fbpx

بين العام والخاص.. التعليم في سورية إلى أين؟!

0 358

لا يخفى على أي متتبع لسير العملية التعليمية في الداخل السوري التحديات التي تعترضها، في ظل التردي المرعب في مناحي الحياة كافة على الأصعدة المختلفة، وخصوصاً الصعيد الاقتصادي في ظل وضع خانق وانهيار متسارع وتضخم يلتهم الأخضر واليابس ويفتك بأنيابه الحادة الشعب المنهك بأحمال تفوق طاقته وتهدد مستقبله ومستقبل أبنائه الذين لم يبق لهم سوى التعليم أفقاً مفتوحاً ولو بقدر ضئيل من الأمل، أمل يعتبره السوريون الضوء في آخر نفق طويل يجتازونه بمرارة ومعاناة فاقت كل حد.

يرزح التعليم العام تحت وطأة أحمال لم يسبق لها مثيل وتحديات تبدو للوهلة الأولى هينة أمام ما ينتظرها من كوارث نتيجة افتقاد لخطة منهجية ناجعة تنتشل هذا الواقع من براثن انهيار وشيك بدأت بوادره بقرارات ارتجالية ومتسرعة تبدو أمام الشعب وكأنها قشة تقصم ظهر أي أمل. وآخرها قرار تحديد أسعار الكتب المدرسية الكاوية، ثم قرار تحديد القرطاسية المطلوبة لكل صف من صفوف التعليم، فبدا كأن الوزارة تدفن رأسها في الرمل ولا تريد أن تعترف باللاجدوى التي تحرق كل قراراتها بل وتضعها بموضع التندر والتهكم والسخط.

وكل الناس يعرفون أنهم يدفعون دفعاً إلى التعليم الخاص والذي بدوره أصبح بديلاً شبه مستحيل للفئة العظمى من المستهدفين بعملية التعلم. نظراً للأرقام الفلكية التي يضعها أرباب العمل الخاص متحدين الأسعار التي سبق وحددتها الوزارة. فصار الأمر وكأن الجميع يدور في حلقة مفرغة ضحيتها الأولى. المتعلمين وضحيتها الأخيرة مستقبل مهدد بالضياع والانهيار المتسارع.

التعليم الخاص في سورية

مثله مثل أي نشاط استثماري ربحي وتنافسي، فإن تزايد أعداد المدارس الخاصة سببه الرئيس هو البحث عن الأرباح الاستثمارية، وقد كان ذلك متاحاً بسلاسة، لعدة أسباب:

أولها تراجع المدارس الحكومية في جميع مستوياتها، بسبب تخفيض الإنفاق على القطاع التعليمي عموماً، بدءاً من تدني مستوى رواتب المدرسين وتعويضاتهم، الذي أدى بدوره إلى تراجع سويّة وأداء بعضهم واعتمادهم على الدروس الخصوصية، مروراً بعدم توفر مستلزمات التعليم، مثل «الوسائل التعليمية الشاملة لجميع المواد، المختبرات ولوازم العمل مثل القرطاسية وغيرها».

ثم واقع المدارس والشعب الصفية والازدحام، وغيرها من الجوانب الأخرى.

ظهور شريحة أثرياء تجار الحرب والأزمة الجدد، والذين انضموا بدورهم إلى طبقة «الأثرياء»، وبالمقابل أصبح من «العَيب» ترك أطفالهم في المدارس الحكومية، من باب «الموضة».

مع عدم تغييب دور الدعايات والترويج والبهرجة التي تستقطب وتستهوي شريحة الأثرياء، وربما تورط بعضهم من بقية الشرائح، وخاصة بالنسبة للروضات الخاصة بسبب انعدام البدائل، وضرورات الالتزام بالعمل التي تفرض نفسها على الأمهات العاملات.

أما الأكثر تضرراً من الرسوم والتكاليف المرتفعة فهم المضطرون إلى التسجيل في المدارس الخاصة من المفقرين الذين حالت ظروفهم للانقطاع عن التعليم في المدارس الحكومية، وأصبحت عودتهم إليها صعبة إن لم تكن مستحيلة، فهؤلاء لا تعنيهم البهرجة وخدمات الـ«VIP» بقدر حاجتهم الحقيقية لاستكمال تعليمهم، وهؤلاء يتركزون غالباً في صفوف شهادات (التعليم الأساسي والثانوي)، ولعل سنوات الحرب والأزمة وظروفها كانت سبباً في زيادة أعداد هؤلاء. وبالتالي، زيادة الاستقطاب من قبل المدارس الخاصة لهم.

تعلن بعض المدارس الخاصة التزامها بموعد محدد لنهاية التسجيل بسبب تزايد الإقبال عليها، وحسب ما قالته إحدى الموظفات المسؤولة عن التسجيل في إحدى المدارس: «سبب الإقبال هو وجود باصات لنقل الطلاب، وساعات دوام المدرسة الخاصة أطول من دوام المدارس الحكومية غالباً، وهاد بيناسب الأم الموظفة، خصوصاً إنو الولد بيرجع ع بيتو خالص دراسة، وهاد الحكي بينطبق ع طلاب المرحلة الابتدائية».

طبعاً هذا لا ينفي أن غالبية المدارس الخاصة تعج بالمخالفات، اعتباراً من الشروط الفنية والصحية لأبنيتها وشعبها الصفية، مروراً بكفاءة وإمكانات الكادر الإداري والتدريسي، وليس انتهاءً بباصات النقل التي تكدس الطلاب «كالمكدوس» داخلها، ناهيك عما يمكن أن توصف به أقساطها ورسومها الخيالية.

كما أن التسجيل في المدارس الخاصة لا يعني الخلاص من الدروس الخصوصية لبعض المواد، وهي على ذلك حالها كحال المدارس الحكومية.

ولا عجب بعد كل ذلك أن يكون تزايد الإقبال على المدارس الخاصة أصبح فعلاً نوع من «البريستيج» و«الموضة»، أكثر منه حاجة وضرورة.

فغالبية المدارس الخاصة تحولت إلى دكاكين خدمات فندقية، تقدم للطلاب مع عوامل الترفيه والكلام الطيب المعسول، بعيداً عن عصا المدير وصوت الموجهة المرتفع، لتطغى هذه النوعية من الخدمات على سوية التعليم المفترض من خلالها، مع عدم التعميم من دون شك.

حسب ما تم نقله على لسان أحد المعلمين المُخضرمين في إحدى المدارس الحكومية من خلال إحدى صفحات «فيسبوك»: «إن المدارس الحكومية ممتازة، وإذا في خلل بشي مادة يمكن للأهل الاستعانة بدروس خصوصية للتقوية، وبالنهاية الطالب هو الأساس إذا كان مُهتماً.. يُبدع، ولا علاقة للإبداع بالخدمات الفندقية التي تقدمها المدارس الخاصة، والكفاءات الموجودة في المدارس الحكومية أفضل من الخاصة بالرغم من تسرب بعض الكفاءات، نتيجة تدني مستوى الراتب وتركيز وزارة التربية على الطلاب وإهمال المدرس، وبالرغم من ذلك جميع المتفوقين يدرسون في مدارس حكومية، ومنهم في مناطق شبه نائية».

فبالرغم من المنافسة غير العادلة بين المدارس الحكومية والمدارس الخاصة، والدعم المباشر وغير المباشر للمدارس الخاصة، إلا أنه لا يمكن لهذه المدارس أن تقوم مقام الدولة لا على المستوى التعليمي، ولا على مستوى الانتشار، ولا على مستوى الإعداد، ولكن يلزمها المزيد والمزيد من الاهتمام، وخاصة على مستوى تحسين رواتب وتعويضات المعلمين المخجلة، مع التأكيد طبعاً على حق التعليم المجاني المُصان افتراضاً، دستوراً وقانوناً.

وبعد..

فما الذي يمكن عمله وماهي الحلول والبدائل؟!

سؤال مشروع يقع في منظومة أسئلة تبدأ من الوضع العام وتنتهي في كل بيت ومدرسة وعند كل طالب وولي أمر.

التغيير يجب أن يفرض نفسه على كل شيء لتستقيم أمور العباد والبلاد.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني