“المفوضية العليا للانتخابات”.. قرار فردي يجب طيّه
أحدث القرار الذي أصدره الدكتور نصر الحريري، بتاريخ 19/11/2020، هزّة كبرى في وسط الحاضنة الشعبية للثورة وقواها المعبرة عنها، إضافة لطيف سياسي واسع، حيث انطوى هذا القرار على فردية بإصداره، إذ لم يُشر البيان إلى قرار بإحداث مثل هكذا “مفوضية” من قبل الهيئة السياسية للائتلاف.
إن إنشاء (مفوضية عليا للانتخابات) من قبل مؤسسة الائتلاف وباسمها، هو خطوة خاطئة، فمثل هكذا مفوضية يتمّ تشكيلها في المرحلة الانتقالية، التي نصّ عليها القرار الدولي رقم 2254 لعام 2015م. بينما لا تزال اللجنة الدستورية وهي سلة من السلال التي احتواها القرار الدولي المذكور، في حالة عطالة مقصودة من قبل نظام الأسد الخائف من وثائقها التي سيتفق عليها بإشراف الأمم المتحدة.
وبهذا سيكون هناك مفوضيتان، واحدة للمعارضة، وأخرى للنظام السوري. ومادام الظرف المقصود بإنشائها وفق القرار الدولي المذكور هو (بعد تأمين بيئة آمنة ومحايدة)، إذاً هذه البيئة غير متوفرة على الإطلاق، والمقصود منها هو خلق بيئة آمنة تبدأ مع إنفاذ المرحلة الانتقالية وعودة المهجرين، وإشراف دولي حقيقي على الانتخابات.
إن تشكيل المفوضية العليا للانتخابات يتم بعد تنفيذ القرار 2254، وليس قبله. فعلى أي أساس يشكّل الدكتور نصر الحريري هذه الهيئة وبخطوة فردية منه، ولم تتوفر شروط إنشائها.
والسؤال ماذا سيفعل الائتلاف أو رئيسه في حالة استمرار النظام برفض وتعطيل التفاوض حول سلال القرار 2254، والتي يطالب بيدرسون بتفعيل التفاوض بالتزامن بينها؟ سيما وأن النظام يعدّ العدّة لانتخاباته الخاصة به في تموز عام 2021 من أجل إعادة انتخابه. فهل سيدخلون الانتخابات وفق دستور 2012، ويقبلون بانتخاب بشار الأسد رئيساً للبلاد، وهو الذي تلاحقه ونظامه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؟
ثم لماذا لم يفكّر ائتلاف قوى الثورة والمعارضة بتهيئة بيئة مناسبة لتطبيق حالة ديمقراطية في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون حتى اللحظة؟. أليس في ذلك تجاهل متعمّد لإرادة السوريين الذين يدفعون قيمة الثورة شهداء ومعوقين وخياماً لا تقي من برد أو حر، ولا أحد يسأل عن تنظيم أمورهم، وتحديداً من الائتلاف الذي يسمي نفسه بنفسه ممثلاً شرعياً للمعارضة وقوى الثورة وحاضنتهما.
إن الانتهاكات التي تتم بحق ثوابت الثورة، ومنها خطوة إنشاء “مفوضية عليا للانتخابات، تتطلب من الهيئة السياسية لائتلاف قوى الثورة والمعارضة الاجتماع السريع، ومناقشة القرار الذي أصدره رئيسهم، ومناقشة هل يتفق هذا القرار مع مضمون وآليات القرار الدولي 2254، أم أنه خطوة فردية لها حسابات أخرى لدى الدكتور نصر الحريري.
والغريب في الأمر أن القيادات السياسية تلجأ دائماً إلى استمزاج رأي الشعب بقضية تنوي اتخاذ قرار بها، وهذا لم يفعله رئيس الائتلاف الدكتور نصر الحريري، فهل يعتقد أن شرعيته تأتي من أصدقاء سوريا المفترضين؟ أم من الشعب السوري الذي ثار على نظام الاستبداد في دمشق.
إن ضبط عمل مؤسسات الثورة الرسمية يجب أن ينطلق من ثوابتها، وليس من ثوابت قوى إقليمية أو دولية لها أجندتها الخاصة بالحل السياسي للصراع السوري، وهذا الأمر يجب حله، من خلال إيجاد إطار وطني سوري يمكن انتخاب أعضائه أو اختيارهم من كل مناطق سوريا، ليكون بمثابة مرجعية شعبية ووطنية (برلمان مؤقت) يحاسب أي معارض أو جهة في المعارضة تنتهك الثوابت أو تقدم تنازلات بما يخص حقوق السوريين بالانتقال السياسي وفق جوهر القرار 2254.
إن ادعاء التمثيل السياسي وفق شرعية أصدقاء سوريا ليس ادعاءً مقبولاً لدى الثورة وقواها إذا ما تنازل هذا الشخص أو ذاك، هذه الجهة أو تلك عن حقوق السوريين أو قام بالقفز فوقها.
نعتقد أن الائتلاف، ودرءاً لأي تطورات سلبية، تلحق بخطوة “خاطئة”، هي قرار (إنشاء مفوضية عليا للانتخابات) معني بإيجاد حل سريع يتم على أساس نزع فتيل الأزمة التي سببها هذا القرار، وهذا يتطلب طي القرار وتقديم اعتذار للشعب السوري من الجهة التي أصدرته.
فإذا كان النظام الداخلي للائتلاف لا يسمح بمحاسبة أعضائه ورئيسه في حال انتهاكهم له، فإن هذه الخطوة يجب أن تتم من خلال الدعوة لعقد مؤتمر وطني شامل يمثّل إرادة الثورة والمعارضة والشعب السوري الثائر، من أجل وضع أطر محاسبة ومراجعة أي قرار أو إجراء تتخذه الجهات التنفيذية في المعارضة، فسلطة السوريين عبر مؤتمر وطني شامل هي إرادتهم وقرارهم، ولا أحد يعلو على قرار الشعب.
فهل يذهب أعضاء الهيئة السياسية إلى مثل هكذا خطوات؟ أم أنهم أو بعضهم شركاء في هذه الخطوة لغايات لا يكفي نفيها من أجل أن يصدقها السوريون الثائرون على الاستبداد، والذي دفعوا من أجل اقتلاعه ولا يزالون كل غالٍ وثمين من دمهم وأملاكهم وسني حياتهم.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”