fbpx

تطبيعٌ أم مُظاهرةُ مجرمين؟!

0 198

بعد كارثة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية، تبدّلت وتغيّرات مواقف عدد من الدول اتجاه نظام أسد تحت غطاء الواجب الإنساني في تقديم المساعدات الإنسانيّة للمتضرّرين من الكارثة، وتطوّرت مواقف البعض من هذه الدول من مواقف إنسانيّة إلى مواقف سياسيّة تشكِّل تطوّراً جوهريّاً في تعاملها مع هذا النظام حيث كانت قد أخذت مواقف متشدّدة منه وتبنّت إجراءات عقابيّة وفرض منظومة من العقوبات على كبار مُجرميه، ومن هذه الدول الولايات المتحدّة الأمريكيّة، والمملكة العربيّة السعوديّة التي استقبلت وزير خارجيّة أسد وردّت الزيارة من خلال ارسال وزير الخارجيّة السعودي السيد فيصل بن فرحان بن عبد الله ولقائه رأس النظام المجرم، وزيارة وزير خارجية مصر ولقائه به، وزيارة وزير خارجية أسد الى تونس، بالإضافة لمساعي الإمارات ومصر والجزائر والبحرين الضغط على باقي الدول العربيّة لتطبيع العلاقات معه.

ويُعتبر وقف العمل بقانون قيصر من قبل الإدارة الامريكيّة هو التحوّل الرئيسي الذي فتح الباب لهذه الدول للقيام بعمليات التطبيع والذي يُفسّر بأنّه ضوء أخضر أمريكي للدول العربيّة للقيام بذلك على أمل تحقيق تقدّم في عمليّة الضغط على النظام لتقديم شيء من التنازلات لصالح خطّة السلام الدوليّة، كما يأتي هذا التطبيع في سياق المقاربة الأممية التي تبنّاها المبعوث الدوليّ السيد بيدرسون لدفع النظام للسماح باستئناف عملية التفاوض بينه وبين المعارضة.

كل هذه التحركّات والإجراءات جاءت بأثر عكسي حيث فسّرها النظام بأنّها رضوخ المجتمع الدوليّ له، وهذا الرضوخ هو نتيجة انتصاره على المؤامرة الكونيّة عليه، ما زاد في تعنّته ووقاحته وتمرّده على المجتمع الدوليّ، واستعلائه على العرب.

إنّ عمليات التطبيع هذه مع نظام أسد المجرم يمنحه الشعور بالانتصار على العرب، مما يُعمّق ارتباطه الاستراتيجي مع إيران، لأنّه سيعزو فضل هذا “الانتصار” المزعوم لإيران.

والجميع يعلم أن سقف التحركات العربيّة طرح القضايا الإنسانيّة فقط، مثل مشكلة جوزات السفر، مشكلة دخول المساعدات الانسانيّة، التخلّص من عبء اللاجئين ورميهم في أتون أسد المجرم، فليس هناك مصالح معتبرة للدول العربيّة بتطبيع العلاقات معه كون هذه القضايا تعتبر قضايا دوليّة وليست قضايا ثنائيّة وهي من أهم قضايا الحلّ النهائي للصراع في سوريّة، ولا يمكن حلّها بإرادة منفردة من قِبل أية دولة.

لذا فإن عمليّات التطبيع “المجّاني” ستساعده على التهرّب من المسؤوليّة القانونيّة عن تلك الجرائم وتُمكِّنهُ من الإفلات من العقاب، وتُمكِّنه أيضاً من الاستمرار بارتكاب الفظائع بحق الشعب السوريّ وهي إحدى صور الاشتراك الجرمي.

الاشتراك الجرمي الذي يقابله مصطلح “الممالأة” في الشريعة الاسلاميّة كما عرّفهُ الفقه القانوني: هو ارتكاب جريمة من قبل عدة أشخاص، قد يكون التقاؤهم على مسرحها مجرد مصادفة، أو قد يعقدون بينهم اتفاقاً، بعد مداولة وتقليب رأي، ينطلقون بعدئذ مجتمعين أو متفرقين، إلى ارتكابها.

الممالأة: هي اشتراك الجماعة في قتل الواحد غِيلة.

وحكمها: قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ يَجْتَمِعُونَ فِي قَتْلِهِ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بِهِ، وهو ما ذهب إليه سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وسيدنا علي بن بي طالب وسيدنا عبد الله وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم وَغَيْرُهُمْ.

ومن صور الاشتراك الجرمي المشاركة الفعليّة في الجريمة ويُسمّى هذا النوع من الشركاء “فاعلين أصليّين”.

ومن صوره أيضا دفع الغير لارتكاب الجريمة مستغلّين “عتهٍ أو جنونٍ” ويُسمّى هذا النوع من الشركاء “فاعلين معنويّين”.

ومن صوره أيضاً التحريض والتدخّل قبل ارتكاب الجريمة، أو في أثناء ارتكابها أو بعده ويسمّى هذا النوع من الشركاء بـ ” المتدخّلين ” الذين لولا مساعدتهم لما ارتكب المجرم جريمته، أو تسهيل ارتكابه الجريمة لمصلحة مادية أو معنوية ومساعدته أو معاونته على الأفعال التي هيأت الجريمة أو سهلت إنجازها، وإخفاء معالم الجريمة أو إخفاء أحد مرتكبيها، بموجب اتفاق، وأخيراً تقديم طعام أو ملجأ لأشرار يعرف طبيعة أعمالهم في قطع الطريق أو ارتكاب أعمال عنف ضد الدولة أو ضد الممتلكات.

وتعتبر مساعدة المجرمين على التهرّب من المسؤوليّة القانونيّة أو الشرعيّة، وتمكينهم من الإفلات من العقاب أحد صور التدخّل الجرميّ وبالتالي أحد أبواب الاشتراك الجرمي.

وبناءً عليه فإن تطبيع العلاقات مع نظام أسد المجرم دون تحقيق أي تنازلات جدّيّة من قِبله تتعلّق بالانتقال السياسيّ وإطلاق سراح المعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين، ودون تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة النظام وكبار مجرميه على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة التي ارتكبوها بحقّ الشعب السوريّ، وتنفيذ القرارات الدوليّة ذات الصِلة وخاصّة القرار “2118” لسنة 2013 والقرار “2209” لسنة 2015، يعتبر شراكة في جرائمه باعتبار أن عمليّات التطبيع “المجّاني” ستساعده على التهرّب من المسؤوليّة القانونيّة عن تلك الجرائم وتُمكِّنهُ من الإفلات من العقاب، وتُمكِّنه أيضاً من الاستمرار بارتكاب الفظائع بحق الشعب السوريّ وهي إحدى صور الاشتراك الجرمي.

ومن هنا نوجه ندائنا للأشقاء العرب ونقول لهم:

أيّها الأشقاء: إنّا لكم من الناصحين، لا تكونوا ظهيراً للمجرمين. قال الله تعالى: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ). فالتطبيع مع نظام أسد الطائفي المجرم المارق مُظاهرة للمجرمين وعوناً لهم، وشراكةً في الوزر والإثم، وليس هناك مصلحة مهما عظُمت تُبرر هذه الشراكة مع هذا النظام المجرم الآيل للزول، بعد ثبوت إجرامه ومروقه على القانون الدوليّ الإنساني، وتمرّده على القانون الدوليّ، وتحوّله إلى شرٍّ مُطلق لم يسلم أحد من شرّه سوريّاً كان أو غير سوريّ، عربيّاً كان أو غير عربيّ، مسلماً كان أو غير مُسلم، فهذا النظام هو اقذر وأحطّ أنواع “الميكافيلّلية” التي تتخذ مبدأ الغاية تُبرّر الوسيلة في الوصول إلى غاياتها أو الحفاظ على مكتسباتها، أو في ممارسة خصوماتها أو صداقاتها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني