بين الرياض1 والرياض2 هوّة من يردمها؟.. الانتقال السياسي أولاً
من لا يملك قوةً يضعها على الطاولة في مفاوضات مع أعدائه، فلماذا يذهب إلى التفاوض وعلى ماذا يتفاوض؟. هذه حقيقة من حقائق السياسة بشتى وسائلها وأدواتها، فالحرب هي سياسة بطريقة القوة.
هذه المعادلة بين القوة والتفاوض، يجب أن يأخذ بها وفد هيئة التفاوض السورية ووفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية، وبدون الأخذ بهذه المعادلة يمكن القول إن ما يجري مجرد عبث سياسي، يمارسه هواة لا خبرة سياسية لديهم ولا ميزان قوى.
لقد أخذت الهيئة العليا للمفاوضات، التي قادها الدكتور رياض حجاب، خلال عمرها البالغ سبع جلسات، استمرت لقرابة عامين، قراراً واضحاً، هو أن تنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، (2254 و2118 وبيان جنيف1) هو الحدّ الأدنى المقبول لدى الشعب السوري، ولا يجوز التفريط أو الالتفاف على جوهر هذه القرارات، ولهذا، فميزان القوى في هذه الحالة، هو ميزان غير مباشر، يعتمد على صلابة المفاوض عن الثورة والمعارضة، وبالتالي يعتمد على قوة حق التغيير المنشود من وراء التفاوض (الانتقال السياسي من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي)، ويستند إلى حاضنته الشعبية.
الروس الذين لم يعجبهم صلابة موقف رياض حجاب وفريقه التفاوضي، ضغطوا لتغيير الوفد وهيئة التفاوض، وأتوا بفريق وافق منذ الجلسة الثامنة (الأولى لفريق الرياض2) على ورقة ديمستورا التي رفضها رياض حجاب وفريقه، والمسماة (ورقة المبادئ الـ 12 الحية).
هذه الورقة ببساطة لا تشكّل قاعدة للتفاوض، لأنها تخرق القرارين 2118 و2254 وبيان جنيف1، والخرق هنا هو عدم ذكرها لمرحلة الانتقال السياسي وإشراف الأمم المتحدة التام على الانتخابات بعد انقضاء مرحلة الانتقال السياسي، كذلك لذهابها إلى انتخابات تبدو وكأنها تجري تحت رقابة النظام الاستبدادي، الذي ثار السوريون من أجل الخلاص منه.
إن تصلّب وثبات هيئة التفاوض، التي كان يقودها رياض حجاب وإصرارها على تنفيذ القرارات الدولية وفق تسلسلها (هيئة حاكمة انتقالية محددة المدة، صياغة دستور يتم الاستفتاء عليه وطنياً ثم تأمين بيئة آمنة حقيقية وإشراف تام من الأمم المتحدة على إجراء الانتخابات العامة في البلاد) إنما هو إصرار من أجل الانتقال السياسي ومحاسبة كل منتهكي حقوق الإنسان ومجرمي الحرب من كل الأطراف في سوريا.
وهذا ما يجب أن تتبعه هيئة تفاوض تعتبر نفسها فريق تفاوض عن الثورة السورية والشعب المهجّر والنازح تحت الخيام.
أما القبول بورقة اللاورقة التي طرحها ديمستورا ورفضها فريق التفاوض بقيادة رياض حجاب، فهو تنازل صريح عن حق لا يمتلكه هذا الفريق المفاوض، والذي لا يعني الاعتراف من بعض القوى الدولية به، بأنه ممثل شرعي للشعب السوري.
الشرعية يجب أن يكون لها إطار وطني يصنعه السوريون بأنفسهم دون تدخلات أجنبية، أما الأطر المعنية التي تدعي تمثيل السوريين فهي حصيلة ناتجة عن توافقات دولية لا علاقة للسوريين بها.
لهذا ولكي تكسب هيئة التفاوض السورية الحالية ووفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية مشروعية عملها وتمثيلها لقوى الثورة والمعارضة والحاضنة الشعبية، عليها أن تعلن ثوابت التفاوض، على قاعدة تنفيذ حقيقي لكل ما جاء في محتوى القرارات الدولية المذكورة.
الثوابت تعني ببساطة، أولاً تسلسل تنفيذ القرارات الدولية وفق ورودها، (حوكمة، دستور، انتخابات). أما صياغة نصوص تسقط منها هذه التراتبية فيعني نية مبطنة للتخلي عن جوهر القرارات الدولية.
هيئة التفاوض ومن قبلها ائتلاف قوى الثورة والمعارضة لا يمكنهما التصرف بما يريانه بشأن هذه الحقوق، فهما ليسا مرجعية لها، بل الشعب السوري، بأطره السياسية، والشعبية، ومنظمات مجتمعه المدني، وشخصياته المستقلة، وجماهيره، هي المرجعية.
لذلك فالسوريون ينتظرون من هيئة التفاوض، برئاسة السيد أنس العبدة، الإعلان عن ثبات قاعدة تفاوضهم أمام حاضنته الشعبية، وأن يشكلوا أطراً مساعدة ذات بعد سياسي وإعلامي وفكري واجتماعي شعبي.. تكون حصناً لهم، وكي لا يتم الاستفراد بهم كفريق مفاوض يعتقد الروس والنظام أنه فريق لا قاعدة شعبية له.
إن الادعاء بالتذاكي السياسي عند محاولة التفريط بالحقوق المشروعة للشعب السوري وثورته سيسقط، فرائحة الدم الذي أريق على تراب الوطن وفي معتقلاته لا يستطيع أحد تجاوزه، لأنه تجاوز للحق. فمن نسي هذه الحالة عليه الانسحاب بهدوء من لعبة التنازلات وإلا فالشعب السوري يمتلك خياراته المختلفة للدفاع عن حقه في دولة مدنية ديمقراطية لا مكان فيها للأسد وطغمته رغم أنف الروس المحتلين.
ننتظر من هيئة التفاوض الإعلان الصريح عبر وسائل الإعلام عن تمسكها المطلق بقاعدة تفاوض تقوم على تنفيذ محتوى القرارات الدولية بيان جنيف1، والقرار 2118، والقرار 2254. دون ذلك فالثقة التي تطلبها هذه الهيئة أو ذلك الائتلاف لا نعتقد بقدرتهما على الحصول عليها من الشعب السوري الذي ضحّى بالغالي والنفيس من أجل حريته وكرامته.
فهل تقوم هيئة التفاوض بانفتاح جدي على حاضنتها الثورية والشعبية، أم تفعل كما فعل الائتلاف حين التقى بفعاليات سورية سياسية واجتماعية ثم قفز بقراره رقم 24 إلى خارج مربع حق السوريين وفق قرارات الأمم المتحدة.
الأمر ليس مجرد ثرثرة كلامية، إنه تعبير عن حقوق مدفوعة الثمن مقدماً لمن نسي أو يتناسى ذلك.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”