها الإنكلوسكسوني بريطانيا وأستراليا هي سياسة صائبة بالمعنى الاستراتيجي؟
يبدو أن هذه السياسة ستكون لها منعكسات على المجموعة الأوربية وعلى حلفاء الولايات المتحدة التقليديين وتحديداً في مجموعة دول الشرق الأوسط، فهناك تغيير في بنى العلاقات وأهميتها بين هذه المجموعات، تحدده أولوية مصالح الولايات الاستراتيجية، ولكن مع هذا التغير ستنشأ شروط وظروف جديدة لتوازنات تنشدها دول أوربا والشرق الأوسط، وهذه قد تشكل عوامل إضعاف للاستراتيجية الأمريكية، تكون الأخيرة قد أهملتها في حساباتها.
إذاً، السياسة الأمريكية تنوس بين إشغال تركيا عن تنميتها، وبين رمي قطع حلوى لإيران وروسيا لمنعهما من الالتحاق بالعملاق الصيني، هذا في الشرق الأوسط، مع انسحاب تدريجي عن حماية أوروبا.
إن الأمريكيين الذين يلجون عالم الرأسمال الأكثر توحشاً ويحاولون السيطرة على حركة التطور والتنمية في العالم سيكونون بلا شك أحد ضحاياه، وإن شعوب العالم لن تدعهم يلعبون بمستقبلها ومصائرها.