fbpx

حرب اللغات واللهجات في سوريا

0 297

بدأت الهجرة القسرية لبعض الأقوام إلى سوريا في بداية القرن الماضي، نتيجة الحروب في عدد من البلدان نتيجة ما كانت توفّره سوريا للفارين من هول المعارك والمجازر من أمان كانت تشهده وفرص العمل والعيش الرغيد وحسن الاستقبال.

بدأت قوافل القادمين من الشركس وقسم من الكرد إلى مناطق أخرى في سوريا، كذلك الأرمن وقلة قليلة من اليونانيين الذين ما زالوا يسكنون منطقتي الحميدية وعرب الشاطئ الواقعتين جنوب مدينة طرطوس ومازالوا محافظين على لغتهم الأم والمطعمة باللغة العربية حتى الآن. كذلك الأمر بالنسبة لبعض الكرد والشركس والأرمن الذين حافظوا على لغتهم مع تطعيمها باللغة العربية وحتى بلهجات المناطق التي سكنوا فيها.

إضافة الى الغجر الرحل..

ومع حرب 1947 واحتلال اليهود لفلسطين ومن ثم نكسة خمسة حزيران ازداد نزوح الآلاف المؤلفة إلى سوريا وهنا حدث تغير ديموغرافي إضافة إلى تنوع اللهجات وتطعيمها باللهجة السورية.

وحتى قبل أن يحتل اليهود فلسطين وبعض الأراضي العربية، كانت هجرة اليهود من ألمانيا إلى فلسطين للبحث عن الأمان، حيث أن أحد الأصدقاء الفارين حديثاً إلى ألمانيا شاهد على أحد الأرصفة كتابة منقوش عليها كتابات باللغة الألمانية وضعت تكريماً لأناس سكنوا في هذه البقعة قديماً، هم من اليهود اللذين تعرضوا لاضطهاد شديد من قبل النازيين.

إحدى تلك الحجارة نقش عليها “هنا كان يسكن فلان، ولجأ إلى فلسطين”، وكلمة “لجأ” أي هرب.

ومع بداية الحرب الأهلية اللبنانية، شهدت سوريا وبكل مدنها نزوحاً من لبنان لسوريا. في البدء استقبلتهم الدولة السورية في المدارس مع تأمين الطعام واللباس والأدوية لهم وخلال أقل من أسبوع كانوا من أكثر المهجرين المتوزعين في بيوت السوريين. وهنا ظهرت اللهجة اللبنانية المطعمة باللهجة السورية، التي بدورها متنوعة اللهجات، زادت حلاوة لهجة السوريين المطعمة باللهجة اللبنانية، كما لا ننسى طبعا حدث نزوح اللبنانيين أيام الاحتلال الإسرائيلي للبنان.

وفيما بعد، وبعد الحرب الطاحنة بين العراق وإيران التي استمرت لأكثر من عشر سنوات، أيضاً استقبلت سوريا الفارين من تلك المعارك وبدأت تُسمع اللهجات العراقية مع السورية واللغة الفارسية مع العربية وتبادل المفردات وكل أدوات التواصل.  

سوريا التي استقبلت عبر التاريخ الحديث الملايين من المهجرين من هول الحروب ببلادهم، سوريا الآن ومن سنوات قليلة تم تهجير أكثر من ثلث سكانها خارج الخارج أي بأصقاع الأرض ومعاناتهم مع تعلُّم لغات الدول المضيفة ومنها اللغة الألمانية مثلاً.

أما بالنسبة إلى التهجير الذي حصل داخل المدن السورية، نجد أن دمشق العاصمة استقبلت أكثر من سبعة ملايين سوري نازح من مناطقهم. وبينما تسير في شوارع دمشق تسمع اللهجة الديرية بجانب اللهجة الحمصية والحلبية والإدلبيه ولهجات ريف دمشق لدرجة أن أذنيك وحواسك ونبضك تشتهي أن تسمع اللهجة الشامية.

هامش: 

في الستينيات عُرض المسلسل السوري صح النوم لدريد لحام ونهاد قلعي على شاشة التلفزيون المصري، وبعد عرض الحلقة الثالثة، جرى إيقاف بث المسلسل لأن المشاهد المصري لم يفهم اللهجة الشامية.

هامش 2: كأن سوريا رحلت وسكنت مكانها اللغات واللهجات.

إضافة إلى تلك المناطق، نزح مئات الآلاف من المناطق الداخلية، من حمص وحلب وغيرها إلى الساحل، فسكنوا في طرطوس واللاذقية وريفيهما. وكانت الأعداد كثيرة، حتى أن محافظة طرطوس استقبلت وحدها مليون ضيف مهجر من مدينة حلب، خصوصاً حلب الشرقية، وقد كان تعدادهم يتساوى مع تعداد سكان المحافظة. لذلك تجد اللهجة الحلبية تسير بجانب اللهجة الساحلية في طرطوس واللاذقية.

“وأبوس روحك” الجملة الحلبية المشهورة، صار يرددها الطرطوسي أكثر من الحلبي، أما الحلبي فصار يردد الجملة الطرطوسية الشهيرة “عيني ربك عيني” أكثر من الطرطوسي.

ومع تأزم الحالة السورية وتدخل الكثير من الدول والمجموعات والأفراد من كل أنحاء العالم، ازداد عدد اللغات واللهجات في سوريا بعد أن أضيفت لها لغات ولهجات المتدخلين الجدد. ومن هنا تجد اللغة الروسية والتركية والإيرانية والأمريكية والفرنسية والأفغانية والشيشانية والباكستانية، والتي أضيفت إلى اللهجات التي دخلت سوريا من قبل، مثل الخليجية والتونسية والليبية واللبنانية.

ومن اللافت أنك حين تسير بمنطقة كالرقة، تسمع كل اللغات واللهجات بالعالم باستثناء اللهجة الرقاوية الحزينة، التي أصبحت غريبة وسط لغاتهم ولهجاتهم الغريبة جداً.

الآن تسير في شوارع سوريا فتتلوث كل حواسك بسبب احتلالنا من تلك اللغات واللهجات التي احتلت حواسنا.

هامش المتن 

يا عيب الشام عليكم.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني