fbpx

تدمير الثورة والبلاد بطرق خبيثة

0 892

انتهى فصل جديد، هو الخامس عشر في مسرحية مفاوضات أستانا، التي كانت فكرة روسية خبيثة دمرت المعارضة وأنقذت النظام بموافقة تركية إيرانية. فاتفاقيات مناطق خفض التصعيد التي أقرتها أستانا في 2018، مكنت روسيا وإيران والنظام استرجاع مساحات كبيرة من الأراضي المحررة على يد الجيش السوري الحر. واليوم يسيطر الأسد ولو شكلياً على حوالي 60% من الأراضي السورية. بينما يشرف فقط على 17% من الحدود البرية، في وقت خرجت عن سيطرته كل المطارات والموانئ ومصادر الثروة وحتى قيادات عسكرية وأمنية مهمة أصبحت تتلقى تعليماتها من طهران أو موسكو. والأسد نفسه لم يعد حاكماً فعلياً لسوريا بل إن إشارة واحدة من موسكو تجعله يركض إليها أو إلى سوتشي أو إلى حميميم أو إلى قلب دمشق إلى مقر القيادة العسكرية السورية لمزيد من إهانته واحتقاره.

وبالرغم من كل ذلك الضعف والفشل وفقدان القرار في نظام الأسد الفاسد، فإنه يصرح أحياناً ويتصرف وكأنه الحاكم الفعلي الحريص والإنسان البريء، الذي يتعرض للإرهاب والمؤامرة الكونية. ولكن من يدعمه من الحلفاء يعرفون “البير وغطاه” و “دافنينو سوا”. فهو أمامهم كالأرنب، وقد كبل البلاد باتفاقيات خطيرة أفقدتها سيادتها وثرواتها وكل قدراتها الاستراتيجية المتوفرة وأقصد السلاح الكيميائي بعد أن استخدمه ومازال في قتل السوريين، قام بإتلاف جزء كبير منه حتى ينقذ جلده من العقاب، علماً أن السلاح الكيماوي صرفت عليه ملايين الدولارات من عرق السوريين وتعبهم لحماية أمن الوطن وليس لحماية كرسي الأسد وعصابته.

وفي بداية 2017 وبعد السقوط المدوي لمدينة حلب الشهباء استطاع الروس بدهائهم أن يبتكروا قصة أستانا وما أدراك ما أستانا حيث ربطوا العديد من فصائل المعارضة المسلحة وورطوها في مفاوضات كانت بداية الخيانة للثورة السورية.

وعلى أساس أن أستانا كانت مخصصة للملف العسكري ودعوا إليها ممثلي الفصائل المسلحة بدون المعارضة السياسية. ولكن من الواضح ان الأمور تطورت لاحقا لدرجة أنها أصبحت تناقش الملفات السياسية والإنسانية من باب تحصيل مكاسب للنظام، ولم يعد لوفد الفصائل أي علاقة بالثورة أو حتى بالقضية السورية فهم أصبحوا ممثلين لأجندة تركيا. حدثني خبير روسي حضر مفاوضات أستانا الأخيرة في سوتشي بأشياء يندى لها الجبين. قال إن وفد النظام لا يفارق الوفد الإيراني، بينما وفد المعارضة يجلس في المقهى وينتظر الأوامر من الوفد التركي عندما يحتاجونه ينادونه إلى القاعة، كشهود زور في محكمة المحتلين للبلاد على وأد الثورة وعلى خيانة طموحات السوريين ودماء الملايين الطاهرة وعلى حماية مصالح الطغمة الأسدية الحاكمة.

وبعد أن نجحوا في أستانا قام الروس باختراع سوتشي ومؤتمراتها السياسية التي بدأت في 2018 بكرنفال “سوري” هزلي كبير انبثق عنه فكرة تشكيل لجنة الإصلاح الدستوري بموافقة وتنسيق مع الأمم المتحدة ورضى أمريكي طبعاً.

وهكذا تم الالتفاف على مقررات جنيف في 30 حزيران/يونيو 2012 وعلى قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، الذي ينص على ضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالية يتبعها تأسيس مجالس عسكرية وقضائية وغيرها تقود المرحلة الانتقالية ويتم خلالها صياغة دستور من قبل السوريين وفي دمشق بإشراف وطني حر ومستقل دون إملاءات خارجية. ثم تُجرى انتخابات برلمانية ورئاسية وتطبق العدالة الانتقالية لإرجاع الحقوق لأهلها.  

هذا هو المنطق، حيث يجب البدء بعملية سياسية وليس بصياغة دستور. والأنكى من ذلك أن اللجنة الدستورية المعنية بصياغة الدستور (وهذا معروف للجميع على أنه خداع وكذب) فقد استغرقوا 3 سنوات تقريبا في تشكيلها بتدخل دولي مباشر. وعقدت اللجنة خمسة اجتماعات لم ينتج عنها أي شيء مفيد بل كانت مضيعة للوقت بالنسبة للسوريين وكسباً للوقت بالنسبة للنظام وحلفائه لكي يلعبوا لعبتهم كاملة داخل سوريا وينتظرون الظروف الدولية والإقليمية المناسبة لكي يكملوا إجهاض الثورة وإقناع شعوب المنطقة والعالم كي لا تفكر بأي ثورة وبأي حرية لأنها ستؤدي إلى الدمار فقط. علماً أن الدمار والقتل والجرائم قام بها الأسد وعصابته وحلفاؤه في ظل دعم أو صمت وتخاذل دولي وعربي وإقليمي. 

وهكذا لم يكتفوا بحرف الثورة عن مسارها السلمي بل أدخلوها في الأسلمة والعسكرة، واستقدموا إلينا كل حثالات الأرض من قوى وميليشيات إرهابية دينية وقومية شكلت النواة المضادة للثورة. وهنا أكملوا خططهم الخبيثة بأستانا وسوتشي وجنيف وكلها إما تخدم النظام مباشرة أو تذر الرماد في عيون السوريين والعالم.

فالنظام السوري لا يريد إلا الحل العسكري الأمني القمعي، الذي حظي بدعم روسي وإيراني. 

ولكن بعد انتهاء العمليات العسكرية بدأت تفترق المصالح بين روسيا من جهة وإيران والنظام من جهة أخرى. فروسيا تريد إعادة الإعمار وحلاً سياسياً على مقاسها، لكي تستفيد وتجني الأرباح، بينما إيران لديها أيديولوجيا قومية طائفية توسعية.

وعندما فشلت الجولة الخامسة للجنة الدستورية منذ أيام بسبب تعنت النظام واستهتاره بعملها وحتى بالسعي الروسي لحلحة عمل اللجنة الدستورية من أجل إيهام العالم في جدوى هذه اللجنة.  عندها هرعت الدول التي تسمي نفسها ضامنة وهي فعلاً ضامنة ولكن لمصالحها فقط، ولا علاقة لها بالشعب السوري، فقامت بعقد اجتماع عاجل لنسخة أستانا في سوتشي في 17 شباط/فبراير والهدف الحقيقي هو إيجاد فصل جديد من المسرحية الهزلية الخبيثة لخداع السوريين والعالم بأن اللجنة الدستورية مهمة ويجب إنجاح عملها علماً أن تلك الدول لا تفعل شيئاً عملياً لإجبار النظام على التعاون، وقد اعترف المبعوث الأممي بيدرسون بأن النظام لا يتعاون.

ثم إن الدستور لم يكن هو مشكلة السوريين بل قام الشعب السوري في ثورة سياسية شعبية طالبت بتغيير النظام السياسي من استبدادي إلى نظام ديمقراطي يسوده القانون واحترام حقوق المواطن وحرياته وكرامته. 

وللأسف يشارك في أستانا دائماً إلى جانب الوفود الثلاثة “الضامنة” وفدان سوريان بالاسم هما وفدا المعارضة والنظام. وحضورهما رمزي بحت ولكنه مفيد سياسياً للدول الضامنة، علماً أن الوفدين لا يشاركان في المفاوضات ولا في التوقيع على البيان الختامي، وإنما يحضران كشهود زور فقط ويساهمون في تمرير خيانة الشعب السوري.

إنها مسرحيات هزيلة تبيع الهواء للسوريين ويمكن التأكيد مرة أخرى على حقائق:

1- الدول الضامنة هي ليست ضامنة إلا لمصالحها الخاصة وهي كلها جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل.

2- من المعيب والمخزي استمرار مشاركة ما يسمى “وفد المعارضة” فهو يخدم بامتياز أجندات الدول “اللاضامنة”.

3- والغريب أن موضوع الاجتماعات والمفاوضات واللقاءات هو سوريا، ولكن السوريين غائبون عملياً وليس لهم دور فعلي في تقرير مصيرهم بل يحضرونهم لتكملة العدد كشهداء زور وأحياناً لا يدعونهم إلى الاجتماعات التي تقرر مصير وطنهم السوري..

4- الهدف من مفاوضات أستانا منذ بدايتها في كانون الثاني/يناير2017 هو إجهاض الثورة وتجسد ذلك باتفاقية مناطق خفض التصعيد، التي خدعت فيه الدول الضامنة المعارضة المسلحة. وهنا لابد من أن نعترف بأن من يشارك في وفد المعارضة حالياً يمثل أجندات دول ولا يمثل حتى نفسه. 

5- الدول الضامنة الثلاثة تحتل أجزاءً واسعة من سوريا وهي تتفاوض فيما بينها لتقسيم النفوذ وتحقيق المصالح على حساب السوريين. والمصيبة أن ذلك يحدث بحضور وأمام مرأى بعض من يسمون أنفسهم سوريين ويدعون أنهم يمثلون الشعب السوري سواء في المعارضة التي باعت الثورة أو في النظام المجرم الذي ارتكب جرائم حرب بحق السوريين.

وما العمل؟

اعتقد أننا كسوريين يجب ألا نعول على كل تلك الجهود بل يجب الإصرار على تطبيق قرارات مجلس الأمن باعتبار الدول الخمس وقعت عليها، واعترفت بها إيران والنظام وتركيا.

وإن توفرت الإرادة السياسية الدولية يمكن إلى حد ما أن تنصف السوريين وتضحياتهم الكبيرة.

ويجب أن نرفع صوتنا الوطني الحر المستقل عالياً. وعلى هيئة التفاوض واللجنة الدستورية الإعلان عن استقالاتهم الجماعية وحل هذه الهيئات التي أصبحت مثلها مثل الائتلاف وغيره من هياكل المعارضة، عبئاً حقيقياً على كاهل السوريين، ومعيقاً لأي حل سياسي عادل.

أصبح همنا اليوم أن نتحرر ممن يتاجر باسم الشعب ولا نستطيع التخلص منه، أي أن بشار الأسد فرّخ نسخاً كثيرة كالسرطان.

لك الله يا شعبنا السوري الجريح

الخزي والعار لكل من تخاذل وخان قضية الثورة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني