fbpx

الناتو العربي

0 199

كثر الحديث عن نيّة إدارة الرئيس الأمريكي بايدن توقيع اتفاقية تعاون دفاعي أمني بين إسرائيل وستة دول عربية، من بينها العراق، لمواجهة التهديدات الإيرانيّة، وتضاربت التصريحات العربية حول ذلك فمنها من أكّدت وجود هذا المشروع ومنها من أنكر وجوده، ومنها من أكده ثم تراجع قبيل زيارة بايدن للمنطقة، واستبدل لغة التهديد ضد إيران بلغة الانفتاح على الحوار معها والتعاون في القضايا الإقليميّة والدوليّة.

تعتبر الجامعة الدول العربية هي الإطار التنظيمي للعلاقات بين الدول العربية وينص ميثاقها على التنسيق بين الدول الأعضاء في الشؤون الاقتصادية، ومن ضمنها العلاقات التجارية والاتصالات، والعلاقات الثقافية، والجنسيات ووثائق السفر والعلاقات الاجتماعية والصحة. ومن أهم أهدافها: تعزيز وتنسيق البرامج السياسية والبرامج الثقافية والاقتصادية والاجتماعية لأعضائها. التوسط في حل النزاعات التي تنشأ بين دولها، أو النزاعات بين دولها وأطرافٍ ثالثة.

الالتزام باتفاقيّة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لعام1950، والتي تقوم على الأسس التالية المنصوص عنها بالمواد 2 إلى 6 من معاهدة الدفاع المشترك:

  • تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أي دولة أو أكثر منها، أو على قواتها، اعتداء عليها جميعاً، ولذلك فإنها وعملاً بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن كيانها.. عملاً بالمادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية وعملاً بالمادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة يخطر على الفور جامعة الدول العربية ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء وما اتخذ في صدده من تدابير وإجراءات.
  • تتشاور الدول المتعاقدة فيما بينها، بناءً على طلب إحداها كلما هددت سلامة أراضي أي واحدة منها أو استقلالها أو أمنها. وفي حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى توحيد خططها ومساعيها في اتخاذ التدابير الوقائيّة والدفاعية التي يقتضيها الموقف.
  • وجاء في المادة العاشرة منها: تتعهد الدول المتعاقدة بألّا تعقد أي اتفاق دولي يناقض هذه الاتفاقية وبألا تسلك في علاقاتها الدوليّة مع الدول الأخرى مسلكاً يتناقض مع أغراض هذه الاتفاقية.

وهذه النصوص من المفترض أنها مُلزِمة للأطراف المتعاقدة أي للدول الأعضاء في الجامعة العربيّة إلا أننا على مدى أكثر من “72” سنة من توقيع المعاهدة بقيت نصوصها حِبراً على ورق، وكانت نتائجها خسارة فلسطين، ثم سيناء والجولان وغور الأردن والضِفة الغربيّة والقدس أمام العدوّ الصهيوني، ثم خسارة لبنان والعراق وسوريّة واليمن أما العدو الإيراني، وليس للعرب على مدى هذه العقود من السنين إلّا عدوِّين هما العدو الإسرائيلي الصهيوني، والعدو الفارسي “الصفيوني”.

ومنها اتفاقيّات فك الاشتباك بين سوريّة وإسرائيل الموقعة 1974، إبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1979. اتفاقية أوسلو الأولى 1993، اتفاقية غزة أريحا 1994، واتفاقية طابا، أوسلو الثانية 1995، اتفاقية “وادي عربة” بين الأردن وإسرائيل 2019 وآخرها اتفاقيتي السلام بين إسرائيل والإمارات، وإسرائيل والبحرين لعام 2020.

والنظام السوري أبرم اتفاقيات “دفاع مشترك” واتفاقيّات “تطوير عقاري واستثمار واقتصاد وحقوق امتياز في إدارة الثروات الوطنيّة وإعادة إنتاج وإعمار البلاد” وأغلب الدول العربيّة تربطها علاقات سياسيّة واقتصاديّة مع النظام الإيراني رغم كلِّ جرائمه ضد العرب والمسلمين السُنّة في الدول العربيّة ورغم احتلالها أربع دول عربيّة وسعيه للتوسع في احتلال دول أخرى.

فما هي مبررات وجود “ناتو عربي – إسرائيلي” وما هي الدوافع لقيامه، ومن هو العدوّ المفترض مواجهتها بهذا الناتو!!! فإن كان حقّاً الهدف منه مواجهة المشروع الإيراني فها هي معاهدة الدفاع العربي المشترك والتي تتمتع بالشرعيّة القانونيّة “الدوليّة” وهي من أساسيّات وجود الجامعة العربيّة ومن أهم ضرورات استمرارها، التي لن تستطيع أي دولة عربيّة التملّص من الالتزام بها، ولا حاجة لضمّ العدوّ الإسرائيليّ إلى أي حلف عسكريّ في المنطقة، فحريّاً بهذه الدول تفعيلها وإعادة ترتيب اللجنة العسكريّة الدائمة المنصوص عنها بالمادة “5” من هذه المعاهدة، وطرد الأنظمة التي خالفت ميثاق الجامعة العربيّة ومعاهدة الدفاع المشترك وضربت كل عمل عربي مشترك عرض الحائط وساهمت في انهيار الأمن القومي العربي لصالح إيران والكيان الإسرائيلي بذرائع كاذبة كالصمود والتصدّي أو المقاومة والممانعة، وبدل أن تزجّ بجيوشها وترساتنها من السلاح في وجه هذين العدوّين قامت بتدمير أوطاننا وقتل وتهجير شعوبنا.

لكن للأسف جامعة الدول العربيّة مثلُها مثلُ “الجامعات الافتراضية” التي انتشرت في البلاد العربيّة، وحكّام العرب مثلهم مثل عمداء أو وكلاء الكليّات، ولكل وكيل منهاج ومقررات خاصّة به، يأخذ ما يحلو له ويرمي ما لا يوافق هواه، همّهم كرسي “العمادة” أو منصِب “الوكالة” وما يدرّه عليه من مزايا ماديّة ومعنويّة، لا يهمه مصلحة الطلاب ولا سمعتِهِ ولا سمعة الجامعة، ويوزِّع شهادات النجاح والتفوق ومراتب الشرف وفق معايير القرب والبُعد منه، ومقدار المدفوعات.

الحكّام العرب ينطبق عليهم قول الله تعالى: “لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ”.

فهم مجرّد حكّام وظيفيّون همّهم الحفاظ على العروش، وملء الكروش، يأتمرون بأمر أسيادهم في الشرق والغرب لذا تراهم لا يثقون ببعضهم، فهم قومٌ بُهت لا يأمنون غدر بعضهم بعضاً، ولن تَصلُح أحول الأمة إلّا بزوالهم واجتثاثهم من جذورهم من هذه الأمة.

لذا فإن الهدف الرئيسي من هذا المشروع إن تمّ تمريره فهو لدمج العدوّ الإسرائيلي في منظومة الأمن القومي العربي كطرف رئيسي في حمايته، الأمر الذي يؤدّي إلى فرض التطبيع معه على مستوى الشعب العربي كلِّه، وبما أن اللجوء إلى خيار المواجهة العسكريّة مع إيران مستبعد تماماً من قِبل الجميع، فإن هذا المشروع سينحصر في ترتيب المنطقة ووضع قواعد لإدارة الصراع في المنطقة عبر تفاهمات واتفاقيّات تعيد إنتاج النظام السوريّ وحفظ المصالح الإستراتيجيّة الإيرانيّة في العمق العربي على قاعدة الاعتراف والتطبيع الكامل مع إسرائيل.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني