تقرير يدق ناقوس الخطر حول الأوضاع في شمال غرب سوريا
دائماً ما كانت لغة الأرقام هي الأوضح في المعنى وأدق في الوصف من لغة الكلام العادية في التعبير عن حجم أي مأساة مهما كانت كبيرة، أو حتى لوصف تغييرات مهما كانت دقيقة.
في وقتنا الحالي أصبح الإحصاء علماً بحد ذاته تعتمد عليه باقي العلوم لأجل إنشاء نظرياتها، كما تعتمد عليه الدول لوضع خططها الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.
أما في زمن الحروب وتضارب الأخبار يبقى الإحصاء هو المرجع الوحيد الذي يمكّن صانعي القرار مهما كانت مكانتهم من اتخاذ التدابير اللازمة للحد من الأثر المدمر التي تنتجه تلك الكوارث والعمل على تفاديها مستقبلاً.
وفي الثورة السورية، ورغم هول المأساة، وتعدد الأطراف التي أرخت بظلالها على الأزمة، والإحصائيات غير الحقيقية التي ينشرها النظام السوري كل فترة، كان هناك جهات مستقلة تتمتع بالموثوقية الشعبية والدولية تقدم تقارير تبين فيها حجم الأزمة التي تتعرض لها البلاد، ما يدفع الكثير من الدول وفي مقدمتهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الأمم المتحدة من اتخاذ تدابير لحماية المدنيين ومحاولة انتشالهم من أضرار الحرب التي تحدث في بلادهم.
وفي وقت غاب به الشمال السوري تقريباً عن تصدر المشهد العام قدمت منظمة “منسقو استجابة سوريا” تقريراً دورياً حول التركيبة السكانية في منطقة شمال غرب البلاد يثبت بالأرقام تزايد أعداد القاطنين في تلك المناطق وازدحاماً سكانياً غير مسبوق، ويدق ناقوس الخطر لأزمة سكانية واقتصادية تتفاقم رويداً رويداً قد تصل بعد فترة لمرحلة المأساة الطارئة، والتي يجب التعامل معها منذ الآن.
وذكر التقرير الصادم الذي قدمته المنظمة الحقوقية غير الرسمية، البارحة الجمعة، بأنه شمل فقط مناطق إدلب وريفها وريف حلب الغربي وريف حماة الغربي، مستثنياً مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”.
وبالمقارنة بين التقرير الذي أصدرته ذات الجهة قبل أربعة أشهر نلاحظ ارتفاعاً على جميع المستويات في التركيبة السكانية للمناطق المذكورة سابقاً، فقد ارتفعت نسبة السكان في الـ كم2 الواحد من 998 نسمة لتصل لـ 1003 نسمة بإجمالي وصل لـ 4186704 مواطن بينهم 2098614 مقيم و2081507 نازح موزعين بين المدن والأرياف.
أما عدد الأطفال في المنطقة فقد ارتفع من 685226 طفل ليصل لـ 694533 بنسبة توازي تقريباً 16.5%.
وكان للفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع مكان في التقرير الذي قال إن عدد الأيتام وصل لـ 197856 بعد أن كانوا قبل أربعة أشهر 196442، حيث وصل عدد الأطفال الأيتام لـ 35% من عدد الأطفال الكلي، أما ذوي الاحتياجات الخاصة فارتفع عددهم ليصل 199318، والأرامل 46302، وتعتبر هذه الأرقام هي الأعلى على الخارطة السورية، ما يزيد من عبء عمل المنظمات الإنسانية لتأمين مستلزمات تلك الفئات وحمايتها.
وأفرد التقرير قسماً خاصاً للمخيمات التي شهدت هي الأخرى تزايداً في أعدادها التي أصبحت 1293 مخيم مقارنة بـ 1277 مخيم في التقرير السابق، يسكن في تلك المخيمات حوالي 1043689 نازح من المناطق التي شهدت مصالحات مع النظام السوري أو تم اقتحامها منه خلال السنوات السابقة.
أما ما أثار الجدل بين أوساط الناشطين والمتابعين هو نسبة الخلل في التركيبة السكانية التي حدثت في المنطقة بسبب حالات النزوح المتكررة والتغير الديموغرافي الذي حصل على الخارطة السورية على مدار تسع سنوات من التهجير، فقد ذكر التقرير أن الخلل ارتفع من 1.86% لـ 2.23% لتصل النسبة الكلية لحوالي 15.16%.
ويبقى السؤال الذي يتردد بعد قراءة أي تقرير أو إحصائية هل سيبقى المواطن السوري عبارة عن رقم يُذكر لبيان حجم مأساة يحياها منذ قرابة العشر سنوات، أم أن الدول الفاعلة في الملف السوري ستعلم أن تلك الأرقام هي أرواح وقصص ومستقبل لبلاد يجب إنقاذه قبل أن يفوت الأوان؟
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”