fbpx

حركات النزوح والعودة من مخيمات الشمال السوري

1 312

“نازح” هي الكلمة التي رافقت أكثر من نصف الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية، بسبب سياسة التهجير والقصف وتكميم الأفواه التي اتبعها نظام الأسد، وقيادات الثورات المضادة من جبهة النصرة وداعش وقسد، وحتى أمراء الحرب الذين أصبحت الحرب هي قوت يومهم.

ومع تجدد القصف الآني، وتغير خارطة السيطرة العسكرية على المناطق المتنازع عليها، كانت أعداد النازحين بازدياد مستمر، وحتى مسمى النازح كان يتطور مع تطور الأحداث شيئاً فشيئاً، وأصبحت المخيمات تنتشر في الشمال السوري، حتى أصبحت أكثر من النقاط المأهولة بكثير، وبدأت تتطور تلك المخيمات لتصبح بيتاً جديداً بدل بيوت من نزحوا، وقد تصبح وطناً لأطفال ولدوا وترعرعوا فيها.

وبما أن المخيمات هي آخر الملاجئ التي تعتبر آمنة نسبياً لأناس فقدوا بيوتهم وأراضيهم وأمانهم فقد أولتها منظمات المجتمع المدني الكثير من الاهتمام، ولكن الأعداد المهولة التي تدخل المخيمات، وحركات النزوح غير المحسوبة، والتي تتبع حركة المعارك، تجعل من الصعب جداً تأمين الاحتياجات اللازمة لمعيشة هؤلاء الناس، وتضع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تحت ضغط الضجيج الإنساني، والإعلام، وغضب الشارع.

وفي الآونة الأخيرة قام عدد من المنظمات بعمل الكثير من الدراسات تستطيع قراءة الخارطة، لتكون كدليل إرشادي لباقي العاملين في الشأن الإنساني، بحيث تكون مرجعاً ودليلاً يستطيع من يرغب الاستدلال به ليعلم أين يوجه دعمه أو كيف ينسق، بحيث لا تذهب جهوده سدى، وتصل للمتضررين في الوقت المناسب.

وأصدرت في الأيام الماضية “وحدة تنسيق الدعم” المعروفة اختصاراً (ACU) دراسةً تحت عنوان “حركة النزوح والعودة من مخيمات الشمال السوري” أحاطت فيها موضوع النازحين الجدد في مخيمات الشمال، كما وضعت يدها على أهم أسباب النزوح من وإلى المخيمات، وأهم متطلبات من يعيشون تحت سقف الوطن معنا ولكن لا يظلهم سوى قطعة قماش. 

وعرفت الدراسة النازحين بـ “الأشخاص الذين أجبروا على ترك مواقعهم الأصلية إلى مواقع أخرى داخل سورية، ومضى على تركهم مواقعهم شهر على الأقل. والنازحون إما أن يكونوا نزحوا من موقع آخر داخل سورية، أو أنهم نزحوا داخل سورية بعد عودتهم من دولة أخرى”.

ونوهت الدراسة بداية لـ “تضمن هذه الدراسة معلومات التعداد السكاني لمخيمات

شمال سورية، ويتم تحديث هذه الدراسة بشكل شهري، حيث يتتبع باحثو وحدة إدارة المعلومات IMU في وحدة تنسيق الدعم ACU، الموجودون في كافة المخيمات ضمن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، حركات النزوح الجديدة التي تتوافد إلى المخيمات والمغادرين الذين يخرجون من المخيمات، حيث تعرض هذه الدراسة العدد الكلي للنازحين ضمن المخيمات ونسبة الجنسين، وأعداد النازحين الجدد خلال الشهر الأخير، وأهم احتياجاتهم، والمغادرين والأسباب التي دفعتهم لمغادرة المخيمات، كما تتطرق الدراسة إلى توفر الخدمات الأساسية ضمن المخيمات، وتقديم هذه الخدمات، وأصحاب القرار ومزودي الخدمات الأساسين.

وذكرت الورقة التي تمت على 20 من التجمعات 315 مخيم و491075 فرد موزعين على 89284 عائلة أن أهم أسباب القدوم للمخيمات كانت “وجود الأقارب، ثم أن الأوضاع الأمنية في المخيم أكثر أماناً من مناطق سكنهم الأصلية، وتوفر الخدمات الأساسية، ومنهم من يستقر فيها ريثما يتمكن من الدخول إلى المخيمات النظامية، وغيرهم لتوفر المساعدات الإنسانية، يليها الاستقرار المؤقت ريثما تتحسن أوضاعهم أو يجدوا أماكن تحقق لهم الاستقرار، ولتوفر فرص العمل، وأخيراً الاستقرار مؤقت ريثما يتمكنون من عبور الحدود”.

أما عن أسباب مغادرة النازحين لمدنهم وبلداتهم الأصلية توصلت الدراسة لعدة أسباب هي: أن تلك المناطق “لا تقدم المساعدات الإنسانية، كما أنها لا توفر فرص عمل، بالإضافة لعدم توفر الخدمات، كما تخوف الكثير من تغير السيطرة عليها، يضاف لها القصف والاشتباكات، وعمليات التفجير، وعمليات السطو المسلح والاختطاف”.

وعلى الجانب الآخر ذكرت الدراسة أسباب مغادرة العائلات في تلك المخيمات لغير مخيم والتي تتخلص بـ “عدم توفر فرص العمل الموائمة، ومحدودية المساعدات التي تصل إليهم، والخدمات أيضاً، ومنهم من يغادرها لأسباب شخصية لا أكثر”.

وعن أولويات النازحين الجدد لتلك المخيمات ذكرت الدراسة: “توفير مادة الخبز، والمواد الغذائية وسلل الغذاء، ومواد المأوى من فرشات وبطانيات، وسلل النظافة، وبالطبع حاجتهم للخيام لعدم توفر المسكن المناسب، لتختتم بتوفير نقطة طبية أو آلية مناسبة للوصول إليها”.

وتذيلت الدراسة معلومات حول الخدمات الأساسية ومدى توفرها في المخيمات من كهرباء وماء وصحة واتصالات ودلت جميعها على تدني تلك الخدمات، ومع ذلك يرضى النازحون بها مقابل مناطقهم الأصلية التي دمرت عن بكرة أبيها وأصبحت تلك الخدمات فيها من الماضي السحيق، ولا يمكن أن تتوفر خلال السنوات القادمة، وعلى رأسها الأمان الذي فقدوه على جميع الأصعدة.

ورغم الجهود التي تقوم بها جميع المنظمات الإنسانية لجعل حياة المخيمات أسهل لمن نزحوا إليها، تبقى حالة النزوح من أكثر الحالات ألماً وانكساراً وتبقى شاهداً على وحشية نظام هجر أكثر من نصف شعبه ليحافظ على كرسي الحكم، وتبقى المخيمات دليلاً على وحشية الاحتلالين الروسي والإيراني، وتخاذل الدول الصديقة للشعب السوري ومن خلفها دول العالم أجمع، وسيبقى أطفال المخيمات تلك البراعم التي نبتت بين الصخور لتثبت للعالم أن الغد سيكون أجمل، وبأن الشعب السوري سينزع شوكه بيده ولا حاجة له بأي مساعدة.


“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

1 تعليق
  1. Mutaz ABDULLA says

    الله يرجع النازحين عبلادهم… بارك الله بجهودكم استاذ سائد 💐

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني