fbpx

بعيداً عن السياسة.. قريباً من مارادونا

0 160

نحن جيل الستينيات، ربما خصّنا الله بأشخاص لن يتكرروا أبداً. أتذكر في مقابلة على راديو مونتي كارلو في ثمانينيات القرن الماضي، حديثاً لوزير الثقافة اللبناني غسان سلامة، يقول فيها: “الشيء الوحيد الذي يمكن أن تحسدنا عليه الأجيال، هو أننا عشنا عصر فيروز، واغتسلنا بأمطار صوتها الملائكي، في صباحات الوجد والحنين”.

نحن أبناء كرة القدم، لعبة الفقراء في الحواري الشعبية والضيقة، وأحذيتنا الممزقة على الأراضي الصخرية، التي نعود من ميدانها بأقدامٍ مدماةٍ، وقلوب فرحة بانتصارات متوجة على فرق الحارات الشعبية المنافسة.

ربما عدنا للفيديوات، التي سجّلت مباريات الستينيات والسبعينيات، لنتابع الساحر البرازيلي بيليه، واستمتعنا بأدائه ومهاراته الفائقة، وتبعه سقراط وزيكو وميشيل بلاتيني وتيري هنري ورونالدو البرازيلي ورونالدينيو وآخرون.

ونتابع اليوم لاعبين مهرة مثل ميسي ورونالدو وصلاح وغيرهم، طربنا لأدائهم الرائع وسحرتنا لحظات تسجيلهم أهدافاً خارقة، لكنهم أبداً لم يحملوا مشاعرنا إلى ذروة الشغف كما كان يفعل مارادونا.

كان الجميع يلعب كرة قدم بقلبه وعقله، أما هذا الأرجنتيني المعجزة والظاهرة الفريدة، فكان يؤدي بإحساسه ومشاعره، ولا أجد لقباً يليق به كما لقب “الشاعر”.

إنه شاعر كرة القدم، ولا يمكن لهذا الشاعر الذي ألهب حواسنا بأهدافه الخرافية، ومراوغاته الباهرة، وتمريراته العجيبة، أن يتكرر أبداً، على الأقل في المدى المنظور.

وفيما دخلت اللعبة في السبعينيات مرحلة جديدة على يد الهولنديين (فكرة الكرة الشاملة) التي اعتمدت مفهوم اللعب الجماعي، وقللت من شأن البطل الفرد، جاء مارادونا ليصنع مجده الفردي، ويعيد للأذهان فكرة البطل المخلّص، في المعارك الكروية الفاصلة.

ميسي ورونالدو اللذان حازا على جائزة (أفضل لاعب) ولمرات عديدة، ميسي لم يستطع أن ينجز أية بطولة مهمة مع منتخب بلاده الأرجنتين، أما الثاني والذي خرج منذ الدقائق الأولى للمباراة النهائية مع فرنسا في كأس الأمم الأوربية 2016، فقد استطاع الفريق تحقيق البطولة من دونه، أي بعد أن قدم زملاء رونالدو مباراة للذكرى آنذاك.

أتذكّر إحدى الصحف الإيطالية التي عنونت صفحتها الأولى بعد فوز الأرجنتين بكأس العالم 1986:

“الساحر مارادونا يفوز بكأس العالم”.

يقول مارادونا: ولدت في حي شعبي فقير في بيونس آيرس، محروماً من الماء والكهرباء والهاتف. ويضيف: إذا متّ أريد أن أولد من جديد، وأريد أن أكون لاعب كرة قدم، أريد أن أكون دييغو أرماندو مارادونا، أنا لاعب منح الفرح للناس، وهذا يكفيني.

ولا أجد نصاً يليق بوداع هذا الموسيقي وشاعر الكرة الفذ، الذي ضمّخ أرواحنا بأعذب اللقطات وأكثرها سحراً، سوى هذا المقال الذي كتبه الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش بعد انتهاء تلك البطولة عام 1986 وفوز الأرجنتين بكأسها، سبقتها خسارتها حربها مع انكلترا في جزر الفوكلاند (حيث انتقم مارادونا وهزمهم بهدفين ستتحدث عنهما الأجيال لسنوات). 

وكأني بمحمود درويش يكتب مرثية رحيله اليوم. 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني