fbpx

النظام الأسدي يعيد ترتيب بيته الأمني وهيكلته.. ما وراء هذه الترتيبات؟

0 212

أقدم النظام الأسدي منذ وقت قريب ولا يزال على ترتيب بيته الأمني، حيث أزاح علي مملوك من رئاسة مكتب الأمن الوطني، وجعله مجرد مستشار أمني للرئاسة، وأتى باللواء كفاح ملحم من رئاسة شعبة المخابرات العسكرية وعيّنه رئيساً لمكتب الأمن الوطني بديلاً عن اللواء مملوك.

هذه الترتيبات ببيته الأمني تزامنت مع تسريب معلومات أمنية عن حركة الضباط والمستشارين في الحرس الثوري الإيراني الموجودين في سورية، والذين يتم اغتيالهم اسرائيلياً عبر ضربات محكمة، من خلال الغارات الجوية التي تشنها من وقت إلى آخر طائرات إسرائيلية.

التسريبات الأمنية الخاصة بحركة مستشاري وضباط الحرس الثوري الإيراني ليست بعيدة عن قصر الرئاسة في جبل قاسيون، فهذه التسريبات، تؤدي أكثر من هدف في آنٍ واحدٍ، فهي تقدّم خدمات أمنية لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، ولذلك، يعتقد النظام الأسدي بأنه في حالة تسريبه للمعلومات الأمنية لإسرائيل والولايات المتحدة، فإنه يريد التعبير بهذه الطريقة عن رغبته في الانفتاح على المعسكر الغربي، وفي نفس الوقت فهو يقلّم أظافر إيران التي تحاول الهيمنة على مؤسسته الأمنية والعسكرية، ما يجعله قادراً على إيجاد نوعٍ من التوازن في علاقاته مع إيران وروسيا من جهة، ومع إسرائيل والولايات المتحدة من جهة ثانية.

بشار أسد يأمل من هذه التسريبات أيضاً أن يستميل الأمريكيين لرفع العقوبات عن نظامه، دون أن يفكّر جدياً أن هذه العقوبات هي صناعة الكونغرس الأمريكي، وبالتالي ليس من السهل تجاوزها تنفيذها.

هذه الرؤى التي ترتكز عليها إجراءات نظام أسد ليست بعيدة عما يخطط لسورية على المدى القريب، فهو يريد عبرها أن يعطي انطباعاً للخارج، بأنه جاد في ملاقاة حلٍ سياسي يتم فيه تشكيل حكومة جديدة تضمّ المعارضة السورية، دون أن يضطر لتقديم استقالته من منصبه، وأن ينقل صلاحيات الرئاسة لحكومة انتقالية جديدة. بل يعمل على التخلي عن بعض صلاحياته.

الأسد في هذه التغييرات في الهيكل لا يعني البتة على أنه جادٌ في تغيير سياساته الأمنية القمعية الشديدة تجاه الشعب السوري، فالذين تبوأوا مناصب كبرى في المؤسسات الأمنية ليسوا بعيدين عن الانخراط بمجازر النظام وقمعه الدموي، وإنما أراد الإيحاء تضليلاً للغرب والمجتمع الدولي على أنه قادر على ضبط مؤسسات حكمه الأمنية والعسكرية.

الأسد في هذه التغييرات كان يريد أن يسدّ ثغرة اتسعت بسبب انشغال الروس في حربهم ضد أوكرانيا، فهذه الحرب استنزفت الروس عسكرياً واقتصادياً، وأضعفت حضورهم الفاعل في الصراع في سورية، ما أتاح لإيران ومشروع دولتها الفارسية الكبرى أن توسّع من نفوذها في سورية عبر التشييع الديني من جهة، وعبر التغلغل والسيطرة على المؤسسة الأمنية والعسكرية السوريتين من جهة أخرى.

الأسد مستعد لفعل كلّ شيء للحفاظ على هيمنته على حكم سورية، فهو فرّط باقتصاد البلاد وسمح للروس والإيرانيين بامتيازات اقتصادية مسّت جوهر السيادة الوطنية للبلاد، كل ذلك ثمناً لدعمهما لنظام حكمه في قمع الشعب السوري، ومنع سقوطه السياسي.

لهذا يمكن القول، أن شخصاً كبشار أسد، عمل على قتل مئات آلاف السوريين رفضاً لأي إصلاح أو تغيير سياسي، فإنه مستعد لفعل أي شيء مقابل إرضاء نزوعه للبقاء حاكماً للبلاد، ومهيمناً على مقدراتها وشعبها.

لقد دفن بشار أسد رأسه في الرمل حيال حرب إسرائيل على غزّة، وانكشفت بذلك أكاذيب نظامه على أنه أحد أضلاع نظام الممانعة والمقاومة، فهو لم ينبس ببنت شفة رفضاً للحرب على غزّة، بل بقي متفرّجاً على ضلعٍ آخر من أضلاع ما يسمّى “محور الممانعة والمقاومة”.

الأسد يشعر بالخطر من أقرب الحلفاء له، فهو بتسريبه للمعلومات الأمنية، التي أدّت وتؤدي إلى تصفية رموز الحرس الثوري الإيراني وضباطه، فإنه يدرك أن إيران لن تمرّر له هذه التسريبات، وبالتالي، ستحاسبه وقت ترى في ذلك مكسباً لها، يُبقي على مصالحها في سورية، فهي قادرة في كل لحظة على تصفيته جسدياً، ولكنها لن تفعل ذلك قبل إيجاد البديل عنه، والذي قد يقبله الخارج أولاً، وفي نفس الوقت يضمن لها بقاء مصالحها وشيء من نفوذها في سورية.

إن قراءة المشهد السوري في ظرفه الراهن يشير إلى عدم اقتراب الحل السياسي، وهذا ناتج عن ارتباط الصراع السوري بأجندات لا عبين دوليين آخرين، مثل الأجندة الروسية التي تُبقي ورقة سورية رهن مفاوضاتها القادمة مع الغرب لتحسين شروط تفاوضها، سيما وأن الأخير منخرط ضدها بالصراع في أوكرانيا، عبر دعمه المفتوح لكييف، كذلك ارتباط ملفي إيران النووي والباليستي بملف الصراع في سورية وحلها سياسياً.

وفق كل ما تقدّم، إن أي تغيير في صيرورة الصراع في سورية وعليها يحتاج إلى تغيير في ميزان القوى والمعادلة التي تحكمه، وهذا يتطلب تغييراً في دور المعارضة السورية الداخلي والخارجي.

داخلياً يجب تطوير أداء مؤسسات المعارضة عبر التحامها بحاضنتيها الشعبية والثورية، وهذا يحتاج إلى تغيير في بنية هذه المؤسسات كي تستطيع ملاقاة الجهد الشعبي والثوري اللازمين لتغيير ميزان القوى العام.

داخلياً، يجب الاتكاء على مفهوم النهوض الشامل في مناطق الشمال المحرر، وهذا لن يحدث بغير حوكمة سياسية فاعلة ترتكز على دعم دولي، ولن يحدث بغير وجود إدارة حكومية قادرة على إدارة شؤون هذه المناطق عبر برنامج نهوض يعتمد على استقطاب الاستثمارات، والأخيرة لن تأتي بغير استقرار أمني وقضائي حقيقيين.

إن هيكلة نظام أسد لأجهزته الأمنية لا تشير لغير محاولة حماية نفسه من الاختراقات الإيرانية لهذه المؤسسة، وبالتالي فهو ليس في وارد إصلاح مؤسسات حكمه الفاسدة، بل أنه يبحث عن أي احتمال يساعد في إطالة بقائه في الحكم بالقوة.

إن الولايات المتحدة ومعها الدول الديمقراطية في العالم الغربي الحر معنية بتقليص زمن بقاء هذا النظام الاستبدادي الإبادي، وهذا يعتمد على تضييقهم للخناق عليه، ومحاصرته وعد المراهنة على أنه قابل لتعديل السلوك والإصلاح.

فهل ستجد سياسة الغرب الديمقراطي سبيلاً إلى خنق النظام؟ إنه الدرب الوحيد لحل الكارثة السورية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني