fbpx

بركان الغضب

0 136

اندلعت الثورة السورية العظيمة في آذار 2011 وانتشرت في كل مدن وقرى سورية، وبلغت في سنواتها الأولى مبلغاً من القوة والإصرار ما هدّد بسقوط بشار وانهيار نظامه على يد الثوار والجيش الحرّ، ما دفعه للاستغاثة بروسيا وإيران واستجلاب المرتزقة من كل مكان، ومع تخاذل الدول الأوربيّة وخاصّة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وتهاونها مع النظام عندما قام باستخدام السلاح الكيماوي في الغوطة في آب 2013 الذي ذهب ضحيته حوالي 1400 شهيد من المدنيين وبدل أن تقوم هذه الدول الثلاث باعتباره أعضاء دائمة في مجلس الأمن من محاسبته وملاحقته وفرض الانتقال السياسي وفقاً لقرار مجلس الامن الدوليّ رقم 2118/2013 والذي كان فيه إشارة الى اللجوء للفصل السابع والذي نصّ على وجوب محاسبة النظام لاستخدامه السلاح الكيماوي وعلى إطلاق سراح المعتقلين وعلى وجوب السماح لتدفق المساعدات الإنسانيّة وتشكيل هيئة حكم انتقالي، قامت بعقد صفقة معه عبر روسيا تقوم على معادلة الكيماوي مقابل بشار أسد وقد تم تنفيذها بحذافيرها وامتدت عمليات تسليم السلاح الكيماوي حتى نهاية سنة 2014 فكانت مكافأته بإصدار القرار 2254 لسنة 2015 الذي فرّغ مضمون القرار2118 من مضمونه حيث تم استبدال مصطلح هيئة حكم انتقالي بمصطلح حكم ذو مصداقية غير طائفي، استبدال مصطلح وقف إطلاق النار بمصطلح خفض تصعيد، واستبدال مصطلح إطلاق سراح المعتقلين إلى مصطلح عمليات تبادل مخطوفين/محتجزين، مع العلم أنّ هذا القرار لا يتمتّع بأي صيغة إلزاميّة للنظام ولا يشير إلى ذلك، بل على العكس جعل أمر تطبيقه رهناً بموافقة النظام تأسيساً على أنّ هذا القرار هو من الإجراءات الدوليّة المساعدة على البدء بالمفاوضات بين النظام والمعارضة، وجعلوا من هذا القرار مفتاح الحل الوحيد في سورية ولضمان نجاح هذه الصفقة وبسبب حصر الحلّ بالمفاوضات بين السوريين، وحيث أنّ المفاوضات تحتاج إلى طرفين سوريّين الأمر الذي دفع بعض الدولة لصنع هذا الطرف المقابل للنظام فكان الائتلاف الوطني الذي صنعوه على أنقاض المجلس الوطني وفق تركيبة غريبة عجيبة لا تمثِّل الثورة في شيء ولا وتم تكليفه بلعب دور الطرف المفاوض المعارض، وحدّدت له هوامشه، ووضعت له مبادئ التفاوض وقواعده ومن كان من أهمها حظر وضع أي شروط مسبقة فكانت التنازلات والتي بدأت بالتنازل عن البحث في مصير بشار أسد، ثم التنازل عن هيئة الحكم الانتقالي، ثم الاستسلام لتفاهمات أستانا وسوتشي اللتان ذهبتا بملف وقف إطلاق النار وملف إطلاق سراح المعتقلين أدراج الريح، وحصر الحلّ السياسيّ في عمليّة إصلاح دستوريّ تقود إلى صياغة دستور جديد أو تعديل أو إلغاء الدستور القائم أو بعض مواده عبر تشكيل هيئة التفاوض واللجنة الدستورية التي باتت تستجدي المجتمع الدولي قليلاً من الضغط على النظام لإجباره على القبول بإعادة إطلاق جولاتها التي مضى على توقّفها حوالي سنتين ومازال النظام ممتنعاً ولن يفعل مع عودة العلاقات الدبلوماسيّة بينه وبين الدول العربيّة وعودته إلى الجامعة العربيّة وسعي دول أخرى للتطبيع معه.

وحيث أنّ دور المجتمع الدولي الذي استنفر كل خبرائه السياسيين والقانونيين والإنسانيين اقتصر على العمل الإنساني وكيفيّة إدارة عمليات الغوث الإنساني وتأمين تدفّق المساعدات الإغاثة عبر الحدود، ولم يقتصر دور على ذلك حيث تطوّر الأمر إلى توطين المهجّرين عبر الانتقال من حال الخيام إلى حال القرى النموذجيّة، وانسحب هذا الحال على اللاجئين في دول اللجوء عبر سياسة التوطين والإدماج، في الوقت الذي كان من المفترض العمل فيه على وقف إطلاق نار شامل وتشكيل هيئة حكم انتقالي وإطلاق سراح المعتقلين وهذه القضايا تضمّنها قرار مجلس الامن الدوليّ رقم 2118/2013، إلّا أن المجتمع الدولي عمل على إفراغها مضمونها.

مضت تسع سنوات على صدور القرار 2254 والمجتمع الدولي مُتمسِّك به كخيار وحيد للحلّ في سورية وإنقاذ السوريين من نظام الإبادة بينما هذا النظام يضرب به وبكل القرارات الأمميّة عرض الحائط، فلم يعد من الصعب كشف التواطؤ الدولي مع هذا النظام وخذلانه الشعب السوريّ من خلال أدوات المجتمع الدولي في ترويض الشعب السوري الثائر، وأهمّها وأخطرها القرار 2254 بالإضافة لأدوات الحصار والتجويع، واللعب بورقة اللاجئين للابتزاز السياسي والابتزاز المادّي من قبل الدول المضيفة، وقيام بعضها بترحيل اللاجئين الذين لجؤوا إليها إلى نظام أسد كما تفعل الدولة اللبنانيّة وتهدّده دول أخرى بالترحيل.

في الوقت يتعافى فيه نظام الإبادة من خلال وقف العقوبات الدولية وتجميدها وضخّ الأموال بعبر ما سمّوه مشاريع التعافي المبكِّر وإعادة العلاقات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية والتجارية معه، الثورة السوريّة والشعب السوري يُستنزف في أرواح أبنائه وحريّاتهم وأموالهم وأعراضهم وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي، والقوى الدوليّة الفاعلة تكتفي في إدارة الحرب دون العمل على انهاء أسبابها وتحدّ من دور الأمم المتحدّة ومجلس الأمن وتحصره في تيسير الغوث الإنساني.

المهجّرون في المناطق المحرّرة واللاجئون في دول اللجوء هم القنبلة الموقوتة التي ستفجّر الأوضاع سواء في الداخل أو في الخارج، وما جرى في قيصري وفي المحرّر خلال الأيام الماضيّة وردّة الفعل العنيفة لأهلنا في المناطق المحرّرة هو لحظة حقيقة وبلوغ صبرهم على المجتمع الدولي مبلغه، وهو إنذار لِما قد يجري في لبنان وفي دول أخرى يكشف وهم تحقيق السلام في سوريّة عبر القرار 2254 والذي أصبح يقيناً خنجراً مسموماً في خاصرة الثورة والشعب السوريّ.

وحيث أنّ الموتور لُغةً يعني كل من قُتل له قريب لوم يستطع الاقتصاص من قاتله، فإنّ كلّ ذي حق مسلوب أو ولي دم مسفوك أو ذي شرف منتهك أو مال منهوب، ولم يستطع استرداد حقه لا رضاء ولا قضاء هو موتور والسوريّون الأحرار كلّهم أصحاب وأولياء دم وإنّ غياب العدالة الدولية، وتعطيلها من قبل نظام بوتين، يُعطي الحقّ للسوريين في أخذ ثأرهم من كل قاتل أو شريك أو متخاذل أو محرّض أو يمكّن المجرمين من الإفلات من العقاب، ولا يُلامون على ما سيفعلونه لأنّ ’’الموتور لا يلام‘‘، فلا تزيدوا في المظالم، ولا تضغطوا عليهم وتزيدوا من إرهاقهم فلم يعد في صدور المظلومين متسع من الصبر، ولا الحلم، فقد بلغ الظلم مبلغاً ما يُنذر باندلاع براكين من الثورة والغضب لا تبقي ولا تذر.

ولنَع جميعاً سوريين وأتراك، شعوباً وحكومات، أفراداً أحزاباً، بأن تركيا هي قدر اللاجئين السوريين وأنّ السوريين قدر الأتراك، وبأن لا أحد يستطيع الفرار من قدره، ما يقتضي من الإخوة الأتراك التدخّل بشكل جدّي لتعطيل أي محاولات لتفجير الأوضاع في تركيا أو في المناطق المحرّرة ودفع السوريين للمواجهة مع أشقائهم الأتراك فالخاسر الوحيد نحن جميعاً فأمنكم القومي من أمن اللاجئين وأمن المناطق المحرّرة، ومصالحنا مشتركة في التخلّص من أسباب اللجوء والتهجير القسريّ لأنه بغير ذلك لا يمكن الحفاظ على الامن القومي أو السلم الأهلي والمصلحة المشتركة ذات الأولوية القصوى إسقاط بشار أسد ونظامه والقضاء على أي مشروع انفصالي يهدّد وحدة التراب والشعب السوري، ويهدّد الأمن القومي السوريّ.

وعليه نتمنّى على الحكومة التركيّة إعادة تقييم التجربة مع الهياكل السياسية والعسكرية السورية، ووضع آليات رقابة ومحاسبة حقيقية على أداء الموظفين والعسكريين المرتبطين بالملف السوري من الطرفين، وإعادة إنتاج بوابات جديدة للتعاون المشترك بين اللاجئين والسلطات التركية والشعب التركي بعد ترهل اللجان المشتركة.

فقد أصبح وهماً كل عمل يقوم على التعويل على الإبقاء على بشار أسد ونظامه في نجاح أي حلّ أو إعادة إنتاجه بشراكة معارضة مرتهنة معه، وكذلك وهم التعويل على ضعف السوريين الأحرار في قبولهم أي حل لا يُحقّق تطلعاتهم أو يتنقص من حقوقهم، وأنّ الحقيقة الجليّة هي بأن لا سلام داخلي في سورية ولا سلام إقليمي ولا سلم وأمن دوليين مع فرض أي حلول استسلاميه على الشعب السوريّ الحرّ تجبره على التعايش مع نظام الإبادة أو مع شركائه من المعارضات المرتهنة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني