fbpx

بخصوص الثورة والشعب المقصوص: إني أكرهك

0 411

لا يقتصر أثر الحروب على سفك الدماء وخراب
البناء وتشريد الناس، إذ تؤثّر أيضاً على العقول والأنفس بدرجات متفاوتة، تُفقد
أصحابها القدرة على التحكم في أنماط تفكيرهم وانفعالاتهم العاطفية أحياناً دون
اعتبار لأي مستوى ثقافي أو معرفي.

والسوريون – عموماً – ليسوا استثناءً، وربما
يتربعون على قمة تصنيفات آثار الحروب مقارنة بشعوب العالم اليوم جراء تعرضهم لمختلف
انتهاكاتِ حقوقٍ للإنسان ولأصناف خرابٍ تجاوزتها البشرية منذ انتهاء الحرب
العالمية الثانية على أقل تقدير.

ولمعرفة حجم التغيرات التي طرأت على حال السوريين،
يتوجّب علينا ربطها بأحداث وتفاصيل مرعبة أخذت تتراكم عبر تسع سنوات ونيف، لتنتج
في نهاية المطاف خراباً فكرياً ونفسياً بات يهيمن على غالبية أفراد المكونات
السورية، مجسّداً بمفاهيم موغلة في الكراهية والتحريض على العنف. ونادرون الذين
نفذوا من وسط هذا الخراب، محتفظين بقليل من التوازن والموضوعية.

وما جعل حالتنا السورية من بين الحالات الأشد
تعقيداً وخطورة مقارنة بقريناتها هو تفاوت الانتشار (النوعي)، ونقصد به توزّع حالة
الخراب السوري في مناطق جغرافية مختلفة، تضمّ مكونات اجتماعية سورية يفرّق بينها عامل
ما أو عدة عوامل، سياسية أو عسكرية، أو إثنية أو دينية أو اقتصادية. وسنحاول تسليط
الضوء على أهم تلك المناطق وتركيبة سكانها وميولهم ومواقفهم السياسية تجاه الأطراف
الأخرى كي ندرك جيداً ما يواجه السوريين من انقسامات وصراعات، ولنحدد من خلالها شكل
وآلية مواجهة ما يتمخض عنها من خطاب كراهية:

أولاً- داخل سوريا:

1-             
مناطق
سيطرة النظام وميليشيات إيران والروس: وتضمّ الغالبية الموالية – سياسياً – لنظام
الأسد، وأيضاً من فئة الصامتين والمعارضين في السرّ، من مختلف الإثنيات والديانات
والطوائف. وهذه المناطق قسمها النظام أيضاً بحسب الأولويات الأمنية والاقتصادية
تبعاً لحسابات طائفية ومناطقية، بحيث تأتي منطقة الساحل، التي تسكنها الغالبية من
أبناء الطائفة العلوية، في المقدمة. تتبعها المنطقة الوسطى، ثم العاصمة والجنوب،
وأخيراً المنطقة الشرقية، حيث يعاني غالبية المدنيين من أوضاع أمنية متردية وقاسية،
واقتصادية سيئة نتيجة انهيار الليرة وغلاء الأسعار. وعموم سكان مناطق النظام
يعادون فئة المعارضة في سوريا واللاجئين خارج البلد.

2-             
مناطق
المعارضة المتحالفة مع تركيا في الشمال وشمال غرب سوريا: وتضم المعارضين لنظام
الأسد والثوار، من مدنيين وعسكريين، والغالبية من المكون العربي مع نسبة بسيطة من
المكون التركماني، وهم من المسلمين/السنّة.

3-             
مناطق
الإدارة الذاتية (قسد) في شرق الفرات: تحت إدارة حزب pyd وغالبيتها من المكوّن الكردي. سياسياً يوالون القوات الأمريكية في
جزء كبير من شرق الفرات، والروس في بعض المناطق، ونظام الأسد في مدن كالحسكة
والقامشلي ودير الزور، ويعادون قوات المعارضة في غرب سوريا والسوريين المقيمين
داخل تركيا. وسكان الإدارة من مختلف الإثنيات والديانات.

ثانياً- خارج سوريا:

1-             
السوريون
في تركيا: ويشكلون العدد الأكبر من اللاجئين السوريين (نحو 3,6 مليون)، الغالبية
من أبناء المكون العربي، ومن المسلمين/السنة، ومن المعارضين لنظام الأسد وحلفائه
من جهة ولقسد من جهة ثانية. النسبة العظمى موالون لتركيا واندمجوا بالمجتمع
التركي، وينتقدون دول السعودية والإمارات ومصر والدول الأوروبية المعادية لتركيا،
وغالباً ما يصطدمون مع سوريين معارضين في أوروبا يتهجمون على الدولة التركية. المجنسون
(نحو 100 ألف).

2-             
السوريون
في أوروبا وكندا: (نحو مليون) غالبيتهم من العرب المسلمين/السنة أيضاً. سياسياً لا
توجد إحصائية واضحة بالنسبة للمؤيدين والمعارضين إلا أن المؤكد أن أكثر من نصفهم
من المعارضين لنظام الأسد. وتختلف مواقفهم تجاه تركيا والسوريين فيها بين داعم – وهم
النسبة الأدنى – ومحايد، ومهاجم لتركيا وحكومتها ما يجعله طرفاً في الصدام مع
سوريين لاجئين في تركيا.

3-             
السوريون
في دول عربية مختلفة وخاصة في دول الخليج: غالبيتهم يقيمون بصورة نظامية، وينقسمون
بين مؤيد ومعارض للنظام، وهم عموماً أقل نشاطاً وتفاعلاً في الجوانب السياسية.
وهناك أيضاً السوريون اللاجئون في الأردن ولبنان وكردستان العراق، داخل المدن وفي
المخيمات. الغالبية من العرب/السنة ومن الأغلبية المعارضة لنظام الأسد وأوضاعهم الاقتصادية
هي الأسوأ.

وبالنسبة للفئة المعارضة لنظام الأسد،
المقيمة في مختلف المناطق التي مررنا عليها في الداخل السوري وخارجه، يبرز أمامنا
فريقان يتصدران ساحة الخلافات السياسية/الإيديولوجية المنفعلة عاطفياً.

السبب الرئيس للخلاف بين الفريقين يعود – في
جزئه الأعظم – إلى ظاهرة الاصطفافات السياسية التي تمخضت عن الخلاف الناشئ بين
السعودية والإمارات من جهة وقطر من الجهة الأخرى وما نتج عنه من حصار لدولة قطر
ووقوف تركيا بجانب الأخيرة. إذ راح كل فريق يدافع عن طرف ويهاجم الطرف المقابل.

وهناك فئة ثالثة موالية للإدارة الذاتية وpyd/pkk ممن يقيم أفرادها في
أوروبا وبقية دول الغرب، تتقاطع رؤيتها مع فريق المحور السعودي/الإماراتي كونه
يحارب المحور التركي، لذلك تم تصنيفه ضمن أحد الفريقين السالفين.

يلعب عناصر هذين الفريقين دوراً سلبياً في
إثارة المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، بتأجيج خطاب الكراهية كلما
ارتكب أحد أفراد أو مؤسسات أو حكومات الدولة الخصم خطأً ما. فنراهما يوجهان الهجوم
صوب السوريين المقيمين أو المحسوبين على تلك الدولة وتحميلهم المسؤولية كاملة.

ولم تقف الأمور عند هذا الحد فحسب، بل حصلت
صدامات بين الفريقين لأسباب ارتبطت بمواقف عزاء وترحّم عبر منشورات وفاة شخصيةٍ ما،
محسوبة على طرف من الطرفين.

ولأن الإعلام من أخطر الوسائل المحرضة
للجمهور، تشكّل الأخطاء المرتكبة عبر وسائل الإعلام التابعة للطرفين (الجزيرة –
العربية – سكاي نيوز… إلخ) إحدى أعنف حالات الهجوم والهجوم المضاد بين الفريقين،
ومعظم ناشطيهما هم من الإعلاميين السوريين أصلاً!

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني