ثقافة الغرب وثقافة الإسلام والعرب
الأوربيون شعب يتكون من عدد من الإثنيات العرقية المختلفة، ووفقا لدراسة ألمانية نشرت في العام 2002 يبلغ مجموع هذه الإثنيات نحو 87 إثنية أو شعب، منها عدد 33 هي إثنيات كبيرة وتشكل الغالبية في بلدانها ومن أهمها: (الروس؛ الألمان؛ الفرنسيين؛ الإنجليز؛ الإيطاليين؛ الأوكرانيين؛ الأسبان والبرتغال وجميعهم تجمعهم ثقافة واحدة تقوم على التراث المسيحي اليهودي.
وهذا المصطلح شائع جداً حالياً في العالم الغربي وهو يشير إلى الرابطة المشتركة بين اليهود والمسيحيين، وأنهما يكوِّنان شيئاً واحداً.
إن التراث اليهودي المسيحي من المكونات الرئيسية للحضارة الغربية، فالمسيحيون يقدسون التوراة، والتي يطلقون عليها اسم العهد القديم الذي يشكل القسم الأول من الكتاب المقدس لدى المسيحيين في حين يعتبر العهد الجديد القسم الثاني منه؛ وفيما مضي اتسمت العلاقة بين اليهود والمسيحيين بالتقلب، ولكنها في القرون الاخيرة تحولت للتحالف بعد نشوء الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم قيام إسرائيل لأسباب دينية، حيث تأثرت البروتستانتية باليهودية.
وعطفا على ما سبق فان ثقافة الأوربيين تقوم على (الديانة المسيحية) والحضارة (الرومانية؛ اليونانية)؛ كما تجدر الإشارة أن للأوربيين صفة مميزة اتصفوا بها منذ قديم الزمان وتميزوا بها عن بقية شعوب العالم ونذكر منها ما يلي:
– القسوة الشديدة لدرجة جعلت التعذيب والقتل عندهم نوعاً من التسلية.
– حلبة الموت الرومانية (الكولسيوم) في وسط روما كانت هي مصدر التسلية والترفيه لكل المجتمع رجالاً ونساء وأطفالاً، فالأسرة بكاملها كانت تحضر إليها لمشاهدة الأسود المفترسة التي يتم تجويعها ثم إطلاقها على الأسرى الذين يتم إدخالهم إلى الحلبة مع زوجاتهم وأطفالهم فتلتهمهم الأسود الجائعة وتقطعهم إربا وسط ضحكات واستمتاع الحضور.
– كانوا يجبرون أسراهم على أن يتقاتلوا فيما بينهم فيجبر الصديق على قتل صديقه.
– كانت مسابقات المبارزة التي تنتهي بالموت هي اللعبة الأكثر شعبية لدى الجماهير الأوروبية الرومانية القديمة؛ لهذا نجد أن الحروب الأوربية التي يقتل فيها الملايين كانت أمرا متكرر الحدوث بينهم؛ ومثال ذلك ما يلي:
– حرب الثلاثين عاماً التي قتل فيها ما يزيد عن أحد عشر مليون شخص ونقص فيها سكان ألمانيا من عشرين مليوناً إلى ثلاثة عشر مليون، ونتج عن ذلك نقص كبير في عدد الرجال فجعلوا تعدد الزوجات إجبارياً.
– حرب السنوات السبع بين بريطانيا وفرنسا حيث قتل فيها ما يزيد عن أربعة عشر مليون إنسان.
– حروب نابليون حيث قُتل فيها أكثر من ستة ملايين إنسان.
– الحرب الأهلية الروسية قتل فيها ما يزيد عن تسعة ملايين إنسان.
– حروب فرنسا الدينية قتل فيها نحو أربعة ملايين.
– الحرب العالمية الأولى التي بدأت بين النمسا وصربيا قتل فيا ما يزيد عن عشرين مليون إنسان.
– الحرب العالمية الثانية التي بدأت باجتياح ألمانيا لبولندا قتل فيها نحو خمسة وثمانين مليون إنسان.
– والحروب والمجازر الأوربية أكبر من أن تحصى في هذه المقالة، وكلها حروب ومجازر دموية مروعة يتم القتل والتعذيب فيها بوسائل رهيبة لا تخطر على البال، ومن أمثلة ذلك نجد التمشيط بأمشاط الحديد، واستخدام النشر بالمنشار؛ وسحق العظام بآلات الضاغطة، واستخدام الأسياخ المحمية على النار، وتمزيق الأرجل، وفسخ الفك، كما استخدموا مقلاع الثدي لخلع أثداء النساء من جذورها، والتابوت الحديدي، وكرسي محاكم التفتيش الذي يحتوي على مسامير في كل نقطة منه وهلم جرا.
وبقسوتهم هذه أحدثوا في العالم دماراً وخراباً هائلاً للبشرية؛ فاتجهوا غرباً إلى أمريكا مسحوا سكانها من على وجه الأرض مستخدمين أبشع الوسائل التي لا تخطر على عقل بشر؛ ومن ذلك:
– أنهم كانوا يقدمون مئات البطاطين الملوثة بجراثيم الجدري والسل والكوليرا كهدايا للسكان الأصليين لتحصدهم دون أدنى جهد وقد قتلوا بذلك الملايين من السكان الأصليين خلال عقود قليلة.
– كما عملوا جوائز مالية لمن يأتي برأس أحد السكان الأصليين من الرجال أو النساء أو الأطفال، ما جعل الصيادين ينتشرون في أرجاء القارة الأمريكية يجلبون الرؤوس بأعداد هائلة، ثم اقتصر الأمر على فروة الرأس ليسهل عليهم الحمل.
– وأصبح الكثير من الصيادين يفتخرون بأن أحذيتهم مصنوعة من جلود البشر.
– وقد تطور الأمر وأصبحت هناك حفلات للسلخ والتمثيل يحضرها كبار المسؤولين الأوربيين.
– فأبادوا أكثر من مئة مليون من السكان الأصليين في أمريكا؛ والنتيجة تغيير كامل لسكان أمريكا ليحل محلهم الأوربيون.
ومنه نجد كل دول أمريكا الشمالية والجنوبية اليوم يملكها الأوربيون بإثنياتهم المختلفة:
– فالبرازيليون هم برتغال وإسبان.
– والأرجنتينيون هم إسبان وإيطاليون.
– ونجد أن معظم سكان أمريكا الجنوبية هم إسبان إضافة للإثنيات الأوربية الأخرى خاصة في تشيلي؛ الأورغواي؛ كولومبيا؛ فنزويلا؛ وغيرها.
وعندما اتجه الأوربيون نحو أفريقيا حولوا (الرق) إلى تجارة مثل (تجارة الماشية)، فقد كانت الحكومات الأوروبية هي التي تحتكر تجارته، وتضع القواعد المنظمة لهذه التجارة، وكانت أسهم شركات تجارة العبيد هي الأعلى ربحاً؛ وبعد تحرير تلك التجارة والسماح للشركات الخاصة بالعمل في هذا المجال أصبحت تلك الشركات تصدر كميات مهولة من الأفارقة إلى الدول الأوربية ومستعمراتها في كل أنحاء العالم؛ فالشركات الفرنسية لوحدها كانت ترسل ما لا يقل عن مئة ألف أفريقي سنوياً إلى المناطق التابعة لفرنسا في أمريكا؛ أضف إلى ذلك الشركات الأسبانية والإنجليزية والتجار الإيطاليين والألمان والبرتغال وغيرهم؛ ويقدر عدد الأفارقة الذين تم إرسالهم إلى الأميركيتين بالملايين؛ وكل ذلك كان عملاً مقبولاً تصدر له الحكومات الأوربية التصاريح اللازمة ويستثمر فيه الشعب أمواله من خلال شرائه لأسهم هذه الشركات؛ هو ما فعله الأوربيون في أمريكا وأفريقيا.
أما في آسيا فقد فعلوا شيئاً عجيباً فقد كانت الحكومات الأوربية تتاجر في المخدرات!! فقد صدرت بريطانيا أول شحنة من المخدرات إلى الصين في العام 1781 وبعد أن بدأت مشاكل الإدمان تظهر على الشعب الصيني أصدر إمبراطور الصين أول مرسوم بتحريم استيراد المخدرات فأرسلت بريطانيا وفرنسا سفنهما وجنودهما إلى الصين لإجبارها على فتح أبوابها لتجارة المخدرات بالقوة؛ وبذلك استطاعوا أن يهزموا الصين ودخلوا بكين ومن ثم أجبروها على توقيع اتفاقية (تيان جين) في عام 1858 بين الصين والأوربيين ممثلين في كل من (بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا) وفي هذه الاتفاقية تم تحديد الأفيون بصفة خاصة من بين البضائع المسموح باستيرادها، كما تم إلزامها في هذه الاتفاقية بالسماح بنشر المسيحية في الصين؛ وكان من ثمار هذه الاتفاقية أن ارتفع عدد المدمنين في الصين من مليوني مدمن عام 1850م ليصل إلى 120 مليوناً سنة 1878م، واستمر العمل بهذه الاتفاقية حتى العام 1911.
إن ما سبق ذكره يمثل عرضاً موجزاً لطبيعة بشرية تأصلت فيها القسوة بأبشع صورها لم تنجح في تغييرها المدنية والتحضر، فالذي يعف أن يفعله الإنسان الجاهل المتخلف يفعله الأوربي المتحضر؛ ففي التاريخ المعاصر شهدنا مجازر البوسنة التي قتل فيها نحو 300 ألف مسلم واغتصبت فيها نحو 60 ألف امرأة وطفلة مسلمة، وهجّر نحو مليون ونصف مسلم؛ واستمرت المجازر لنحو 4 سنوات هدم الصرب فيها أكثر من 800 مسجد بعضها يعود بناؤه إلى القرن السادس عشر، وأحرقوا مكتبة سراييفو التاريخية، ووضع الصرب آلاف المسلمين في معسكرات اعتقال، وعذبوهم وجوعوهم حتى أصبحوا هياكل عظمية.
ولعل أبشع ما حدث كان هو مجزرة (سربرنتيشا) الشهيرة التي حاصرها الصرب لمدة سنتين ولما لم يستطيعوا أن يدخلوها بالرغم من تجويعها طلبوا من أهلها تسليم أسلحتهم مقابل الأمان، وبعد أن سلموا أسلحتهم انقضوا عليهم وعزلوا الذكور عن الإناث، وجمعوا 12،000 من الذكور (صبياناً ورجالاً) فذبحوهم جميعاً طعناً بالسكاكين، ومثلوا بهم أبشع تمثيل، وذلك في مرأى من القوات الهولندية المسؤولة من حماية المدينة.
ومن أسمج ما قام به الأوربيون قبل سنوات ما حدث في العراق من تعذيب بشع قامت به القوات الأمريكية (80% من الأمريكان في الأصل هم إنجليز وإيرلنديين وألمان) فقد تفجرت الفضيحة في العام 2004 فقد قاموا بعمليات قتل واغتصاب وانتهاكات رهيبة في سجن أبو غريب، حيث تمت عمليات اغتصاب منظمة للنساء، وهتك لأعراض الرجال، إضافة إلى استخدام الكهرباء والكلاب ووسائل التعذيب كافة، فقد مارس الجنود الأميركيون 13 طريقة في تعذيب السجناء العراقيين تبدأ من الصفع على الوجه والضرب، وتنتهي بالاعتداء الجنسي، واللواط، وترك السجناء والسجينات عرايا لعدة أيام، وإجبار المعتقلين العرايا الرجال على ارتداء ملابس داخلية نسائية، والضغط على السجناء لإجبارهم على ممارسة أفعال جنسية شاذة وتصويرها بالفيديو، كما كانوا يجبرون السجناء العرايا على التكدس فوق بعضهم بعضاً.
لقد كانت ثمرة الحروب الأوربية خارج أوروبا أن أصبحوا (هم العالم)، وذلك بامتلاكهم لمعظم الأراضي اليابسة في العالم، فهم اليوم يملكون أمريكا الشمالية والجنوبية بعدما أبادوا سكانها الأصليين؛ ويملكون أستراليا بعد إبادة سكانها كذلك؛ ويملكون شمال قارة آسيا بكامله، حيث تمتد روسيا من شرق أوروبا لتلتقي مع أمريكا (ما لا يعرفه الناس أن المسافة بين أمريكا وروسيا أقل من أربعة كيلومترات).
إن الإنجليز الذين يحكمون بريطانيا يملكون 16 دولة أخرى، بالرغم من أنها مسجلة كدول ذات سيادة، ولكنها مع ذلك تقع تحت سيادة التاج البريطاني، وتسمى أقاليم ما وراء البحار البريطانية، أشهرها كندا وأستراليا وجامايكا.
كما أن للفرنسيين أراضي شاسعة حول العالم تشكل 13 إقليماً موزعة في قارات العالم المختلفة، وتسمى أقاليم ما وراء البحار الفرنسية.
ولك أن تعلم أيها القارئ أن دولة صغيرة، وشعباً صغيراً مثل الدنمارك أصبح يمتلك مناطق خارج أوروبا أكبر من دولته بعشرات المرات، مثل غرينلاند، وجزر الفاو.
وبذلك أصبح الأوربيون يملكون مساحات هائلة تفوق حاجتهم بأضعاف كثيرة، معظمها من أغنى المناطق في العالم، وبذلك فهم يمتلكون كميات مهولة من الثروات التي لا تنضب؛ وحققوا مقداراً من الرفاهية غير مسبوق على مدار التاريخ؛ بسيطرتهم على العالم.
وبالرغم من ذلك فما زالوا يعملون على إكمال سيطرتهم على العالم، من خلال إنشائهم لأكبر حزب سياسي لا ديني في العالم: (منظمة البنائين الأحرار) التي ينتمي إليها الكثير من قادة دول العالم، وكبار رجال المال والأعمال، والإعلام فيه، ومنهم كثيرون في السودان مندسون في مؤسسات الدولة.
كل هذا الانتشار الرهيب نتج عنه استلاب كامل لعقولنا؛ فعندما ينظر أحدنا للناس في أوروبا أو أمريكا أو آسيا أو أستراليا، ويجدهم يلبسون نفس اللبس، ويأكلون نفس الأكل، ويلعبون نفس اللعبة؛ يظن أن عليه أن يفعل مثلهم؛ باعتبار أن هذا ما يفعله كل العالم، ولا يعلم أنهم (نفس الناس) الذين يحملون نفس الثقافة في كل هذه القارات.
وبذلك أصبحت عقولنا أسيرة لهم، نجري خلفهم، ونحتمي بهم من بعضهم؛ هم يستغلوننا عندما يتنافسون فيما بينهم، أو تختلف وجهات نظرهم في قضايا تخصهم، فيضغطون على بعضهم بدعم هذا أو ذاك.
وفي واقع الامر إننا في أمس الحاجة لأن نحرر عقولنا التي أصبحت لا تسمع ولا تبصر إلا ما يرونه، وهذا هو التحرير الذي نعنيه في هذه المقالة، تحرير لا يشبه تحريرهم الذي يقوم على الإبادة الجماعية، وسحق الآخر واستئصاله، فنحن نتبع لدين كرّم الإنسان ورفع من قدره، دين جعل تحرير العبيد عبادة؛ وفي الحرب منع قتل النساء والأطفال، وأوجب حسن معاملة الأسير: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، دين كان رسوله يقول لأصحابه في الحرب: انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً؛ ولا طفلاً صغيراً؛ ولا امرأة….؛ ويقول: استوصوا بالأسارى خيراً.
ويبقى السؤال مطروحاً مفتوحاً على مصراعيه متى تنهض هذه الأمة وتتحرر من قيود سيطرة الأوروبيين؟ فلنحرر عقولنا وأفكارنا من أجل نشر رسالة الخير والسلام.
“مقال مختصر ولم أتطرق لجميع ما ارتكبه الغرب من جرائم بحق البشرية سابقاً ولاحقاً في العصور كافة، خاصة القرون الوسطى وما تلاها”.