fbpx

الواقع المرير وآفاق الأمل: حوار حول الأزمة السورية

1 537

تمر الأزمة السورية اليوم بمنعطف خطير ومرحلة حاسمة، إذ تزداد تداعيات الصراع تعقيداً مع كل يوم يمر دون حل سياسي شامل، فبعد مرور أكثر من عشر سنوات على اندلاع الأزمة، لا تزال آفاق المستقبل غامضة بالنسبة للشعب السوري، الذي عانى الأمرّين جرّاء نزاع مستمر وانتهاكات متواصلة.

وفي ظل هذه المرحلة الحاسمة التي تشهد تداعيات إنسانية واجتماعية واقتصادية كارثية، تبرز تساؤلات ملحّة حول المسار الذي ستسلكه سوريا نحو المستقبل، هل سيستمر الوضع على ما هو عليه من تقسيم للنفوذ وغياب للعدالة؟ أم أن هناك أملاً في إنهاء مأساة إنسانية استمرت طويلاً؟

للإجابة على هذه التساؤلات، التقينا بالمحامي أنور البني، رئيس مركز البحوث والدراسات القانونية، وتطرقنا لتحديات المرحلة الانتقالية، وفيما يلي الحوار الذي أجريناه معه:

  •  كيف تقيّم الوضع الراهن في سوريا بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الأزمة، وخاصة بعد أن بدأت بعض الدول بإعادة النظر في علاقاتها مع النظام السوري والتطبيع معه تدريجياً؟
“إن الأزمة في سوريا هي أساساً معركة بين شعب واستبداد”

يقول المحامي أنور البني:

إن الوضع في سوريا مأساوي وسيّئ للغاية، إذ أدت تدخلات الدول الإقليمية والدولية إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذٍ لدولٍ متعددة، يأتي في مقدمتها النفوذ الأمريكي والإيراني والروسي، ولعل النفوذ الإيراني هو الأبرز في مناطق سيطرة النظام.

فالأزمة التي بدأت كنضال شعبي ضد الاستبداد، ومعركة بين شعب ودكتاتورية، وضحايا ومجرمين، تحولت بفعل تدخلات خارجية من دول عديدة دعمت مجموعات مسلحة ومتطرفة، حيث ارتكبت الجرائم، وجعلت الوضع أكثر تعقيداً ومأساوية.

وحلول الأزمة السورية يا للأسف ليست بأيدي السوريين، حيث إن من نصّب نفسه ممثلاً للشعب السوري انسحب من أي تأثير حقيقي، وأصبح مجرد دمية تتحكم بها الدول الإقليمية والدولية، التي تدعم المعارضة السورية. فالوضع المأساوي يبدو أنه لا خلاص منه على المدى القريب، لكن من المؤكد أن هناك نهاية قريبة لكل هذه الجرائم، التي ترتكب بحق الشعب السوري من قبل جميع الأطراف، والأمل مازال موجوداً بأن تأتي تلك النهاية في القريب العاجل، حيث ينتصر الشعب السوري، ويستعيد حقوقه المسلوبة بعد كل هذه المآسي التي مرّ بها.

  •  مؤخراً أصدر بشار الأسد مرسوماً يقضي بإلغاء المحاكم الميدانية وإحالة قضاياها إلى المحاكم العسكرية، ما رأيك بهذا القرار؟ وما تأثيره المتوقع على الوضع القانوني وحقوق الإنسان في سوريا؟
“إخفاء الأدلة والتملص من المسؤولية”

يجيب المحامي أنور البني على سؤالنا الثاني:

أعتقد أن قرار إلغاء المحاكم الميدانية العسكرية جاء لأكثر من سبب:

أولاً: بسبب إنشاء الآلية الدولية للبحث عن مصير المفقودين في سوريا، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة. 

ثانيًا: بسبب ملفات الدعاوى التي أقمناها في ألمانيا ضد بشار الأسد وعدد من مرتكبي الجرائم من زمرته من القيادات الأمنية، وبشار الأسد بالذات هو الذي يوقع على قرارات الإعدام التي تُجريها محاكم الميدان العسكرية. لذلك جاء هذا القرار لإتلاف كل الأدلة على قرارات المحكمة الميدانية العسكرية بشأن عمليات الإعدام التي نفذت بحق المعتقلين.  

فتقارير منظمة العفو الدولية أكدت وجود 15 ألف ضحية قُتلوا في سجن صيدنايا بموجب قرارات من محكمة الميدانية العسكرية، وهذه القرارات كلها كان يوقع عليها بشار الأسد شخصيًا.

لذلك جاء قرار إلغاء المحاكم الميدانية العسكرية لإتلاف كل أدلة ارتكابه شخصيًا لهذا النوع من الجرائم ضد الإنسانية، والتي تتمثل في الإعدامات الجماعية دون محاكمات عادلة، مما يجعل هذا القرار ذا تأثير سلبي كبير على الوضع القانوني وحقوق الإنسان في سوريا.

  • ·                     هل تعتقد أن المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان قد نجحت في القيام بدورها بشكل فعال في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ارتكبت في سوريا ومحاسبة المسؤولين عنها؟
“فشل في إحالة ملف الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية”

يقول المحامي البني في إجابته على سؤالنا الثالث:

أعتقد أنه لا توجد أية أحداث في العالم توثقت أكثر من  أحداث سوريا، كما أنه لا توجد أية جرائم في العالم توثّقت أكثر من توثيق جرائم التعذيب في سوريا، إن المنظمات الدولية مثل هيومن رايتس ووتش أو منظمة العفو الدولية أو المنظمات التابعة للأمم المتحدة كلجان التحقيق الخاصة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أو رجال التحقيق التابعين لمنظمة حظر الأسلحة،قامت جميعها بدورها على أكمل وجه وجمعت ملايين الأدلة.

 إلى جانب ذلك، فإن الآلية الدولية التي شُكّلت عام 2018 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد قامت أيضاً بدور كبير في توثيق كل تلك الجرائم، ما ينقص قضية سوريا ليس الأدلة، فالأدلة موجودة بكثرة عن الجرائم المرتكبة، بل ما ينقصنا في الواقع هو محكمة تنظر في تلك الأدلة، وهذا هو ما يُفتقد، ألا وهو المحكمة الجنائية الدولية، التي لا تختص إلا بالدول الموقّعة على نظامها الأساسي، كما أن مجلس الأمن قد فشل مرات كثيرة في إحالة ملف سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي، لم يكن أمامنا خيار سوى الاستناد إلى مبدأ الولاية العالمية الموجودة في بعض الدول الأوروبية، التي لجأنا إليها وتمكنا من إصدار مذكرات توقيف بحق مطلوبين مثل جميل حسن وآخرين. كما أن هناك مذكرات توقيف بحق عدد كبير من القيادات الأمنية، وربما يكون بينهم بشار الأسد نفسه، فالملفات التحقيقية مفتوحة في أوروبا، في ألمانيا والسويد والنرويج، لملاحقة المجرمين الموجودين هناك، وقد نجحنا في توقيف ومحاكمة العديد منهم، ولا يزال العمل مستمراً لملاحقة الآخرين، أما فيما يتعلق بالأدلة، فقد بذلت المنظمات السورية جهوداً كبيرة في ظروف صعبة لجمعها، كما قامت المنظمات الدولية بدور كبير ومهم في هذا المجال.

  • ·                     ما هي التحديات التي تواجه الانتقال الديمقراطي في سوريا، وما هي الخطوات التي يمكن أن تتخذها الأطراف الفاعلة في سوريا لتشجيع هذا الانتقال؟
“غياب دور السوريين في رسم مسار الانتقال السياسي”

تواجه عملية الانتقال الديمقراطي في سوريا العديد من التحديات الكبرى، فمن أبرز هذه التحديات بقاء نظام الأسد وقادة المجرمين في السلطة، حيث لا يمكن حدوث انتقال ديمقراطي مع بقائهم، لذا يجب إزاحتهم نهائيًا من مواقع السلطة وعدم إشراكهم في أي حل أو آلية انتقالية، كما يُعد وجود المليشيات والقوى المسلحة على الأرض المدعومة من دول أجنبية، تحديًا آخر، حيث يتطلب ذلك نزع سلاحها غير الشرعي وحلّ هذه المجموعات، علاوة على ذلك، يُعد النفوذ الإيراني الذي يشكل عائقاً عسكرياً وإيديولوجيً ًكبيراً أمام الانتقال الديمقراطي، نظراً لانتشاره وتمدده في المناطق السورية، من التحديات الرئيسية.

هذا بالإضافة إلى الدور الروسي الذي يُعد عائقاً كبيراً أمام أي انتقال ديمقراطي، كون روسيا تعارض أي تغيير ديمقراطي في المنطقة، وفي المحصلة، يُعد غياب دور السوريين حتى الآن في رسم مسار الانتقال السياسي، التحدي الأبرز الذي يتطلب مبادرتهم لوضع خارطة طريق خاصة بهم نحو الديمقراطية.

1 تعليق
  1. عفاف الرشيد says

    معركة الشعب مع الاستبداد معركة طويلة الأمد لأنها لا تنتهي بطرد النظام وتحرير الأرض من المحتلين
    فقط بل يجب اجتثاث جذور الاستبداد من جميع القوانين الخادمة له ومن عقول الناس المبرمجة على فكر الاستبداد
    معركتنا عسكرية ثقافية اجتماعية أخلاقية فكرية وعلى جميع الأصعدة
    فلا حرية حيث يوجد الاستبداد ونظام الأسد لون له تفرده من ألوان الاستبداد
    لكن لن ننسى أنه:
    إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني