fbpx

تفسير بواطن الحروف في رسالة رامي مخلوف

0 725

من الطبيعي جداً أن نشهد هذا التفاعل
اللامحدود مع الحدث “الجلل” الذي دفع شخصاً، بحجم رامي مخلوف، للظهور في
بثّين مباشرين خلال الفترة بين الأول والثالث من الشهر الجاري.

فالسوريون عموماً، بمواليهم ومهجّريهم،
يدركون وزن ذلك الشاب الذي برز نجمه عقب تسلّم ابن عمته السلطة – وراثةً – عن أبيه
حافظ الأسد منتصف عام 2000، ويخبَرون أيضاً مدى ارتباطه وتحكّمه بمقدراتهم ومقدرات
البلد الاقتصادية والخدمية طيلة العقدين الأخيرين.

ولن نبالغ إذا أقسمنا على اختراقه لجانبٍ
على الأقل من جوانب الحياة اليومية المرتبطة بجميع السوريين المقيمين داخل مناطق
النظام. فشركتا الهاتف الخليوي، سيريتل وmtn  وحدهما، كفيلتان بذلك الاختراق
كونهما الوحيدتان العاملتان في سوريا، ناهيك عن امتلاكه حصص الأسد – نقصد الأفريقي
– في كل ما يرتبط بالبنوك، وبشركات الإسكان والمقاولات، والنقل البري والجوي
والبحري، والشحن والحوالات والصرافة، ووكالات السيارات، ووسائل الإعلام، والمعامل
والمصانع بدءاً من الألبسة وصولاً إلى المنتجات الغذائية.

في البثّ “المزدوج” لرامي، جاء
الثاني أكثر وضوحاً ومباشرة من الأول الذي شهد اختلافاً وتفاوتاً في التحليلات
والتأويلات بين مَن شكّك في جدّيته وصدقية مضمونه، وبين من قال بأنه استجداء
وتوسّل، وبين من أكّد وجود نزاع مباشر داخل “المزرعة الأسدية/سوريا
الأسد”، ومنهم من ربط خلاف رامي مخلوف بأسماء الأخرس حصرياً.

ولا غرابة في تبنّي شريحة واسعة من
الموالين والشبيحة، وخصوصاً من أبناء الطائفة، فرضية ضلوع أسماء في نشوب الخلافات
والاشتراك في قضايا الفساد، شأنها بذلك شأن محافظ حمص على سبيل المثال أو وزير
التربية أو الكهرباء وغيرهما ممن تقع عليهم مسؤولية تردّي الأوضاع كلما اقتربت
دائرة النقد من رئيسهم “المفدّى”، بالرغم من علمهم بعلاقته المباشرة بكل
شاردة وواردة تصيب البلد.

على أية حال، جاءت رسالة رامي الثانية
لابن عمته مختصرة وحاسمة وواضحة الدلالة والمعنى، أو كما يقول المثل “المكتوب
مبيّن من عنوانه” إذ جعل من الآية الكريمة {وَكَانَ حَقًّاً عَلَيْنَا نَصْرُ
الْمُؤْمِنِينَ} عنواناً لرسالته الثانية بعد أن استخدم في بثه الأول عبارة {كُنْ
مَع الله ولا تُباليْ} وشتّان بين العنوانين. وأيضاً حين خاطب رامي ابن عمته قائلاً
بالفم الملآن: “أنا لن أتنازل” وحين أنهى الرسالة بـ “إذا لم تتم
معالجة الموضوع فهناك مشكلة كبيرة.. الله يساعدنا”.

رامي في عبارته الختامية أراد تصدير
الفكرة التالية لجماعته: “في حال عدم التغاضي عن حصتي في المزرعة فلديّ من
القوة ما تمكّنني – مرغماً – من مواجهة (الكبير) وخلق مشكلة كبيرة لن تنهيها سوى
قدرة الله”.

في الواقع، يمتلك مخلوف من الأموال
والاستثمارات والسطوة داخل البلد – عدا أرصدته واستثماراته الخارجية – ما يمكّنه
من شراء جيش دولة كامل، بمواصفاته الفنية و”التعبوية”. كما لا يخفى على
أحد حجم التمويل الذي يقدّمه للميليشيات الخاصة بالطائفة ولعناصر وقادة الدفاع
الوطني على امتداد الساحل والداخل. كل ذلك يجعلنا ندرك بأن مخلوف ليس كبقية رموز
وأركان الطائفة والنظام مطلقاً.

والسؤال الآن: طالما هو يمتلك تلك
المؤهلات، ما غايته من مخاطبة بشار وكبار جماعته وإطلاق وعيده وتهديده عبر البث
المباشر؟ ألم يكن بمقدوره تنفيذ ولو جزء بسيط من تهديداته أو عدم الاكتراث بمطالبات
الأسد/أسماء، بدفع المليارات سبب الخلاف، دون إعلان رفضه على الملأ؟

الجواب على هذا السؤال يستلزم منّا عرض
حقيقتين/مسلّمتين: الأولى، إن رسالة مخلوف موجهة – فقط – لجماعته من أفراد الطائفة،
بوصفهم المُلّاك الحصريون للبلد/المزرعة، بمكّوناتها الاجتماعية. ومن عاشر تلك الدائرة
عن قرب يعلم جيداً ما قصدناه.

والمسلّمة الثانية، ويعرفها أيضاً من
كان قريباً منهم، إن غالبية أبناء الطائفة – باستثناء العقلاء والمثقفين منهم وغالبيتهم
في صفوف المعارضة القديمة – يضعون حافظ الأسد ونسله بمراتب “آلهة” حامية
لوجود الطائفة واستمراريتها بصرف النظر عن كل الخلافات والصراعات داخل العائلة
والطائفة، وفي أحسن الأحوال تجد بعضهم يشبّه حافظاً، وخلفاءه، بموسى مخلّص الطائفة
من الاستعباد والعذابات والمظلمة التاريخية.

تلك المسلّمة ثبّت دعائمها حافظ الأسد
منذ استيلائه على السلطة في 1970 بتطبيقه سياسة التجهيل والإهمال المتعمّد لقرى
وبلدات الريف الساحلي ذات الأغلبية العلوية، واضعاً سكانها أمام خيارين، إما
الانخراط في المؤسسة العسكرية والأمنية وإما القعود وتقديم الولاء والطاعة مقابل
(خديعة) حمايته لهم من “الغريب” – وهو المصطلح الذي يتعاطونه فيما بينهم
والمقصود به أي فرد سوري من خارج الطائفة –.

هذه النظرة “القدسية” تفسّر
لنا لغز تنزيه تلك الفئة من الطائفة لحافظ ونسله من أي ذنب أو فساد يمارس في
البلد، من منطلق المفهوم الذي نتبناه جميعنا وفحواه: إن الآلهة أو الأنبياء،
بالرغم من وجودهم وعلمهم المطلق بكل ما يُرتكب، ليسوا مسؤولين عن المعاصي والذنوب
والشرور التي يرتكبها بقية العباد أو التابعين، وإنما هم مسؤولون فقط عن الخير
والعطاء!

وعليه، فإن كل عنصر خارج دائرة حافظ
الأسد، الخالد (الأبد)، المؤسِّس (الأزل)، يبقى مجرد تفاصيل هامشية ومؤقتة يجب أن
تزول.

بالنسبة لمخلوف – الذي لا يشكل ربع قوة
رفعت الأسد في أيامه – فبمجرد تفكيره بمواجهة مصيرية مع الأسد الابن، كما فعل رفعت
وغيره مع الأب، فسيتم التعامل معه من قبل الطائفة كما تم التعامل معنا حين أعلنّا
الثورة، بل وأسوأ.

ورامي يدرك هذه المسلّمة جيداً، وهذا
ما دفعه للّجوء إلى مخاطبة وجهاء وشركاء “المزرعة” الآخرين للتدخّل لدى /المعصوم/
الأكبر خليفة “الخالد”، وطلب المغفرة منه عبر التغاضي عن تلك المليارات مقابل
قربان أو صفقة ما.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني