تعزيز مفهوم الجندر
حاز مفهوم الجندر اهتمام بعض القانونيين والاجتماعيين والسياسيين فأخذ مساحة من التشريعات والقوانين لبعض الدول المصنفة عالمياً متحضرة مثل (السويد، ألمانيا) متطورة في بنيتها القانونية والدستورية.
ولتماهي المفهوم مع مبادئ حقوق الإنسان، كونه يلغي التمييز على أساس النوع الاجتماعي بين الأفراد، ولتضمنه تحقيق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص بين الأفراد، بغض النظر عن جنسهم، فالتعامل على سوية واحدة من الجميع لا فرق بين امرأة ورجل.
كرست الأمم المتحدة مفهوم ومصطلح الجندر في برامجها الهادفة لتعزيز حقوق الإنسان وحقوق المرأة فأنشأت اللجان والاتفاقيات (لجنة حقوق المرأة واتفاقية سيداو واتفاقية بكين) والهدف الأساسي القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
لم يغب هذا المفهوم عن مجتمعاتنا، بل تنامى في المنظمات العاملة في مجالات التنمية والمؤثرة في المجتمع، ودخل حيز التعامل لبعض الدول العربية، حيث كانت تونس السباقة في هذا المجال، فتمتعت المرأة التونسية بحقوق أفضل من نظيراتها في الدول العربية الأخرى، بتضمين تونس لقوانينها ودساتيرها المساواة التقريبية بين المرأة والرجل أو ما يسمى (بجندرة القانون أو الدستور) بمعنى أن يكون منسجماً مع هذا المفهوم الحقوقي الإنساني.
ما هو الجندر
تعرف منظمة الصحة العالمية الجندر “المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعياً، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية” يعني الدور الاجتماعي لكل من المرأة والرجل، هذا الدور الخاضع لعوامل عدة منها الدين، والمجتمع، والاقتصاد، والسياسة والزمان، والمكان كلها عوامل مؤثرة بتحديد الدور الاجتماعي للمرأة والرجل وهذه العوامل متغيرة بحسب الزمان والمكان ولأن الدور المرسوم اجتماعياً وتربوياً للفرد، حسب نوعه رجل أو امرأة، فهو متغير أيضاً حسب تطور المجتمع ويختلف من مجتمع لآخر يفيد ذلك أن الأدوار مكتسبة لا علاقة لها بالعضوية ذكر أم أنثى بل خاضعة للمتغيرات التربوية والاجتماعية بغض النظر عن الطبيعة العضوية فالاختلاف بالمفاهيم التربوية والمجتمعية يساهم بإزالة الفوارق بين الأدوار بما يكفل الوصول إلى المساواة الحقيقة بين المرأة والرجل في المجالات كافة فالقضية الذكورية والأنثوية ليست عضوية إنما تربية اجتماعية متغيرة .
إلى ماذا يقودنا مفهوم الجندر وما هي المصلحة في تعزيزه وتضمينه في الدساتير والقوانين؟
الجندر يعني الدور الاجتماعي للرجل والمرأة فما هو مخصص للمرأة من أدوار يختلف عما هو مخصص للرجل اجتماعياً، والسائد أن الأدوار الرئيسية في الاقتصاد والاجتماع والسياسة للرجل، بينما دور المرأة في تلك المجالات ثانوي أو مهمش ومعدوم أحياناً، ويقتصر في الغالب على الإنجاب والتربية دون تقييم لهذا الدور اقتصادياً، لذلك نجد الرجل الأقوى بما ضمنته له البيئة الاجتماعية والقانونية والاقتصادية من مكانة لا تستطيع المرأة منازعته أو حتى مجاراته فيها.
ومن العبث أن نقول إن مفهوم الجندر يعطي المرأة حق المنازعة والسيطرة واقتناص الأدوار بل السعي للمساواة بالرجل في كل الأدوار وخلق بيئة جديدة تعطي للفرد دوراً حسب الكفاءة والمقدرة العلمية والعملية، فليس على أساس الجنس يعطى الدور الاجتماعي ويذلك نكون قد ساهمنا بتحقيق العدالة، ونقل المجتمع من مجتمع تسوده الفوارق والتمييز بين أفراده إلى مجتمع منسجم مع المفاهيم الإنسانية والحقوقية سيما أن الجدوى الاقتصادية لتطبيق المساواة وجندرة الدستور والقوانين سيفضي حتماً إلى ازدهار اقتصادي وتطور للمجتمع، فمن العبث هدر موارد نصف المجتمع وخنق طاقات تمكنه من التطور، فالمرأة تمثل في بعض المجتمعات ولا سيما العربية أكثر من نصف المجتمع. لنتصور أن نصف المجتمع معطل مستهلك غير منتج فلو مكنا هذا النصف من الدخول في مجالات الاقتصاد والسياسة و.. نحصل على نتيجة كالتي حصلت عليها الدول الغربية.
هدر الطاقات بإقصاء المرأة عن أدوار معينة وحجرها في أدوار نمطية مخالف لمبدأ المساواة الذي يفضي حتماً إلى التطور. فتمكين المرأة اقتصادياً يحفز الإنتاج والنمو الاقتصادي الطبيعي للمجتمعات الإنسانية.
انطلاقاً من ميثاق الأمم المتحدة الهادف لتحقيق التعاون الدولي على تعزيز حقوق الإنسان، والحريات الأساسية للناس جميعاً، والتشجيع على ذلك دون تمييز بسبب اللغة أو الدين أو الجنس دعمت الأمم المتحدة حقوق المرأة كونها جزء من حقوق الإنسان.
كان للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعية العامة في 10 كانون الأول /1948/ الذي يؤكد على: “يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق ولكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولاسيما بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين.. أو المولد أو أي وضع آخر”
كان للحركة النسوية الدولية دوراً في تعزيز حقوق المرأة وإكسابها دعماً أممياً، وزخماً خلال السبعينيات حيث أعلنت الجمعية العامة سنة 1975 السنة الدولية للمرأة.
نظمت المؤتمرات العالمية وعقدت الاتفاقيات الدولية لتعزيز التعاون في مجال حقوق المرأة فتنامت الحركات والمنظمات والجمعيات النسوية على المستوى الدولي وأصبحت داعماً لحقوق الإنسان على مستوى العالم إنها ضامن للمساوة وعدم التمييز، والملفت للنظر أن هذه المنظمات النسوية المنبثقة من الجهود النسوية – في الدول التي عدلت وغيرت في قوانينها ودساتيرها لتكون منسجمة مع مفهوم الجندر – فالنجاح أثمر وعمت الفوائد تلك المجتمعات.
خير سبيل إلى تنمية مستدامة وسلام شامل هو تحقيق العدالة والمساواة بين المرأة والرجل لأنه حتماً سيقودنا لتحقيق وإتمام لحقوق الإنسان كاملة غير منقوصة.
الوعي لأهمية مفهوم الجندر وعدم الخلط بينه وبين مفاهيم قاد إليها بعض المتخلفين المنكفئين على التجمعات والأحزاب الدينية التي تتعارض مصالحها مع مفاهيم الحرية والديمقراطية وإشراك المرأة وعدم إقصائها وتهميش دورها.
لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة علينا شرح مفهوم الجندر، ونشر الثقافة القانونية، وتمكين المرأة قانونياً، والسعي إلى تعديل القوانين بما ينسجم مع حقوق الإنسان، سيما في الدول الموقعة على اتفاقية (سيداو) بإلغاء تحفظاتها التي تفرغ مضمون توقيعها، لنصل لتحرير المرأة اقتصادياً وتكون مستقلة حرة لا تخضع لضغوط الحياة المعيشية ومناصرتها في كل القضايا، وسياسياً بتمكينها من الوصول إلى مراكز صنع القرار.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”