fbpx

النموذج الألماني.. رؤية ذيلية لحل القضية السورية

0 320

من المؤسف أن الثورة السورية لم تتمكن حتى الآن من إنتاج قيادة ثورية لها، تنظم صفوفها، وتتمكن من التعامل مع التحديات كافة، التي تواجهها على تعددها وتعدد مرجعياتها ومصادرها، والتي كشفت عن وجهها في ساحة العمل الثوري.

ومن نافل القول إن الشعب الذي بذل أكثر من مليون شهيد، وتحمل تداعيات التهجير والتجويع والتغيير الديمغرافي، ولايزال حتى اليوم يرفع راية العمل والنضال الثوري والمضي قدماً في المواجهة وفي معالجة الأمراض والسلبيات والثغرات التي ظهرت له في مسار الثورة ومندرجاتها، كل ذلك من أجل استعادة حريته وكرامته وسيادته واستقلاله.

ومن المؤسف أيضاً القول إن النخب السياسية والثقافية العاجزة والمعطوبة كانت في مقدمة الأسباب التي دفعت شعبنا إلى المحطات الكارثية التي نحن اليوم في واحدة منها.

وأمام هذا المشهد، وفي إطار ما يدور في فضاء الساحة السورية منذ أشهر ليست بعيدة، خرج علينا فريق من المثقفين السوريين ليعلن بداية، ثم ليروج لاحقاً، وفي أكثر من وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي لما سمي بخطة إعادة إعمار سورية على نمط النموذج الألماني بموازاة خطة أخرى سميت بخطة النمط الشيشاني.

لن أتناول هنا نقاط مقتل هذه الخطة التي تحتويها في متن تعريفها بنفسها، فهي بادية لكل متابع ومهتم، وشعبنا أكثر وعياً من أن يلقي بالاً لمثل هذه الخطط، ويعلق آمالاً عليها.

وإنما سأتحدث في حيثيات التفكير والجرأة على طرحها.

فقد أسقط المروجون لهذه الخطة من حساباتهم وهم يعملون على إنتاجها واستشارة من استشاروه من الأطراف الدولية من أجل إطلاقها، أن شعبنا الذي كسر حاجز الاعتقال والاستعباد وجدار السجن التاريخي الذي فرض عليه بلعنة الحذاء العسكري إنما فعل ذلك ودفع ضريبته من أجل استعادة ما سلب منه، وليس لشيء آخر وهو ما أتينا على ذكره.

كما وقد أسقط هؤلاء من حساباتهم أن المنظومة الدولية المافياوية التي صنعت العميل الأسد وابنه، إنما عملت بشكل ممنهج على احتواء الثورة وحرفها عن مسارها لتحقق هدفين تاريخيين، الأول تدمير ما سمي بالوطن والدولة السورية وتجزئتها، وتخريب البنية المجتمعية لشعبها، وذلك تماهياً مع مشروع الشرق الأوسط الجديد الاستعماري، المعولم، وتأسيساً لكيانات مجتمعية ضعيفة تسود وتهيمن عليها دولة الكيان الصهيوني الاستيطاني المتوحش.

أما الهدف الثاني، وهو اللافت، فهو إعادة إعمار هذه المنطقة ودفعها من جديد في عجلة الاقتصاد الإمبريالي العولمي المتوحش، لديمومة مسار هذه العجلة وديمومة الاستثمار فيها والهيمنة عليها لصالح أرباب هذا النظام الدولي الفاسد.

وعليه، وكما قدمنا نجد كيف أن خطة مثقفينا هذه التي عنونت بخطة إعمار سورية إنما تأتي في نفس السياق والفضاء الذي أنتجه وكرسه المشغل العولمي القذر وتتماهى معه، هذا المشغل الذي لا يأبه ولم يأبه يوماً للدماء البشرية البريئة التي حصدتها أسلحته وأدواته وعنجهيته، كما يفعل اليوم في غزة فلسطين الشهيدة.

ونرى أيضاً كيف يثبت مثقفونا للمرة الثانية في تاريخ انطلاق ثورتنا مدى ابتعادهم عن هموم وطموحات شعبنا وخطورة ادعائهم لتمثيل هذا الشعب وحرصهم على مصالحه، وخاصة عندما نستقرئ الخطة ونلحظ فيها أن لا مانع أن يغدو الشمال الغربي والشرقي من سورية تحت الوصاية الأمريكية والتركية وأن يبقى الطرف الروسي وحليفه الأسدي في القسم خاصته، وأن يترك الصراع ليأخذ بعده التاريخي ولو استمر أكثر من أربعين عاماً، لإعادة توحيد سورية على غرار ما تم في ألمانيا المثال.

وهنا نرى بالمقابل أن العمل الثوري يثبت اليوم أكثر من أي وقت مضى كم أن شعبنا وثورتنا بحاجة لإنتاج نخب جديدة تمثل الشعب والثورة حقاً، وتتماهى مع الضمير الشعبي ومصالحه وأهداف ثورته العظيمة.

كما ويثبت أن الحراك الثوري الشعبي بالرغم من كل الويلات التي لحقت به جراء عجز وفشل وتبعية نخبه، إنما لازال يمور بالحيوية والنضال والعمل على تجاوز كل ذلك، مضحياً أكثر وأكثر في سبيل تحقيق أهدافه في الحرية والكرامة والاستقلال، مؤمنا أن غداً لناظرة قريب وأن حكم التاريخ لازال يحمل من المصداقية ما يؤكد انتصار الشعوب وزوال الطغاة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني