fbpx

بيان وصائي على دولة فاشلة

1 213

من المألوف في العلاقات الدولية أن البيان يصدر عن الدول والأطراف ذات الشأن، وبنتيجة المحادثات، أو المفاوضات، التي تجري بينها، بشأن قضايا ومواضيع ذات اهتمام مشترك، أما أن يصدر بيان عن دول وصاية على ما تبقى من “دولة” سورية، وبحضور من يزعمون أنهم يمثلونها نظاماً وما يسمى معارضة، فإلى أي درك أسفل وصلت الأمور، من دون خجل ولا حياء.

قبل الوقوف عند حيثيات ما ورد من بنود في بيان “الدول الضامنة” الذي صدر في ختام الجولة الـ 15 لـما يسمى بـ “مسار آستانا” في مدينة سوتشي الروسية، ينبغي الإشارة إلى عدة نقاط أساسية وجوهرية استناداً لما مر معنا من حالات سابقة، كي تكتمل الصورة لدى القارئ وليكون على بينة مما نحن بصدده، وهو تسليط الضوء على هكذا بيان..؟ ولماذا؟، فبما أن صدور مثل هكذا نوع من البيانات ليس لها صفة اعتبارية إلا في بضع حالات محددة وهي: أنه يصدر عن دول إما أنها محتلة لدولة ما، أو وصية عليها، أو منتدبة على هذه الدولة المعنية؛ ولا ندري في أي خانة يمكن تصنيف هذه “الدول الضامنة”، في محصلة الأمر ما هو سوى بيان وصائي على دولة فاشلة للأسف.

وتأسيساً على ما تقدم فإن ما يدعو للاستهجان والاستغراب وطرح السؤال قبل أن نتحدث عما ورد في البيان، هو من منح هذه الدول لقب “دول ضامنة”..؟ وهل تكمن ضمانتها في الإشراف على سياسة هذه الدولة الفاشلة داخلياً وخارجياً، واتخاذ القرارات عنها، وتسيير أمورها، لتتحول تلك الدولة بنظامها مجرد شاهد زور على ما جرى ويجري من أحداث ومحدثات، وبعد كل ذلك يخرج علينا البيان في بنده الأول بالتأكيد على السيادة الوطنية ووحدة وسلامة أراضي سورية.

ترى أي سيادة هذه لدولة نظامها مجرد شاهد زور ورئيسها أو ما بات يسمى بـ”مختار المهاجرين” لم يعد له سلطة ولا “يمون” حتى على أسماء زوجته.

السيادة – يا سادة – لا تكون ولم تعد تتحقق إلا بإعادة سورية إلى وضعها الطبيعي، وهذا الوضع له متطلباته وشروطه، ولحين تحقيق ذلك يصبح بالإمكان بعدها الحديث عن شيء اسمه سيادة 

المضحك المبكي، في الوقت نفسه أن من أزهق أرواح الأبرياء يتباكى بحسب ما جاء في البيان عليهم خوفاً من الإرهاب الذي مارسه ويمارسه هو نفسه ليل نهار على امتداد الجغرافية السورية، وأن يتحدث عن وضع إنساني بائس هو صانعه، وكذلك أن يصدر هكذا “بيان” عقب هذه الجولة الأخيرة وبعد 14 جولة فاشلة مثلها وسنوات أربع مهدورة لم تؤد إلى أي نتيجة تذكر من هذا “المسار” الكارثي بمخرجاته وبالتنازلات التي قدمت فيه بالمجان من قبل من يزعموا أنهم يمثلون ثورة شعب، سوى إلى استمرار معاناة السوريين في الخارج والداخل والإجهاز على ما تحقق في سنوات الثورة الأولى، والأنكى من ذلك أن يتم التطرق في “البيان” إلى إنعاش الدمية الأخيرة من مؤسسات المعارضة الصورية والتي باتت تعرف بـ “اللجنة الدستورية” بعد أن نعاها المبعوث الدولي غير بيدرسون، إثر فشلها في الجولات الخمس التي عقدتها، وأضاعت سنة ونصف على السوريين باعتراف بعضهم، بينما البقية من وفد نظام الأسد وما يعرف بوفد المعارضة التي لم تعترف بذلك، لأن من مصلحة أعضاء الوفدين الاستمرار في هكذا مسرحية هزلية وليدفع الشعب السوري الثمن، فلماذا العجلة، خاصة وأن أعضاء وفد المعارضة وحتى نظام الأسد لا يخجلون من الإدلاء بتصريحات تفوقوا فيها على وزير الدعاية الألماني غوبلز صاحب النظرية المعروفة..” اكذب.. ثم اكذب حتى يصدقك الناس”، لا سيما عند الحديث عن ملف المعتقلين، والأخطر من ذلك توقعات أعضاء وفد المعارضة لنتائج ملموسة، وهي النتائج التي لم يلمسها أحد سواهم، لدرجة وصلت بأحدهم إلى وصف “أستانا” على أنها ليست مجرد خيار، بل هي “مسار” ينبغي المحافظة عليه، ورغم الفشل في كل شيء يخرج عليك أحدهم من جماعة المعارضة مع نهاية كل جولة لهيئة التفاوض أو الدستورية أو سوتشي وأستانه ليبشرنا أنهم لن يعلقوا مشاركتهم.. فعلا ” يلّي استحوا ماتوا من زمان وشبعوا موت”.

وعود على بدء، نسأل هل الأخوة الأتراك مقتنعون بما ذهبوا إليه في هذا البيان أو في جميع البيانات السابقة التي كانت تصدر عن هذا “المسار” وغيره، خارج إطار الشرعية الدولية في جنيف، أم أنهم ولاعتبارات خاصة يذهبون إلى الصيغ التوافقية بما يخدم مصالحهم.

في الحقيقة إن هذا البيان مثل سابقيه لا يساوي الحبر الذي كتب فيه ولا الوقت الذي استغرق في صياغته، ويظل مجرد مضيعة للوقت على حساب معاناة الشعب السوري وجراحه ومأساته.

وتعتقد بعض أطراف “مسار” أستانا أنه بمقدورها اللعب في الوقت الضائع خلال عملية الانتقال الروتيني للسلطة في الولايات المتحدة، ولكنها تلقت الصفعة برفض الجانب الأميركي المشاركة في هكذا مهزلة حتى ولو بصفة مراقب، رافضة لكل المدرجات والمخرجات وأن تكون مجرد ضيف شرف على مسلسل سخيف بكبار ممثليه وصغارهم من وفدي نظام الأسد والمعارضة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

1 تعليق
  1. ابو فارس says

    كما تنهش الضباع غزال او عجل صغير

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني